Tafsir al-Uthaymeen: An-Nur
تفسير العثيمين: النور
ناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٦ هـ
پبلشر کا مقام
المملكة العربية السعودية
اصناف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُهُ ونَسْتعينُه ونَسْتغفرُه، ونَعوذُ بالله مِن شُرور أَنْفُسنا ومن سيِّئات أعمالِنا، مَن يَهْده اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ له، وأَشْهَد أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَه، وأَشْهَد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، أرسلَه اللهُ بالهُدَى ودِين الحَقِّ؛ فبلَّغَ الرِّسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونَصَح الأمَّةَ، وجاهَد في الله حَقَّ جِهادِه، حتَّى أتاهُ التقينُ، فصَلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلَى آلِه وأصحابِه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّين، أَمَّا بَعْدُ:
فمِنَ الدُّروسِ العِلميَّة المُسجَّلَة صَوتيًّا، والَّتِي كانَ يَعقِدُها صاحِبُ الفَضِيلةِ شَيخُنا العلَّامةُ الوالِدُ محمَّدُ بن صالحٍ العُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في جامِعِهِ بمَدِينَةِ عُنَيْزَةَ صَباحَ كُلِّ يومٍ أثناءَ الإِجازاتِ الصَّيْفيَّة؛ حَلقات فِي تَفْسير القُرآن الكَرِيم كانَت بِدايتُها مِن سُورة النُّور وما بَعدَها؛ حتَّى بلَغ قَولَه تَعالَى في سُورة الزُّخرف: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)﴾.
وقَدِ اعتَمدَ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى في تَفْسيرِه لتِلْكَ السُّور كِتابًا بَيْن يَدَيِ الطُّلاب هُو (تَفْسير الجَلالَيْنِ) للعلَّامة جَلال الدِّين محمَّد بنِ أَحْمدَ بنِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ المَحَلِّيِّ، المُتوفَّى سَنَةَ (٨٦٤ هـ) (^١)، والعلَّامة جَلال الدِّين عبد الرَّحمن بن أَبِي بَكْر بنِ محمَّد
_________
(^١) انظر ترجمته في: الضوء اللامع (٧/ ٣٩)، حُسن المحاضرة (١/ ٤٤٣).
1 / 5
ابنِ سابِق الدِّين الخُضَيْرِيِّ السُّيُوطِيِّ، المُتوفَّى سنة (٩١١ هـ) (^١). تغمَّدهما الله بواسِع رَحمته ورِضوانه، وأَسْكنهما فَسِيحَ جنَّاتِه، وجَزاهُما عَنِ الإِسْلام والمُسلِمِينَ خَيرَ الجَزاءِ.
وسَعْيًا -بإِذْنِ اللهِ تَعالَى- لِتَعْمِيمِ النَّفْع بتِلْكَ الجُهُود المُبارَكة فِي هَذا المَيْدَان العَظِيم باشَر القِسْمُ العِلْمِيُّ بِمُؤسَّسةِ الشَّيخِ مُحمَّد بنِ صالِحِ العُثَيْمِين الخَيْرِيَّةِ واجِباتِه فِي شَرَفِ الإِعْدادِ والتَّجْهِيز للطِّباعةِ والنَّشْر لِإِخْراجِ ذَلِكَ التُّراث العِلمِي؛ إنفاذًا للقَواعِدِ والضَّوابِط والتَّوْجِيهاتِ الَّتِي قَرَّرها فَضيلةُ الشَّيخِ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى في هَذا الشَّأْنِ.
نَسْأل اللهَ تعالَى أنْ يَجْعلَ هَذا العَمَلَ خالصًا لِوجهِه الكَريمِ؛ نافِعًا لعِبادِه، وأنْ يَجزِيَ فَضِيلةَ شيخِنا عَنِ الإسلامِ والمسلمِينَ خَيْرَ الجزَاء، ويُضَاعِفَ لهُ المثُوبَةَ والأَجْرَ، ويُعليَ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ، إِنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ مجُيبٌ.
وَصَلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك علَى عبدِه ورَسولِه، خاتَمِ النَّبِيِّينَ، وإِمامِ المُتَّقِينَ، وسيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرينَ، نبيِّنَا محمَّدٍ، وعلَى آلِه وأَصْحابِه والتَّابعينَ لهُمْ بإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
القِسْمُ العِلْمِيُّ فِي مُؤَسَّسَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ العُثَيْمِين الخَيْرِيَّةِ
٢٠ جُمَادَى الآخِرَة ١٤٣٦ هـ
* * *
_________
(^١) انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (٣/ ٣٠١).
1 / 6
نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ العُثَيْمِين ١٣٤٧ - ١٤٢١ هـ
نَسَبُهُ وَمَوْلِدُهُ:
هُو صاحِبُ الفضِيلةِ الشَّيخُ العالِمُ المحقِّق، الفَقِيه المفسِّر، الوَرِع الزَّاهد، محُمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ آل عُثَيْمِين مِنَ الوهبَةِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ.
وُلد فِي ليلةِ السَّابعِ والعِشرينَ مِن شَهرِ رمَضانَ المبارَك، عامَ (١٣٤٧ هـ) فِي عُنيزَةَ -إِحدَى مُدِن القَصِيم- فِي المملَكةِ العَربيَّةِ السُّعُوديَّةِ.
