Tafsir al-Tabari Jami' al-Bayan - Tahqiq Hajar

Al-Tabari d. 310 AH
92

Tafsir al-Tabari Jami' al-Bayan - Tahqiq Hajar

تفسير الطبري جامع البيان - ط هجر

تحقیق کنندہ

د عبد الله بن عبد المحسن التركي

ناشر

دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

اصناف

اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١] عَلَى مَا بَطَنَ مِنْ مُرَادِهِ الَّذِي هُوَ مَحْذُوفٌ. وَذَلِكَ أَنَّ الْبَاءَ مِنْ ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١] مَقْتَضِيَةٌ فِعْلًا يَكُونُ لَهَا جَالِبًا، وَلَا فِعْلَ مَعَهَا ظَاهِرٌ، فَأَغْنَتْ سَامِعَ الْقَائِلِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١] مَعْرِفَتَهُ بِمُرَادِ قَائِلِهِ مِنْ إِظْهَارِ قَائِلِ ذَلِكَ مُرَادَهُ قَوْلًا، إِذْ كَانَ كُلُّ نَاطِقٍ بِهِ عِنْدَ افْتِتَاحِهِ أَمْرًا قَدْ أَحْضَرَ مَنْطِقِهِ بِهِ، إِمَّا مَعَهُ وَإِمَّا قَبْلَهُ بِلَا فَصْلٍ، مَا قَدْ أَغْنَى سَامِعَهُ مِنْ دَلَالَةٍ شَاهِدَةٍ عَلَى الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ أَفْتَتَحَ قِيلَهُ بِهِ. فَصَارَ اسْتِغْنَاءُ سَامِعِ ذَلِكَ مِنْهُ عَنْ إِظْهَارِ مَا حَذَفَ مِنْهُ، نَظِيرَ اسْتِغْنَائِهِ إِذَا سَمِعَ قَائِلًا قِيلَ لَهُ: مَا أَكَلْتَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ، طَعَامًا، عَنْ أَنْ يُكَرِّرَ الْمَسْؤُولُ مَعَ قَوْلِهِ «طَعَامًا» أَكَلْتُ؛ لِمَا قَدْ ظَهَرَ لَدَيْهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ بِتَقَدُّمِ مَسْأَلَةِ السَّائِلِ إِيَّاهُ عَمَّا أَكَلَ. فَمَعْقُولٌ إِذَا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إِذَا قَالَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] ثُمَّ افْتَتَحَ تَالِيًا سُورَةً، أَنَّ إِتْبَاعَهُ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] تِلَاوَةَ السُّورَةِ، يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] وَمَفْهُومٌ بِهِ أَنَّهُ مَرِيدٌ بِذَلِكَ أَقْرَأُ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١] عِنْدَ نُهُوضِهِ لِلْقِيَامِ أَوْ عِنْدَ قُعُودِهِ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ، يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى مُرَادِهِ بِقَوْلِهِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١]، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِقِيلِهِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١]: أَقُومُ بِسْمِ اللَّهِ، وَأَقْعُدُ بِسْمِ اللَّهِ؛ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَفْعَالِ. وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي
حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ⦗١١٣⦘ رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْ: أَسْتَعِيذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ: قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ يَقُولُ: اقْرَأْ بِذِكْرِ اللَّهِ رَبِّكَ، وَقُمْ وَاقْعُدْ بِذِكْرِ اللَّهِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١] مَا وَصَفْتَ، وَالْجَالِبُ الْبَاءَ فِي ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١] مَا ذَكَرْتَ، فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١] بِمَعْنَى أَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ أَقُومُ أَوْ أَقْعُدُ بِسْمِ اللَّهِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ قَارِئِ كِتَابِ اللَّهِ فَبِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ قِرَاءَتُهُ، وَأَنَّ كُلَّ قَائِمٍ أَوْ قَاعِدٍ أَوْ فَاعِلٍ فِعْلًا، فَبِاللَّهِ قِيَامُهُ وَقُعُودُهُ وَفِعْلُهُ؟ وَهَلَّا إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ قِيلَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]، وَلَمْ يُقَلْ ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١]، فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: أَقُومُ وَأَقْعُدُ بِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَوْ أَقْرَأُ بِاللَّهِ، أَوْضَحُ مَعْنًى لِسَامِعِهِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١]، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: أَقُومُ وَأَقْعُدُ بِسْمِ اللَّهِ، يُوهِمُ سَامِعَهُ أَنَّ قِيَامَهُ وَقُعُودَهُ بِمَعْنَى غَيْرِ اللَّهِ. قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْمَقْصُودَ إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْرُ مَا تَوَهَّمْتَهُ فِي نَفْسِكَ. وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١]: أَبْدَأُ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ أَقْرَأُ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ، أَوْ أَقُومُ وَأَقْعُدُ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ؛ لَا أَنَّهُ يَعْنِي ⦗١١٤⦘ بِقِيلِهِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١]: أَقُومُ بِاللَّهِ، أَوْ أَقْرَأُ بِاللَّهِ؛ فَيَكُونُ قَوْلُ الْقَائِلِ: أَقْرَأُ بِاللَّهِ، وَأَقُومُ وَأَقْعُدُ بِاللَّهِ، أَوْلَى بِوَجْهِ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ. فَإِنْ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْتَ، فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١]، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الِاسْمَ اسْمٌ، وَأَنَّ التَّسْمِيَةَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ سَمَّيْتُ؟ قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُخْرِجُ الْمَصَادِرَ مُبْهَمَةً عَلَى أَسْمَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، كَقَوْلِهِمْ: أَكْرَمْتُ فُلَانًا كَرَامَةً، وَإِنَّمَا بِنَاءُ مَصْدَرِ أَفْعَلْتُ إِذَا أُخْرِجَ عَلَى فِعْلِهِ: الِإِفْعَالُ، وَكَقَوْلِهِمْ: أَهَنْتُ فُلَانًا هَوَانًا، وَكَلَّمْتُهُ كَلَامًا. وَبِنَاءُ مَصْدَرِ فَعَلْتُ التَّفْعِيلُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ: [البحر الوافر] أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمِائَةَ الرِّتَاعَا يُرِيدُ: إِعْطَائِكَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ: [البحر الطويل] وَإِنْ كَانَ هَذَا الْبُخْلُ مِنْكَ سَجِيَّةً ... لَقَدْ كُنْتَ فِي طَوْلِي رَجَاءَكَ أَشْعَبَا يُرِيدُ: فِي إِطَالَتِي رَجَاءَكَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ: [البحر الكامل] ⦗١١٥⦘ أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلًا ... أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ يُرِيدُ إِصَابَتْكُمْ. وَالشَّوَاهِدُ فِي هَذَا الْمَعْنَى تُكْثُرُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ، لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ. فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ إِخْرَاجِ الْعَرَبِ مَصَادِرَ الْأَفْعَالِ عَلَى غَيْرِ بِنَاءِ أَفْعَالِهَا كَثِيرًا، وَكَانَ تَصْدِيرُهَا إِيَّاهَا عَلَى مَخَارِجِ الْأَسْمَاءِ مَوْجُودًا فَاشِيًا، تَبَيَّنَ بِذَلِكَ صَوَابُ مَا قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١]، أَنَّ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ فِي فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ: أَبْدَأُ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ، قَبْلَ فِعْلِي، أَوْ قَبْلَ قَوْلِي. وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَقْرَأُ مُبْتَدِئًا بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ، أَوْ أَبْتَدِئُ قِرَاءَتِي بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ فَجَعَلَ الِاسْمَ مَكَانَ التَّسْمِيَةِ، كَمَا جَعَلَ الْكَلَامَ مَكَانَ التَّكْلِيمِ، وَالْعَطَاءَ مَكَانَ الْإِعْطَاءِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، رُوِيَ الْخَبَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ

1 / 112