Tafsir Al-Quran Al-Karim - Osama Suleiman
تفسير القرآن الكريم - أسامة سليمان
اصناف
تفسير سورة نوح
سورة نوح من أعظم السور التي تحكي لنا جهاد نبي الله نوح مع قومه، إذ مكث فيهم زمنًا طويلًا وهو يدعوهم إلى توحيد الله ﷿، سرًا وعلانية، ليلًا ونهارًا، مذكرًا لهم بنعمة الله عليهم، فقوبل ذلك بالعناد والإصرار على الكفر، فلما استيئس وظن وتيقن أنهم مصرون على تكذيبهم وعنادهم دعا ربه سبحانه، فاستجاب الله دعاءه فأغرق الكفرة المعاندين وأنجى المؤمنين الصادقين.
1 / 1
مقدمة بين يدي تفسير سورة نوح ﵇
الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ يفه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلًا ما تشكرون، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظامًا كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحمًا هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: فبعد أن انتهينا من سورة المعارج ننتقل إلى سورة نوح، هذا النبي الذي أرسله الله إلى قومه، فدعاهم إلى توحيده، وقد صور لنا القرآن الكريم تلك الدعوة التي قام بها نوح مع قومه، وعلى هذا سنقسم الموضوع إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ثناء الله ﷿ على نوح ﵇.
القسم الثاني: دعوته لقومه.
القسم الثالث: دعاؤه على قومه، واستجابة الله ﷿ له.
أولًا: ثناء الله ﷿ على نوح ﵇، فقد أثنى الله عليه في كتابه في مواضع عديدة، ففي سورة الإسراء يقول ربنا سبحانه: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء:٣]، فأثبت الله له صفة العبودية والشكر.
يقول الحافظ ابن كثير: والشكر بالقول والقلب والجوارح، وهو أعم من الحمد، وبينهما عموم وخصوص، فالشكر أعم من الحمد؛ لأن الحمد يكون بالقلب وباللسان، بينما الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، والله يقول: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ [سبأ:١٣].
يقول الزمخشري: كان إذا أكل حمد الله، فقال: الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء أجاعني، وإذا شرب حمد الله، وقال: الحمد لله الذي سقاني ولو شاء أظمأني، وإذا لبس حمد الله، وقال: الحمد لله الذي كساني ولو شاء أعراني، فقال الله في وصفه: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء:٣]، فجوارحه التي أعطاه الله إياها يسخرها في طاعة ربه ﷿، وهو أول رسول إلى البشر، فإن قال قائل: وآدم؟ قلنا: نعم، لكننا نقول: أول رسول إلى البشر، لأن آدم يوم أن بعث لم يكن على الأرض بشر، بينما نوح يوم أن بعث كان على الأرض بشر، وهذا بنص حديث البخاري، وأثنى الله عليه أيضًا باعتباره أحد أولي العزم من الرسل، ففي الصحيح: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها على توحيد الله ﷿، والقرن إما أن يكون جيلًا، وإما أن يكون مائة سنة.
وقد دعا قومه إلى التوحيد، لكن القوم حادوا عن عبادة ربهم لأناس صالحين، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح:٢٣] قال: إنها أسماء أناس من الصالحين، لما نسخ العلم -أي: رفع من القوم- عبدوهم من دون الله ﷿.
إذًا: مدخل الشرك للبشرية كان بالمغالاة في الصالحين، لذلك يوم أن نقول: يا قوم لا تغالوا في حبهم للدرجة التي تعبدونهم من دون الله؛ لأن ذلك يجر إلى الشرك والعياذ بالله.
أيضًا من ثناء الله ﷿ على نوح: أن الله جعل في ذريته النبوة والكتاب، فقال عنه وعن إبراهيم ﵉: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [الحديد:٢٦]، فما من نبي إلا وينتهي نسبه إلى نوح ﵇، لأنه أول رسول إلى أهل الأرض.
إن دعوة نوح لقومه تصورها هذه السورة وسور أخرى، كسورة هود والأعراف ويونس؛ وقد وردت قصة نوح في أكثر من موضع في كتاب الله ﷿، والدعوة إلى الله تحتاج إلى جهد وإلى مال؛ لأن أي دعوة بلا مادة لا تستطيع أن تواصل الرسالة، فضلًا عن الحرب التي تواجهها هذه الدعوة من كل قوى الدنيا بأسرها، لكنهم -والله- واهمون؛ لأن دعوة الله ﷿ لن ولم تستطع أي قوة أن تخمدها؛ لأنها نور الله.