نَشْأَتُهُ العِلْمِيَّةِ:
أَلحْقَهُ والدُه -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لِيتعلَّمَ القُرآنَ الكَريمَ عندَ جَدِّه مِن جِهةِ أُمِّه المعلِّم عَبْد الرَّحمن بن سُلَيْمان الدَّامِغ ﵀، ثمَّ تعلَّم الكِتابةَ، وشيئًا مِن الحِسابِ، والنُّصُوص الأَدبيَّة؛ فِي مدرسةِ الأُستاذ عَبْد العزيزِ بن صالِحٍ الدَّامِغ ﵀، وذلكَ قبلَ أنْ يَلْتَحِقَ بمَدْرسة المعلِّم عليِّ بنِ عَبْد الله الشّحيتان -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- حيثُ حَفِظَ القُرآنَ الكَريمَ عندَه عن ظَهْرِ قَلْبٍ ولمَّا يتجاوز الرَّابعةَ عَشْرَةَ مِن عُمُرِه بَعْدُ.
وبتَوْجيهٍ مِن والد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أَقْبَلَ علَى طلَب العِلم الشَّرعيِّ، وكانَ فضيلةُ الشَّيْخِ العلَّامةُ عَبْدُ الرَّحمن بن ناصرٍ السّعْديُّ ﵀ يُدرِّس العُلوم
1 / 7
الشَّرعيَّة والعَربيَّة فِي الجامِع الكَبِير بعُنَيْزَةَ، وقَد رَتَّب اثنَيْنِ (^١) مِن طَلَبته الكِبار لِتَدريسِ المُبتدِئينَ مِنَ الطَّلَبة، فانضَمَّ الشَّيْخُ إلَى حَلقةِ الشَّيْخ محمَّدِ بنِ عَبْد العزيزِ المطوّع ﵀ حتَّى أَدْرَكَ مِنَ العِلم -فِي التَّوْحِيد، والفِقه، والنَّحو- ما أَدْرَكَ.
ثُمَّ جَلَس فِي حَلقة شَيْخِه العلَّامَة عَبْد الرَّحمن بنِ ناصرٍ السّعْديِّ ﵀، فدرَس عليه فِي التّفسِير، والحديث، والسِّيرة النَّبويَّة، والتَّوحِيد، والفِقه، والأُصول، والفَرائِضِ، والنَّحْو، وحَفِظَ مخُتصراتِ المُتُونِ فِي هذِهِ العُلُوم.
ويُعَدُّ فضيلةُ الشَّيْخ العلَّامَة عَبْدُ الرحمن بن ناصرٍ السّعْديُّ ﵀ هُو شيخَه الأوَّلَ؛ إِذْ أخَذ عَنْهُ العِلْمَ -مَعْرفةً وطَرِيقةً- أَكْثَرَ ممَّا أخَذ عَنْ غَيرِهِ، وتَأَثَّر بمَنْهجِه وتَأصِيلِه، وطَريقةِ تَدْريسِه، واتِّباعِه لِلدَّليل.
وعِندَما كانَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرحمن بن عليِّ بن عودانَ ﵀ قاضيًا فِي عُنيزةَ قرَأ عليه فِي عِلم الفَرائضِ، كما قَرأ علَى الشَّيْخ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَفِيفِي ﵀ فِي النَّحو والبَلاغَة أَثناءَ وُجودِه مُدَرِّسًا فِي تِلكَ المَدِينة.
ولمَّا فُتِحَ المَعْهَدُ العِلْمِيُّ فِي الرِّياضِ أَشارَ عليه بعضُ إِخْوانِه (^٢) أنْ يَلْتَحِقَ بِهِ، فاستَأْذَنَ شيخَه العلَّامةَ عَبْدَ الرَّحمنِ بنَ ناصرٍ السّعْدِيَّ ﵀ فأَذِنَ له، والْتَحَق بالمَعْهَدِ عامَيْ (١٣٧٢ - ١٣٧٣ هـ).
ولقَدِ انتفعَ -خلالَ السَّنتَيْن اللَّتَيْن انتظَم فِيهما فِي مَعهدِ الرِّياضِ العِلْمِيِّ- بالعُلماءِ الَّذِين كانُوا يُدرِّسونَ فِيه حِينذَاكَ، وجمنْهُمُ: العلَّامَةُ المُفَسِّرُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الأَمِين الشّنْقِيطِيُّ، والشَّيْخُ الفَقِيه عَبْدُ العزيزِ بن ناصرِ بنِ رشيدٍ، والشَّيْخُ المُحدِّثُ عَبْدُ الرحمنِ الإِفْرِيقِيُّ -رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى-.
_________
(^١) هما الشَّيْخان محمد بن عَبْد العزيز المطوع، وعلي بن حمد الصالحي رحمهما الله تَعَالَى.
(^٢) هو الشَّيْخ علي بن حمد الصَّالحي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
1 / 8
وفِي أَثناءِ ذَلكَ اتَّصلَ بسَماحةِ الشَّيْخِ العلَّامةِ عَبْدِ العزيزِ بنِ عَبْدِ الله بنِ بَازٍ ﵀، فقرَأ عليه فِي المسجِد: مِن صَحِيح البُخارِيِّ، ومن رَسائِل شَيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ؛ وانتفَع به فِي عِلم الحَدِيث، والنَّظر فِي آراءِ فُقهاءِ المَذَاهِب والمُقارَنةِ بينَها، ويُعدُّ سماحةُ الشَّيْخِ عَبْدُ العزيزِ بن بازٍ ﵀ هو شَيْخَهُ الثَّانِي فِي التَّحْصِيلِ والتَّأثُّرِ بِهِ.
ثُمَّ عادَ إلَى عُنيزَةَ عامَ (١٣٧٤ هـ)، وصارَ يَدْرُسُ علَى شَيْخِهِ العلَّامةِ عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ ناصرٍ السّعْدِيِّ، ويُتاجُ دِراسَتَهُ انتِسَابًا فِي كُليَةِ الشَّرِيعَةِ، الَّتِي أَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنْ جامِعَةِ الإِمامِ مُحَمَّدِ بنِ سُعُودٍ الإِسْلامِيَّةِ، حتَّى نالَ الشَّهادَةَ العالِيَةَ.
