212

تفسير الشعراوي

تفسير الشعراوي

اصناف

وزادنا أيضا أن نقول:

" اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها "

إنك إذا ما قلتها عند أي مصيبة تصيبك فلا بد أن تجد فيما يأتي بعدها خيرا منها، وحتى إن نسي الإنسان أن يقول ذلك عند وقوع المصيبة، ثم تذكرها وقالها فله جزاؤها، كأنه قالها ساعة المصيبة. وهناك قصة عن أم سلمة رضي الله عنها حين مات أبو سلمة زوجها - وكان ملء السمع والبصر - وجزعت عليه أم سلمة، فقيل لها قولي: ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وما علمكم؟ قالوا: " إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها " فقالت ما قيل لها، فإذا بها بعد انقضاء عدتها يذهب إليها النبي خاطبا، فقيل لها: أوجد خير من أبي سلمة أم لم يوجد؟ قالت: ما كنت لأتسامى - أي أتوقع - مثل هذا الموقف ". فإذن، كل مصيبة يتعرض لها الإنسان يجب أن يقول عندها: " إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ". وماذا يكون حال الذين يقولون هذا الدعاء؟. ها هو ذا الحق سبحانه وتعالى يقول: { أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة... }.

[2.157]

فلننظر إلى غاية الغايات التي يدربنا الله عليها لنحمل الدعوة، ولنحمي منهج الحق، ولنهدم دولة المبطلين، هذه غاية لكنها ليست الغاية النهائية، فالغاية النهائية أننا نفعل ذلك لنأخذ رحمات الله وبركاته في الآخرة. إذن، فالغاية النهائية في كل إيمان وفي كل عمل هي ابتغاء مرضاة الله ورحمته. وكما قال المرحوم الشيخ سيد قطب رحمة الله عليه: إياك أن يشغلك عن صلوات الله وتحياته وبركاته شيء ولو انتصار العقيدة نفسه. كأن انتصار العقيدة وسيلة لتنال بها الصلوات والرحمة من ربك، فكل شيء ما عدا ذلك وسيلة تسلم إلى غاية، وغاية المؤمن أن يكون من الذين يشملهم قول الله: { أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } [البقرة: 157]. ونحن نعرف أن الصلاة في اللغة هي الدعاء، للناس صلاة، وللملائكة صلاة، ولله صلاة، فهو القائل:

هو الذي يصلي عليكم وملائكته..

[الأحزاب: 43]. وكلنا نعيش برحمات الله، حتى الكافر يعيش على الأرض برحمة الله، ويأخذ أسباب حياته برحمة الله، والنعم والخيرات التي يعيش عليها تأتيه بسبب رحمة الله، والمؤمن يأخذ نعم الدنيا برحمة الله ويزيد الله له بالبركة والاطمئنان، والاطمئنان نعمة كبرى، فمن يعيش في هذه الحياة وهو مطمئن إلى غاية أفضل من هذه الحياة، فهذا لون عظيم من الاطمئنان. فالصلاة من الله عطاء الرحمة والبركة. والصلاة من الملائكة استغفار. والصلاة من المؤمنين دعاء. والدعاء حين تدعوه لمحمد صلى الله عليه وسلم بالخير وبالرحمة وبالبركة هو دعاء لك، لماذا؟ لأن كل منزلة ينالها رسول الله عائدة لأمته وللعالم أجمع. فمن الذي يشفع عند الله في يوم الحشر ليعجل الله بالفصل بين الخلائق؟. إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذن، فكل خير يناله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خير لأمته، فإذا دعوت له فكأنك تدعو لنفسك. إنك عندما تصلي عليه مرة يصلي الله عليك عشرا. أليس في ذلك خير لك؟ { أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } [البقرة: 157]. والمهتدون هم الذين التزموا الطريق الموصل للغاية، والغاية هي صلوات من ربهم ورحمة، وأنت الآن متمتع بنعم الله بأسباب الله، وعند الله في الآخرة سوف تتمتع بإذن الله بنعم الله وبلقاء الله. بعد ذلك يقول الحق: { إن الصفا والمروة من شعآئر الله ... }.

[2.158]

والصفا والمروة جبلان صغيران، يعرفهما الذين زاروا الأماكن المقدسة، والذين لم يذهبوا أسأل الله أن يروهما عين اليقين، وحين يرونهما يكون هذا علم اليقين. وهذان الجبلان كانت سيدتنا هاجر أم إسماعيل قد ترددت بينهما لتطلب الماء لولدها، بعد أن تركهما إبراهيم عليه السلام عند بيت الله الحرام. وبالله عليك، فبماذا تفكر امرأة عندما يتركها زوجها مع رضيعها في مكان لا طعام فيه ولا ماء؟ هنا قالت هاجر قولتها المشهورة: - إلى من تكلنا؟ آلله أمرك بذلك؟ فقال سيدنا إبراهيم: نعم، فقالت: إذن لن يضيعنا، لقد استغنت بالخالق عن المخلوق، ولم تنطق مثل هذا القول إلا بوحي من المسبب، وهذه أول قضية إيمانية مع ملاحظة الأرضية الإيمانية التي وجدت عليها، حينما دعا إبراهيم عليه السلام ربه قائلا:

ربنآ إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة..

نامعلوم صفحہ