تفسير الشعراوي
تفسير الشعراوي
اصناف
[2.161]
إنهم الذين أصروا على عدم التوبة فكان جزاؤهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ويضيف سبحانه: { خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب... }.
[2.162]
وساعة يأتي الحق في عذاب الكافرين ويتكلم عن النار عذابا وعن الزمان خلودا ثم يصعد الخلود بالأبدية، فنحن نعرف بذلك أن هناك عذابا في النار، وخلودا فيها، وأبدية. ولأن رحمة الله سبقت غضبه في التقنين العذابي، لم يذكر الخلود في النار أبدا إلا في سورة الجن، قال:
ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيهآ أبدا
[الجن: 23]. وما دام فيه مقيد، فإن كل مطلق من التأبيد يحمل عليه، وكون الحق لم يأت بكلمة " أبدا " عند ذكر العذاب، فهذا دليل على أن رحمته سبقت غضبه حتى في تقنين العذاب، وهناك إشكال يرد في سطحية الفهم فحين يقول الحق:
يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شآء ربك إن ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شآء ربك عطآء غير مجذوذ
[هود: 105-108]. فإن الحق يتحدث عن يوم الحشر، وعن البشر شقيهم وسعيدهم، فالذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، ولنا أن نتخيل صورة التنفس داخل النار وسط جوها المكفهر باللهب. إن الإنسان يتنفس ليستروح بالهواء فكيف يأخذه من النار؟. إن في ذلك عذابا عظيما. وأهل النار خالدون فيها ما دامت السماوات والأرض. ويتساءل السطحيون " إن الله يضع الذين شقوا في النار ما دامت السماوات والأرض، ويقول القول نفسه عن الذين سعدوا بالجنة " ونقول لهم: السماوات والأرض الآن تختلف عن السماوات والأرض في الآخرة، إن السماوات والأرض في الدنيا هي أسباب ومعاش، أما في الآخرة فنحن لا نأكل بالأسباب، إنما بالمسبب، نحن نحيا في الآخرة بكلمة " كن " ، ولا نعيش بأسباب الحرث والزرع والمطر. إن الحق يبدل السماوات والأرض في اليوم الآخر، واقرأ إن شئت قول الحق:
يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات..
[إبراهيم: 48]. ومن هذا القول نفهم أن المقصود هو السماوات والأرض المبدلة. ونلحظ أن الحق جاء في أمر خلود الأشقياء بالمشيئة فقال: " إلا ما شاء ربك " ، فكأن خلود الأشقياء في النار تنقضه وتضع نهاية له مشيئة الله لأن الأشقياء ليسوا هم الكفار فحسب، بل منهم بعض المؤمنين العصاة، وهؤلاء المؤمنون العصاة الأشقياء سيدخلون النار على قدر حظهم من المعاصي، وساعة تقوم الساعة ويأتي الجزاء يدخلون النار ويأخذون جزاءهم، لكن بعد أخذ الجزاء يخرجون، إذن، فسينتهي الخلود من آخر الزمن، فيكون المعنى: " إلا ما شاء ربك " أن يستمروا في النار إلى وقت محدد.
نامعلوم صفحہ