تَدْرِيسُهُ:
تَوَسَّمَ فِيهِ شَيْخُهُ النَّجابَةَ وسُرْعةَ التَحْصِيلِ العِلْمِيِّ فشَجَّعَهُ علَى التَّدرِيسِ وهُوَ ما زالَ طَالِبًا فِي حَلقتِه، فبَدَأ التَّدرِيسَ عامَ (١٣٧٠ هـ) فِي الجامِع الكَبيرِ بعُنَيْزَةَ.
ولمَّا تخرَّجَ فِي المَعْهَدِ العِلْمِيِّ فِي الرِّياضِ عُيِّنَ مُدَرِّسًا فِي المَعْهَدِ العِلْمِيِّ بعُنيزَةَ عامَ (١٣٧٤ هـ).
وفِي سَنَةِ (١٣٧٦ هـ) تُوُفِّيَ شَيْخُهُ العلَّامةُ عَبْدُ الرَّحمنِ بن ناصرٍ السّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فتَوَلّى بعدَه إمامَةَ الجامِعِ الكَبيرِ فِي عُنَيْزَةَ، وإمامَةَ العِيدَيْنِ فِيها، والتَّدْرِيسَ فِي مكتبةِ عُنيزَةَ الوَطَنيَّةِ التَّابعةِ لِلجامِعِ، وهِي التِي أسَّسَها شيخُه ﵀ عامَ (١٣٥٩ هـ).
وَلمَّا كَثُرَ الطَّلبةُ، وصارَتِ المكتبةُ لا تَكْفِيهِم، بدَأ فَضيلةُ الشَّيْخِ ﵀ يُدرِّسُ فِي المسجِدِ الجامِعِ نَفْسِهِ، واجتمَعَ إلَيْهِ الطُّلَّابُ وتَوافَدُوا مِنَ المملكَةِ وغيرِها، حتَّى كانُوا يَبْلُغونَ المِئاتِ فِي بعضِ الدُّرُوسِ، وهؤلاءِ يَدْرُسُونَ دِراسَةَ
1 / 9
تَحصيلٍ جادٍّ، لَا لِمُجرَّدِ الاستِماعِ. وبَقِيَ علَى ذَلكَ -إمامًا وخَطيبًا ومُدرِّسًا- حتَّى وفاتِهِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-.
بَقِيَ الشَّيْخُ مُدرِّسًا فِي المَعْهَدِ العِلْمِيِّ مِن عامِ (١٣٧٤ هـ) إلَى عامِ (١٣٩٨ هـ) عندَما انتقَلَ إلَى التَّدرِيسِ فِي كُلِّيَّةِ الشَّرِيعَةِ وأُصُولِ الدِّينِ بِالقَصِيمِ، التَّابِعَةِ لجامِعةِ الإمامِ مُحَمَّدِ بنِ سُعُودٍ الإِسلامِيَّةِ، وظَلَّ أُستاذًا فِيها حتَّى وفاتِه -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-.
وكانَ يُدرِّسُ فِي المسجِد الحَرامِ والمسجِد النَبويِّ، فِي مَواسِم الحجِّ ورمَضانَ والإِجازاتِ الصَّيفيَّة، مُنذُ عامِ (١٤٠٢ هـ) حتَّى وفاتِهِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-.
وَللشَّيْخِ ﵀ أُسلوبٌ تَعْليمِيٌّ فَريدٌ فِي جَودتِهِ ونَجاحِهِ، فهُو يُناقِشُ طُلَّابَهُ وَيتقبَّلُ أسئِلَتَهُم، ويُلقِي الدُّرُوسَ والمُحاضَراتِ بهِمَّةٍ عالِيَةٍ ونَفْسٍ مُطْمَئنَّةٍ واثِقَةٍ، مُبْتَهِجًا بنَشْرِهِ لِلعِلْمِ وتَقْرِيبِهِ إلَى النَّاسِ.
آثَارُهُ العِلْمِيَّةُ:
ظَهَرَتْ جُهُودُهُ العَظِيمةُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- خِلالَ أَكْثرَ مِن خَمسِينَ عامًا مِنَ العَطاءِ والبَذْلِ فِي نَشْرِ العِلْمِ والتَّدْرِيسِ والوَعْظِ والإِرْشادِ والتَّوْجِيهِ وإِلْقاءِ المُحاضَراتِ والدَّعْوةِ إلَى اللهِ ﷾.
ولقَدِ اهتَمَّ بالتَّأْليفِ، وتَحريرِ الفَتاوَى والأَجْوبة، التِي تمَيّزَتْ بالتَّأصِيلِ العِلْمِيِّ الرَّصِينِ، وصدَرتْ لَهُ العَشَراتُ مِنَ الكُتُبِ والرَّسائِلِ والمُحاضَراتِ والفَتاوَى والخُطَبِ واللِّقاءاتِ والمَقالاتِ، كَما صدَرَ لَهُ آلافُ السَّاعاتِ الصَّوْتيَّةِ التِي سَجَّلَتْ مُحاضَراتِه وخُطَبَهُ ولقاءاتِهِ وبراتِجه الإِذاعِيَّةَ ودُرُوسَهُ العِلْميَّةَ؛ فِي تَفْسِير القُرْآنِ الكَريم، والشُّرُوحاتِ المُتميِّزةَ لِلحَديثِ الشَّريفِ والسِّيرَةِ النَّبويَّةِ، والمُتُونِ والمنظُوماتِ فِي العُلومِ الشَّرْعيَّةِ والنَّحْويَّةِ.
