Tafsir Al-Uthaymeen: From Juz’ Qad Sami' and Tabarak - Dar Al-Tabari
تفسير العثيمين: من جزء قد سمع وتبارك - ط مكتبة الطبري
ناشر
مجمع البحرين
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
پبلشر کا مقام
مكتبة الطبري (مصر)
اصناف
أنت إذا تأمَّلتَ ما يُدبِّره اللّه في خلقه تبيَّن لك العجب العُجاب، إبراهيم ﵊ أبوه كافر، ونوح ابنُه كافر، ومحمد ﷺ عمُّه كافر، وهذه من آيات اللّه.
إبراهيم كان أبوه كافرًا، وجرى بينه وبينه محاورة، ذكرها الله تعالى في سورة مريم، وكان ابنُه إبراهيم ﵊ يدعوه باللُّطف، يقول: ﴿يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ ولم يقل: إني عالم وأنت جاهل؛ لأنه لو قال: أنت جاهل لصار في نفسه بعض النفور، لكنه قال: ﴿قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾، الجواب بعد هذا التلطُّف في الخطاب، ماذا قال؟ ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ﴾ يعني: أترغب عن آلهتي فتوحِّد ولا تُشرِك، ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ﴾ هل تتصوَّر أن رجلًا يرجم ابنه بالحجارة؟ لكن مع طغيان أبيه وشركه أوجب له أن يقول لابنه: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾، فماذا قال له إبراهيم؟ ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾، فوعده أن يستغفر له، ولكن قال الله ﵎: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: ١١٣]، وأجاب ﷾ عن استغفار إبراهيم لأبيه: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤].
المهم: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وجدوا من أقوامهم المعارضة والمعاندة؛ بل وعرض الرقاب للقتال، ولكن العاقبة للمتقين.
في النهاية قال نوح ﵊: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ سأل اللّه أن يمحو الكافرين من على الأرض، وبيَّن عُذرَه في هذا الدعاء؛ لأنه قد يقول قائل: من المُتوقَّع أن يقول نوح: اللهم اهد قومي، لكنه قال: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾، ثم اعتذر عن هذا الدعاء بقوله: ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾، فهذا اعتذار من نوح ﵊ عن هذه الدعوة العظيمة ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾.
﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ أنزل اللّه في قصة نوح سورة كاملة، وأنزل في قصة يوسف سورة كاملة.
في هذه الآية دليل على: أن أبَوَي نوح كانا مؤمنَيْن، من قوله: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ فدعا
14 / 354