هذا هو رزق المال، وهو جزء من الرزق. ولكن هناك رزق الصحة. ورزق الولد. ورزق في الطعام، ورزق في البركة، وكل نعمة من الله سبحانه وتعالى هي رزق وليس المال وحده. فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا بهذه الآية الكريمة إلى أن نفكر قليلا، فيمن خلق هذا الكون. لنعرف أنه قبل أن يخلق الإنسان خلق له عناصر بقائه. ولكن هذا الإعداد لم يتوقف عند الحياة المادية. بل إن الله كما أعد لنا مقومات حياتنا المادية أعد لنا مقومات حياتنا الروحية، أو القيم في الوجود. وإذا قرأت في سورة الرحمن قوله تعالى:
الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان
[الرحمن: 1-4]. لوجدت القرآن يعطينا قيم الحياة، التي بدونها تصبح الدنيا كلها لا قيمة لها. لأن الدنيا امتحان أو اختبار لحياة قادمة في الآخرة. فإذا لم تأخذها بمهمتها في أنها الطريق الذي يوصلك إلى الجنة. أهدرت قيمتها تماما. ولم تعد الدنيا تعطيك شيئا إلا العذاب في الآخرة. وقد ربط الحق سبحانه وتعالى الرزق في هذه الآية بالسماء فقال سبحانه: { فأخرج به من الثمرات رزقا لكم.. } [البقرة: 22]. ليلفتنا إلى أن الرزق، لا يأتي إلا من أعلى، وضرب الله سبحانه وتعالى المثل بالماء لأنه رزق مباشر محسوس منا، والماء ينزل من السماء في أنقى صوره مقطرا. كل ما يأتينا من السماء فيه علو. ينزل ليزيد حياة القيم ارتقاء، عملية لو أراد البشر أن يقوموا بها ما استطاعوا لأنها كانت ستتكلف ملايين الجنيهات، لتعطينا ماء لا يكفي أسرة واحدة.
ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل من السماء ماء في أنقى صوره لينبت به الثمرات، التي تضمن استمرار الحياة في هذا الكون. وبعد أن نفهم هذه النعم كلها. والإعجاز الذي فيها ونستوعبها يقول الحق تبارك وتعالى: { فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } [البقرة: 22]. " أندادا " جمع ند، والند هو النظير أو الشبيه. وأي عقل فيه ذرة من فكر يبتعد عن مثل هذا، فلا يجعل لله تعالى شبيها ولا نظيرا ولا يشبه بالله تعالى أحدا. فالله واحد في قدرته، واحد في قوته، واحد في خلقه. واحد في ذاته، وواحد في صفاته. ولا توجد مقارنة بين صفات الحق سبحانه وتعالى وصفات الخلق. والله خلق لكل منا عقلا يفكر به، لو عرضت هذه المسألة على العقل لرفضها تماما، لأنها لا تتفق مع عقل أو منطق، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: { وأنتم تعلمون } [البقرة: 22]. أي تعرفون هذا جيدا بعقولكم لأن طبيعة العقل ترفض هذا تماما. فمنذا الذي يستطيع أن يدعي أنه خلقكم والذين من قبلكم؟! ومنذا الذي يستطيع أن يدعي ولو كذبا، أنه هو الذي جعل الأرض فراشا، وجعل السماء سقفا محفوظا، أو أنزل المطر وأنبت الزرع ؟ لا أحد. إذن: فأنتم تعلمون أن العقل كله لله وحده، وما دام لا يوجد معارض ولا يمكن أن يوجد. فالقضية محسومة للحق تبارك وتعالى. والحق سبحانه وتعالى يقول:
ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله..
[البقرة: 165]. لماذا اتخذ هؤلاء الناس لله تعالى أندادا؟ لأنهم يريدون دينا بلا منهج. يريدون أن يرضوا فطرة الإيمان التي خلقها الله فيهم. وفي الوقت نفسه يتبعون شهواتهم. عندما فكروا في هذا وجدوا أن أحسن طريقة هي أن يختاروا إلها بلا منهج، لا يطلب منهم شيئا، ولذلك كل دعوة منحرفة تجد أنها تبيح ما حرم الله، وتحل الإنسان من كل التكاليف الإيمانية كالصلاة والزكاة والجهاد وغيرها. أما الذين آمنوا، فإنهم يعرفون أن الله سبحانه وتعالى إنما وضع منهجه لصالح الإنسان، فالله لا يستفيد من صلاتنا ولا من زكاتنا. ولا من منهج الإيمان شيئا، ولكننا نحن الذين نستفيد من رحمة الله. ومن نعم الله ومن جنته في الآخرة. ولأن الذين آمنوا يعرفون هذا فإنهم يحبون الله حبا شديدا، والذين كفروا رغم كل ما يدعون فإنهم ساعة العسرة يلجأون إلى الله سبحانه وتعالى باعتباره وحده الملجأ والملاذ. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قآئما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنآ إلى ضر مسه..
[يونس: 12]. لماذا لم يستدع الأنداد؟ لأن الإنسان لا يغش نفسه أبدا في ساعة الخطر، ولأن هؤلاء يعرفون بعقولهم أنه لا يمكن أن يوجد لله أنداد.
ولكنه يتخذهم لأغراض دنيوية. فإذا جاء الخطر يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى لأنه يعلم يقينا أنه وحده الذي يكشف الضر، فحلاق الصحة الذي يعالج الناس دجلا، إذا مرض ابنه أسرع به إلى الطبيب، لأنه يغش الناس. ولكنه لا يمكن أن يغش نفسه. ولقد كان الأصمعي واقفا عند الكعبة، فسمع أعرابيا يدعو ويقول: " يا رب، أنت تعلم أني عاصيك وكان من حقك علي ألا أدعوك، وأنا عاص. ولكني أعلم أنه لا إله إلا أنت فلمن أذهب؟ " فقال الأصمعي: يا هذا إن الله يغفر لك لحسن مسألتك ".
[2.23]
نامعلوم صفحہ