1 / 10
وَإِنفاذًا لِلقَواعِدِ والضَّوابِطِ والتَّوْجِيهاتِ التِي قَرَّرها فَضيلتُهُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لِنَشْرِ مُؤلَّفاتِه، ورَسائِلِه، ودُرُوسِه، ومُحاضراتِه، وخُطبِه، وفَتاواهُ، ولقاءاتِه؛ تَقُوم مُؤسَّسَةُ الشَّيْخِ محُمَّدِ بنِ صالِحٍ العُثَيْمِين الخَيْريَّةُ -بعَوْنِ اللهِ وتَوْفِيقِه- بوَاجِبِ وشَرَفِ المَسْؤُوليَّةِ لإِخْراجِ كافَّةِ آثارِهِ العِلْمِيَّةِ والعِنايَةِ بِهَا.
وبِناءً علَى تَوْجِيهاتِه -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أُنْشِئَ لَهُ مَوقِع خاصٌّ علَى شَبَكةِ المَعْلُوماتِ الدَّوْلِيَّةِ (^١)، مِن أَجْلِ تَعْمِيمِ الفائِدَةِ المَرجُوَّةِ -بعَوْنِ اللهِ تَعَالَى-، وتَقدِيمِ جَمِيعِ آثارِهِ العِلْمِيَّةِ مِنَ المُؤلَّفاتِ والتَّسْجِيلاتِ الصَّوْتِيَّةِ.
أَعْمَالُهُ وجُهُودُهُ الأُخْرَى:
إِلَى جانِبِ تِلكَ الجُهُودِ المُثْمِرَةِ فِي مجَالاتِ التَّدْرِيسِ والتَّأْليفِ والإِمامَةِ والخَطابَةِ والإِفْتاءِ والدَّعْوةِ إلَى الله ﷾ كانَ لِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ أَعمالٌ كَثيرَةٌ مُوَفَّقَةٌ مِنْهَا:
• عُضوًا فِي هَيْئة كِبارِ العُلماء فِي المَمْلكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّة، مِن عام (١٤٠٧ هـ) حتَّى وفاته.
• عضوًا فِي المَجْلِس العِلمِيِّ بجامِعةِ الإمامِ محُمَّدِ بنِ سُعُودٍ الإسلاميَّةِ، فِي العامَيْنِ الدِّرَاسِيَّيْنِ (١٣٩٨ - ١٤٠٠ هـ).
• عضوًا فِي مَجْلِسِ كُلِّيَّةِ الشَّرِيعةِ وأُصُولِ الدِّينِ، بفَرْعِ جامِعةِ الإمامِ مُحمَّدِ بنِ سُعُودٍ الإسلاميَّةِ فِي القَصِيمِ، ورَئيسًا لقِسْمِ العَقِيدةِ فِيها.
• وفي آخِرِ فَترةِ تَدريسِهِ بالمَعْهَدِ العِلْمِيِّ شارَكَ فِي عُضويَّةِ لجْنَةِ الخِطَطِ والمَناهِجِ لِلمَعاهِدِ العِلْمِيَّةِ، وأَلَّفَ عَدَدًا مِنَ الكُتُبِ المُقَرَّرَةِ فِيهَا.
_________
(^١) www. BINOTHAIMEEN. COM
1 / 11
• عُضوًا فِي لجْنَةِ التَّوْعِيَةِ فِي مَوْسِمِ الحَجِّ، مِن عام (١٣٩٢ هـ) حتَّى وفاته -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، حيثُ كانَ يُلقِي دُرُوسًا ومحُاضراتٍ فِي مكَّة والمَشاعِر، ويُفْتِي فِي المَسائِلِ والأَحكامِ الشَّرعيَّة.
• تَرأَّسَ جَمعيَّةَ تَحفيظِ القُرْآنِ الكَريمِ الخيريَّةَ فِي عُنَيْزَةَ مُنْذُ تَأْسِيسِها عامَ (١٤٠٥ هـ) حتَّى وفاتِه.
• أَلقَى مُحاضراتٍ عَديدةٍ داخِلَ المملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّةِ علَى فِئاتٍ مُتنوِّعةٍ مِنَ النَّاسِ، كمَا أَلقَى محُاضراتٍ عَبْرَ الهاتِفِ علَى تَجمُّعاتٍ ومَراكِزَ إسلاميَّة فِي جِهاتٍ مُختلفةٍ مِنَ العالَمِ.
• مِن عُلماءِ المملكةِ الكِبارِ الذِين يُجيبُونَ علَى أَسئلةِ المُسْتفسِرِينَ حولَ أَحكامِ الدِّينِ وأُصُولِه؛ عَقِيدةً وشَريعةً، وذَلكَ عَبْرَ البَرَامِجِ الإِذاعيَّةِ فِي المملكةِ العَربيَّةِ السُّعُوديَّةِ، وأَشهرُها بَرْنامَجُ (نُورٌ عَلَى الدَّرْبِ).
• نَذَرَ نَفْسَهُ لِلإجابَةِ علَى أَسئلةِ السَّائِلِينَ؛ مُهاتَفةً ومُكاتَبةً ومُشافَهةً.
• رَتَّبَ لِقاءاتٍ عِلميَّة مُجَدْوَلَةً، أُسْبُوعيَّةً وشَهْريَّةً وسَنَويَّةً.
• شارَكَ فِي العَدِيد مِنَ المُؤتَمراتِ التِي عُقِدَت فِي المملكةِ العربيَّةِ السُّعُوديَّةِ.