فسيظهر دين رب العالمين، وانظروا إلى هذه البشرى من رسول الله ﷺ كما في سنن أبي داود: (عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب ظهور الملحمة، وظهور الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية ظهور الدجال)، فالحديث يبين أن هناك معركة تسمى بالملحمة،
1 / 2
تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم)
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ [نوح:١ - ٧]، أي: وضعوا الثياب على الرءوس.
﴿وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح:٧ - ١٤].
جاء نوح إلى قومه فقال لهم: يا قوم إني لكم نذير أنذركم عذاب ربكم سبحانه، وأحذركم من عذابه في الدنيا والآخرة، وهذا يشير إلى أن دعوة الأنبياء تقوم على الترهيب والترغيب، فرهبهم وخوفهم من عذاب الله.
قال تعالى: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [نوح:٣]، وهذه وظيفة الأنبياء جميعًا، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:٢٥]، فالكل يشترك في الدعوة إلى توحيد الله وإلى عبادة الله، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا﴾ [النحل:٣٦]، لماذا؟ ﴿أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:٣٦]، فكل رسول يأتي إلى قومه يقول لهم: اعبدوا الله العبادة بمعناها الشامل، أي: مع كمال الذل وكمال الحب، كما يقول شيخ الإسلام، فالذي يعبد الله يحب الله، ويذل نفسه لله، ويستقيم على أمره.
والعبادة أنواع: قولية، وبدنية، وقلبية، ومالية، وكلها يصرفها المسلم لله ﷿: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي﴾ [الأنعام:١٦٢]، أي: ذبحي، ﴿وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي﴾ [الأنعام:١٦٢]، لمن؟ ﴿لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
ولذلك لما أرسل النبي ﷺ معاذ بن جبل إلى اليمن قبل موته بعام واحد، قال له: (يا معاذ إنك قادم على أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: لا إله إلا الله، فإن هم أجابوك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، وإياك ودعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، فبيَّن له منهج الدعوة إلى الله، منهج الدعوة إلى التوحيد بمعناه الشامل، ولذلك أي دعوة تبدأ بدون التوحيد تتخبط يمينًا ويسارًا، وقد مكث نوح في قومه يدعوهم إلى التوحيد الشامل فترة من الزمن، بينها الله في قوله: ﴿أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ [العنكبوت:١٤]، فما آمن معه إلا القليل، قال تعالى: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود:٤٠]، والقليل هذا في كل سنة اثنان فقط، إعراض واستكبار وعناد، وهذا يعلمنا أمرًا مهمًا، ألا وهو: أننا لا نملك القلوب وإنما الذي يملك القلوب هو علام الغيوب، قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة:٢٧٢].
﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ﴾ [الشورى:٤٨]، ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية:٢١ - ٢٢]، فوظيفتنا أن ندعو فقط.
﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف:١٧].
فالذي هداه الله يفتح قلبه للإيمان، ولذلك في حديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم: (أن النبي ﷺ دخل على عمه أبي ط
1 / 3
تفسير قوله تعالى: (رب إني دعوت قومي ليلًا ونهارًا)
قال الله على لسان نبيه نوح ﵇: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ [نوح:٥]، إذًا فالدعوة لا تقتصر على خطبة على المنبر، أو على موعظة في المسجد، فالدعوة إلى الله ﷿ في كل وقت وفي كل زمان، فالمدرس قبل أن يبدأ الشرح يقول: باسم الله، توكلنا على الله.