• ولأَنَّه يَهتمُّ بالسُّلوكِ التَّربويِّ والجانِبِ الوَعْظِيِّ اعتنَى بتَوْجِيهِ الطُّلَّابِ وإِرشادِهِم إلَى سُلُوكِ المَنْهَجِ الجَادِّ فِي طَلَبِ العِلْم وتَحْصيلِه، وعَمِلَ علَى استِقْطابِهِمْ والصَّبْرِ علَى تَعْلِيمِهِمْ وتَحمُّلِ أَسئلتِهِمُ المُتعدِّدةِ، والاهتمامِ بأُمُورِهِمْ.
• وللشَّيخِ ﵀ أَعمالٌ عَديدةٌ فِي مَيادِينِ الخَيرِ وأَبوابِ البِرِّ ومَجالاتِ الإِحْسانِ إلَى النَّاسِ، والسَّعْيِ فِي حَوائِجِهِمْ وكِتابَةِ الوَثَائِق والعُقُودِ بَيْنَهُمْ، وإِسداءِ النَّصِيحَةِ لهُمْ بِصِدْقٍ وإِخلاصٍ.
1 / 12
مَكانَتُهُ العِلْمِيَّةُ:
يُعَدُّ فَضيلةُ الشَّيْخِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ الذِينَ وَهَبَهُمُ اللهُ -بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ- تَأْصِيلًا وَمَلَكةً عَظِيمةً فِي مَعرفَةِ الدَّلِيلِ واتِّبَاعِهِ واستِنْبَاطِ الأَحْكامِ والفَوائِدِ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وسَبْرِ أَغْوارِ اللّغَةِ العَرَبِيَّةِ مَعَانِيَ وإِعْرابًا وبَلاغَةً.
وَلِمَا تَحلَّى بِه مِن صِفاتِ العُلَماءِ الجليلةِ، وأَخلاقِهِمُ الحَميدَةِ، والجَمْعِ بَيْنَ العِلْمِ والعَمَلِ؛ أَحَبَّهُ النَّاسُ مَحبَّةً عَظِيمَةً، وقَدَّرَهُ الجَميعُ كُلَّ التَّقديرِ، ورَزَقَهُ اللهُ القَبُولَ لَدَيْهِمْ، واطْمَأنُّوا لاخْتِيارَاتِهِ الفِقْهِيَّةِ، وأَقْبَلُوا علَى دُرُوسِهِ وفَتاواهُ وآثارِهِ العِلْمِيَّةِ، يَنْهَلُونَ مِنْ مَعِينِ عِلْمِهِ، وَيسْتَفِيدُونَ مِنْ نُصْحِهِ ومَواعِظِهِ.
وقَدْ مُنِحَ جائِزةَ المَلِك فَيْصَل -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- العَالَمِيَّةَ لخِدْمَةِ الإِسلامِ عامَ (١٤١٤ هـ)، وجاءَ فِي الحيْثيَّاتِ التِي أَبْدَتْها لجْنَةُ الاخْتِيارِ لمَنْحِهِ الجائِزَةَ مَا يَأْتِي:
• أَوَّلًا: تحَلِّيهِ بأَخْلاقِ العُلَماءِ الفاضِلَةِ التِي مِنْ أَبْرزِها: الوَرَعُ، ورَحابَةُ الصَّدْرِ، وقَوْلُ الحَقِّ، والعَمَلُ لمَصْلحةِ المُسلمِينَ، والنُّصحُ لِخَاصَّتِهِم وعامَّتِهِم.
• ثانِيًا: انتِفاعُ الكَثيرِينَ بعِلْمِهِ؛ تَدْرِيسًا وإِفتاءً وتَأْلِيفًا.
• ثالِثًا: إِلقاؤُهُ المُحاضَراتِ العامَّةَ النَّافِعةَ فِي مُختلَفِ مَناطِقِ المملكةِ.
• رابِعًا: مُشاركتُه المُفيدةُ فِي مُؤتَمراتٍ إسلاميَّةٍ كَثيرةٍ.
• خامِسًا: اتِّباعُه أُسلوبًا مُتميِّزًا فِي الدَّعْوةِ إلَى الله بالحِكْمَةِ والمَوْعِظةِ الحسَنةِ، وتَقْدِيمُهُ مَثَلًا حَيًّا لِمَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ فِكْرًا وسُلُوكًا.
عَقِبُهُ:
لَهُ خَمْسَةٌ مِنَ البَنِينَ، وثَلاثٌ مِنَ البَنَاتِ، وبَنُوهُ هُمْ: عَبْدُ الله، وعَبْدُ الرَّحْمَن، وإِبْرَاهِيمُ، وعَبْدُ العَزِيزِ، وعَبْدُ الرَّحِيم.
1 / 13
وَفَاتُهُ:
تُوُفِّيَ ﵀ فِي مَدِينَةِ جُدَّةَ، قُبَيلَ مَغْرِبِ يَومِ الأَرْبِعاءِ، الخامِسَ عشَرَ مِنْ شَهْرِ شَوَّال، عامَ (١٤٢١ هـ)، وَصُلِّي عَلَيه فِي المسجِدِ الحَرَام بَعْدَ صَلاةِ عَصْرِ يَومِ الخمِيسِ، ثُمَّ شَيَّعَتْهُ تِلكَ الآلافُ مِنَ المُصَلِّينَ والحُشُودِ العَظِيمَةِ فِي مَشاهِدَ مُؤثرَةٍ، ودُفِنَ فِي مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ.
وبَعْدَ صَلاةِ الجُمُعةِ مِنَ اليَوْمِ التَّالي صُلِّي عَلَيه صَلاةَ الغائِبِ فِي جَمِيعِ مُدُنِ المملكةِ العربيَّةِ السُّعُوديَّةِ.
رَحِمَ اللهُ شَيْخَنَا رَحْمَةَ الأَبْرارِ، وأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّاتِهِ، ومَنَّ عَلَيهِ بمِغْفِرَتِهِ ورِضْوَانِهِ، وجَزَاهُ عمَّا قَدَّم لِلإسْلامِ والمُسلِمِينَ خَيْرًا.
القِسْمُ العِلْمِيُّ فِي مُؤَسَّسَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ العُثَيْمِين الخَيْريَّةِ
* * *
1 / 14
سورة النور
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾ [النور: ١ - ٥].
الحمدُ للهِ ربّ العَالمَينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ عَلَى نبيِّنَا مُحمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وأصحَابِهِ ومَنْ تَبِعَهُم بإحسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ. وبَعد:
سُورَة النُّور: سُمِّيت بهذا الاسْم لقولِه تَعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النور: ٣٥]، وإذا تأمَّلتَ السُّورَة وجَدْت ذِكر النُّور فِيها، وأنَّ اللهَ نُورُ السَّمواتِ والأَرْض، وقولَه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠]، تبيَّن لكَ أنَّ العِفَّة مِن أسْبَاب نُور القَلْبِ، وأنَّ ضدَّها -وهُو الفُجورُ- مِن أسْبابِ ظُلمَةِ القَلْبِ، ولذلِكَ فإنَّ الزِّنا -سواءٌ كانَ بالعَيْن أو بالرِّجْل أو باليَد أو بِاللِّسانِ أو بالْفَرْجِ- تأثيرُه عَلى القَلْب وعلَى نُور القَلْب أعظَمُ مِن غيْرِه، وتأثير العِفَّةِ فِي نُور القَلْبِ أبْلَغُ.
1 / 15
الآية (١)
° قَال اللهُ ﷿: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: ١] (^١).
قيل: "سُمِّيَ الْقُرْآنُ لجماعَةِ السُّوَرِ وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ لأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنَ الأُخْرَى فَلَمَّا قُرِنَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ سُمِيَ قُرْآنًا"؛ هذا المعْنَى عجِيبٌ للقُرْآن، كأنَّ هذا يقُولُ إنَّه مأْخُوذٌ مِنَ القَرْن، والسُّورة سُمِّيت سُورَةً مِن التَّسْويرِ؛ لأنَّها مُحاطَةٌ مِن أوَّلها إِلى آخِرِها، فكأنَّه علَيْها سُورٌ فَإِذا قُرِن بعْضُها إِلى بعْضٍ سُمِّيت قُرآنًا، كأنَّه أُخذ مِن القَرْن، وهذَا معْنًى لا تَكادُ تَجِدُه فِي أُصول التَّفْسير أكْثر مَا يقُولونَ: مِن الجَمْع لاجْتِماع كَلِماتِه بعضِها إِلى بعْضٍ، أَوْ مِن القِرَاءَةِ للتِّلاوَة، وهذَا عَلى كُلِّ حالٍ صحِيحٌ.
قال ابن عباس: " ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ بيَّنَّاها" (^٢)، هذا التَّفسير لا أعرف هل يصِحُّ عنِ ابْن عبَّاسٍ أوْ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الإِنْزال غيرُ التَّبْيينِ، لكِنَّ اللهَ ﷿ لا شَكَّ أنَّه بيَّن القُرآنَ إلَّا أنَّ الإِنْزالَ غيْرُ التَّبْيينِ، بدَلِيل قولِه تَعالى: ﴿وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [المجادلة: ٥]، فلَو كانَ الإِنْزالُ بمَعْنى التَّبْيينِ لكَان المعْنَى: "لقَدْ بيَّنَّا آياتٍ بيِّناتٍ"،
_________
(^١) لم يوجد تسجيل صوتي لتفسير هذه الآية، ولهذا نُقل تفسيرها من تسجيل صوتي لفضيلة الشيخ رحمه الله تعالى في تعليقه على صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى.
(^٢) تفسير الطبري (١٩/ ٩٠)، صحيح البخاري (٦/ ١٢٤).
1 / 17
وهَذا لا يسْتَقِيم، فَالإِنْزالُ يدُلُّ علَى أنَّ هذِه السُّورَة مِن عنْدِ اللهِ ﷿، وأنَّها كلامُه، لأنَّ القُرْآنَ كلامٌ، فإِذا أضافَ اللهُ إِنْزالَه إلى نفْسِه دلَّ علَى أنَّه كلامُه.
قوله تعالى: ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ أي فرَضْنا الْعَمل بِما فِيها.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ هذَا يدُلُّ علَى أنَّ الإِنْزالَ ليْس هُو التَّبيين، بلْ هُو شيْءٌ سِوى التَّبْيين.
قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي لأَجْل أن تذَكَّروا، أي تتَّعِظُوا وتقُومُوا بِما أَوْجب اللهُ علَيْكم.
وقوله: "فرَّضْنَاهَا" أنزَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُختلِفَةً، وَمَنْ قَرَأَ ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ يَقُولُ فَرَضْنَا عَلَيْكُمْ، وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ؛ أي فرَضْنا عليْكُم العَمل بِما فِيها تصْدِيقًا في الأَخْبار، وتنفيذًا في الأَحْكام، و"فرَّضْناهَا" بالتَّشديدِ، يعْنِي جعلْنَا فِيها فرائِضَ مختَلِفةً وهُو كذَلِك، يعْني فِيها حُدود القَذْف والزِّنا والاستِئْذانِ، وغير ذَلك كَثِيرٌ، ففِيها فرائِض متعدِّدةٌ، فلهَذا جاءَتْ بلفْظِ (فرَّض) التَّضعِيف يدُلُّ على التِّكْرار.
1 / 18
الآية (٢)
° قَال اللهُ ﷿: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)﴾ (^١) [النور: ٢].
قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ ثبتَ عنِ النَّبيِّ ﷺ في ابْن الرَّجُل الَّذي زَنا بامرأةِ مَنِ استأجَره أنَّه قال له: "وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ" (^٢).
وعَن ابْنِ عُمرَ ﵄ أنَّ النَّبيَّ ﷺ جلَد وغرَّب، وأنَّ أبَا بكْرٍ جلَد وغرَّب، وأنَّ عُمر جلَد وغرَّب (^٣)، وهَذا القَوْلُ هُو الصَّحيح أنَّه يجْمَع بيْن الجلْد والتَّغْريبِ.
وقالَ بعْضُ العُلَماءِ: إنّه لا يُغَرَّب؛ لأنَّ التَّغرِيبَ لم يُوجَد فِي القُرْآنِ، وقَدْ قال اللهُ تَعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ
_________
(^١) لم يوجد تسجيل صوتي لتفسير هذه الآية، ولهذا نقل تفسيرها من كتاب فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى الشرح الممتع.
(^٢) أخرجه البخاري: كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم (٢٦٩٦)، ومسلم: كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، رقم (١٦٩٧).
(^٣) أخرجه الترمذي: كتاب الحدود عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في النفي، رقم (١٤٣٨).
1 / 19
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)﴾ [النور: ٢] ولَم يذْكُرِ التَّغريبَ.
ولكِنَّ هذا القَوْل ضَعيفٌ؛ لأنَّ ما ثَبت بالسُّنَّة وجَب العَملُ بِه، كَما يَجِب العَمَل بِما فِي القُرْآن؛ لقَوْل اللهِ تَعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، ولقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٣٦]، وقوله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧].
فيَجِب أنْ نَأخُذ بِما جاءَتْ بِه السُّنَّة، وإنْ كان زَائدًا عمَّا فِي القُرْآن، بَلْ إنَّ ما جاءَتْ بِه السُّنَّة هُو مما جَاء بِه القُرْآن، كما استدَلَّ بِذَلك عبدُ الله بْنُ مسعودٍ ﵁ مُجيبًا للْمَرأة الَّتي قالَتْ لَه: إنَّني لا أجِدُ اللَّعْن -أي لعْن النَّامِصة والمتنمِّصَة- فِي كِتاب اللهِ، فقَال: هُو فِي كِتاب اللهِ، ثُمَّ تلا علَيْها قولَه تَعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧].
والتَّغريب معْنَاه أنْ يُنْفَى عَن بلَدِه لمدَّة سَنَةٍ كامِلَةٍ، والحِكْمة منْه أنَّه إذا غُرِّب عنْ هَذا المكانِ الَّذي وقَع فِيه الزِّنا فإنَّه رُبَّما ينْسَى ذَلك، وأيْضًا فإنَّ الغُربَة تُوجِب أنْ يشْتَغل الإنْسانُ بنَفْسِه دُون أن يتطلَّب الشَّهوةَ واللَّذةَ؛ لأنه غرِيبٌ، ولا سيَّما إذا عُلِمَ أنَّه غُرِّب مِن أجْل الحدِّ، فإنَّه لن يكُون لدَيْه فُرصةٌ أنْ يَعُود إِلى هذه المسْأَلةِ مرَّةً ثانيَةً، ولكِن يُشتَرط في البَلَد الَّذي يُغرَّب إلَيْه ألَّا يُوجد فِيه إباحَةُ الزِّنا -والعياذُ بالله-، فلَا يُغرَّب إِلى بِلادٍ يُمارِس أهلُها الزِّنا؛ لأنَّنا إذا غرَّبْناه إلى مِثْل هذِه البِلادِ فقَدْ أغْرَيْناهُ بذَلك، فيُغرَّب إلى بِلادٍ عُرِف أهلُها بالعِفَّة.
وقولُه تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ﴾ [النور: ٢] فإيَّاك أن تقُولَ: هَذا شيخٌ كَبيرٌ، نجْلِدُه مِئَة جلْدَةٍ! ! وهَذا إِنْ لم يتزَوَّج، وأمَّا إذا تزوَّج فالحِجارَةُ، فلَا تُقل:
1 / 20
أرحمُهُ، بَل قُل: لا أرحمُهُ؛ لأنَّ مَن هُو أرْحَمُ مِنِّي أمَر بجلْدِه، ونَهاني أنْ أرأَفَ بِه، فقالَ: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النور: ٢].
فإِذا قال: اجْلِدوه في بيْتِه حتَّى لا يطَّلِع عليه أحدٌ، قُلْنا: قال تَعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، والَّذي شرَّع هَذه الحُدودَ اللهُ، وهُو أرْحَم مِن الخَلق جَميعًا، فهو أرْحَم مِن الوالِدَة بولَدِها؛ لأنَّ في إقامَةِ الحُدودِ مصالِحَ عظِيمةً لا تُحْصى، فَفِيها ردْعٌ وتطْهِيرٌ.
وقولُه تَعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فسمَّى اللهُ الحدَّ عذابًا، فإِن لم تشْهَد وَجب الحدُّ علَيْها.
* * *
1 / 21
الآية (٣)
° قال الله ﷿: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)﴾ [النور: ٣].
هَذه الآيَةُ الكَريمة الَّتي ختَمها اللهُ بقولِه: ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، تدُلُّ على تَحْريم نِكاح الزَّانِية، وتَحْريمِ نِكاح الزَّاني، بمَعْنى أنَّ الزَّانِيةَ لا يجوز للإِنْسان أن يتزوَّجَها، وأنَّ الزَّاني لا يَجوزُ للإِنْسان أن يُزوِّجه ابْنَته، فإِذا عرَفْنا ذَلِك؛ فإِنَّ مَن ارْتَكب هذا العَمل فَلا يخْلُو مِن حالَيْن:
الحالُ الأُوْلى: أنْ يكُون مُلتَزمًا بالتَّحريمِ عالمًا بِه، ولكنه تزوَّج الزَّانِية لمجرَّد الهَوَى والشَّهوَة، فحِينئذٍ يكونُ زَانيًا لأنَّه عقَد عقدًا محرَّمًا، وهُو يعتْقِدُه محرَّمًا مُلتزمًا بتحْرِيمه، ومعلومٌ أنَّ العَقْد المحرَّم لا يُبيح الفَرْج ولا الاستمتاعَ بِه، فيَكُون هذا الرَّجُل باسْتحلالِه بُضْع المرْأَة المعْقُود علَيْها وهِي زانيَةٌ وهُو يعْلَم أنَّ ذلك حرامٌ، فيَكُون فعْلُه هذا زِنا، وعلى هَذه الحالِ يتنَزَّل قولُه: ﴿إِلَّا زَانٍ﴾.
الحالُ الثَّانية: ألا يلْتَزم بهذا الحكْم، وأنْ يقُولَ: هَذا ليْس بحرَامٍ، بَل هُو حلالٌ، وحِينَئذٍ يكُون مُشرِكًا؛ لأنَّ مَن أحلَّ ما حرَّم اللهُ فقَدْ جَعل نفْسَه مُشرِّعًا مَع اللهِ، مُشرِكا بِه ﷾؛ ولهذا قالَ ﷾: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: ٢١]، فجَعل اللهُ المشرِّعِين لعبادِه دِينًا
1 / 22
لم يأذَنْ بِه شُركَاء، فهَذا الَّذي شرَّع لنفْسِه حِلَّ الزَانيَة ولم يلْتَزِم بالحُكْم الشرْعِيِّ يكُون مُشرِكًا، وعليْه يتنزَّل قوله: ﴿أَوْ مُشْرِكَةً﴾.
وخُلاصة القَوْل: أنَّ ناكِح الزَّانِية إمَّا أن يكُونَ معتقِدًا لتحْريمِها مُلتزِمًا به فحِينئذٍ يكُون زانيًا، وإمَّا أن يكُون غيْر معْتَقدٍ للتَّحريمِ ولا مُلْتزمًا بِه بَل هُو منْكِر للتَّحريم وحِينئذٍ يكُون مُشرِكًا، لأنَّه أحَلَّ ما حرَّم اللهُ، ولهذَا قالَ اللهُ ﷿: ﴿لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾، فهُو زَانٍ إِنْ كَان قد الْتَزم بالتَّحْريم واعتقَدَه، أو مشْرِكٌ إِذا لم يعتَقِدِ التَّحريمَ ولم يلْتَزم بِه، وهكَذا نقُول أيضًا فيمَن زوَّج ابنتَه رجُلًا زانيًا.
ولكِنَّ هذَا الحُكْم يزُول بالتَّوبةِ فإِذا تَاب الزَّاني مِن زِناه، وتابَتِ الزَّانِيةُ مِن زِناها، فإنَّه يزُول عنْهُما هَذا الوَصْف، أي وصْفُ الزَّاني، كما يَزُول وصْفُ الفِسْق عَن الفاسِق إِذا تَاب إِلى اللهِ ﷿ وتَرك الفِسْق، فإِذا تَاب الزَّاني مِن زِناه أو الزَّانِيةُ مِن زِناها حلَّ نِكاحُها.
1 / 23
الآية (٤)
° قال الله ﷿: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤)﴾ [النور: ٤].
اللهُ ﵎ يأمُر أنْ نَجْلِدَ الَّذين يرْمُون المحْصَنات، ومعْنَى يرمُونَهُن أي: يقذِفونهنَّ بِالزِّنا فيقولُون: هَذه المرْأَةُ زانِيَةٌ ومَا أشْبه ذَلك، والْمُحْصَنَةُ هِي المرْأَةُ الحُرَّة العفِيفَة عَن الزِّنا، فإِذا قذَفها الإِنْسان بالزِّنا فإِنَّه يكُون بذَلِك مُدَنِّسًا لعِرْضِها مُفتَرِيًا علَيْها، وحينَئذٍ يُجلَد ثمانين جلدْة، وإنَّما قلت: مفتريًا علَيْها مع أنَّه قد يكُون صادقًا، لأنَّه إذا لم يأْتِ بأرْبَعةِ شُهداء فهُو كاذِبٌ عنْدَ اللهِ، كما قالَ الله تعالى: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٣)﴾ [النور: ١٣].
وفي الآيَة الكَرِيمَة رَتَّبَ اللهُ ﷾ على القَذْف ثلاثَة أُمورٍ:
الأمْر الأوَّل: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾.
والأمْر الثَّاني: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾.
والأمْر الثَّالث: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
فهم يُجلَدون ثمانِين جلْدَةً حدَّ القَذْف، ولا تُقبل شهادَتُهم بعْد ذَلك أبدًا علَى أي شيءٍ شهِدُوا، وهُم فاسِقُون يُحكَم بفسْقِهم، ولا يتولَّوْن أمرًا تُشتَرط فِيه العدالَةُ،
1 / 24
إلَّا الَّذين تابُوا مِن بعْدِ ذَلك وأصلَحُوا فإنَّهم يزُول عنْهم وصْفُ الفِسْق، وكَذلك يزُول عنْهُم منْعُ الشَّهادة على القَوْل الرَّاجِح، وأمَّا الحدّ فَلا يسقُط عنْهُم بتوبَتِهم، لأنَّه حقٌّ لآدَمِيٍّ، فلا بُدَّ من أن يَنْفَذَ.
1 / 25