ثم يحدث الأولاد عن مسألة في العقيدة؛ ليبين لهم العقيدة الصحيحة، ويربط بين النظريات العلمية وبين بعض الأمور الشرعية، وإذا أذن الظهر أمرهم بالإنصات والاستماع للمؤذن، فإن النبي ﷺ قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)، وهذا نبي الله يوسف في السجن مظلوم، لأنه رفض الزنا، وهذا دأب مجتمعات الفاحشة، رجل يرفض الزنا مصيره إلى السجن، وبعد أن شهد الشاهد وقامت الأدلة وعرف الزوج الديوث أن زوجته متهمة قال: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ﴾ [يوسف:٢٩] الله أكبر! يا خيبة الرجال! استغفري، أنت عبرت عن رأيك، أرأيتم الرجل؟ لم يأخذ موقفًا حماسيًا أو انفعاليًا لعرضه، ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ [يوسف:٢٩]، لم تعملي شيئًا، ثم قالت الزوجة لزوجها عبارة نجدها في مجتمع الفراعنة، فيتخذ القرار فرعون، وتصنع القرار المرأة، ففرق بين صناعة القرار واتخاذ القرار، فالاتخاذ للأكبر، والصناعة للمرأة، ولازم الاستماع لها-: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ﴾ [يوسف:٢٥]، أي: نسجنه، فهي أرادت السجن، فسمعًا وطاعة لها، ولا يستطيع الرجل أن يخالفها؛ لأنها الآمرة، ولذلك سجن يوسف بضع سنين؛ لأنه أبى الفاحشة في مجتمع الفاحشة، وصدق من قال: اثنان لا يشعر بهما كثير من الناس: موت الفقير، وفجور الغني.
فالفقير حينما يموت لا يشعر به أحد، والغني حينما يفجر يفجر خلف الأسوار دون أن يراه أحد، لكن مع هذا كله دعا يوسف إلى الله ﷿ وهو في السجن، ولم يظل يائسًا قانطًا، وهكذا المسلم داعية إلى الله في السجن، وفي المترو، وفي الأوتوبيس، وفي كل مكان، فالدعوة إلى الله شغله الشاغل، هواؤه، تنفسه، نومه، استيقاظه، حركاته دعوة إلى الله، ولهذا يوم أن يكون هذا هو المنهج ستنجو الأمة بفضل الله ﷿.
فإن سمعت كلمة في المسجد فبلِّغ: (بلغوا عني ولو آية)، فنحن أمة بلاغ ودعوة، والأمر فيها لكل أفرادها: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:١١٠]، لماذا؟ ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [آل عمران:١١٠]، فلو رأيت تاجرًا لا يصلي فقل له: تعال، لماذا لم تصل؟ ادعه بالحسنى، تودد إليه بزيارة، بعيادته إن مرض، عند ذلك سيسمع كلامك، وسيدخل المسجد، وكن كالنخلة يرميها الناس بالحجارة فتعطيهم رطبًا جنيًا، فهذا هو الداعية الفعال في المجتمع لا الداعية السلبي، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً﴾ [القصص:٢٣]، يعني: جماعة من الرجال يسقون، ﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص:٢٣]، أي: تبعدان عن الحوض بغنمهما، فماذا قال لهما؟ ﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾ [القصص:٢٣]، فهذا هو الداعية، ولم يقل: أنا مالي أو غيرها من الألفاظ السلبية، لا، ولذلك حتى لا تغرق السفينة، فنحن نركب سفينة واحدة كما بين ذلك النبي ﷺ: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم ركبوا سفينة)، فالسفينة تحمل المصلي وتارك الصلاة، المزكي وتارك الزكاة، المحجبة المنتقبة والمتبرجة المبنطلة، العلماني والسلفي، فتحمل الكل في تيار واحد، (فقال الذين في أسفلها -أي: المتحللين من الشرع-: لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقًا لنحصل على الماء حتى نشرب)، أي: لازلنا نصعد الدور الثاني، فلماذا لا نخرق خرقًا في نصيبنا، (فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا، وإن تركوهم غرقوا وغرقوا جميعًا)، فيا من تخرقون السفينة سيغرق الجميع، لكن لن نترككم أبدًا، وإنما سنأخذ على أيديكم بأمر نبينا ﷺ، وإن آذيتمونا، وإن أعرضتم وأغلقتم الآذان المنافذ سنقول، ونعلن، ونواصل، فإن الله قال على لسان نوح: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ [نوح:٥].
1 / 4
تفسير قوله تعالى: (فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا)
قال الله تعالى: ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ [نوح:٦]، نتيجة عكسية، فكلما دعا إلى الله فروا منه.
أعتقد لو أن داعية منا جاء من مسافة مائتي كيلو فيرى اثنين فقط يحضرا الدرس لاستنكف عن ذلك، ولربما قال: أنا أحتاج إلى جمهور كبير، وإلى مُكبِّر أصوات، لا يا عبد الله، فواحد فقط يجلس بين يديك ليستمع ادعه، فربما يكون في هذا الرجل الخير دون أن تشعر، ثم قال الله ﷿: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ [نوح:٧]، دعوتهم لماذا؟ لتغفر لهم، الله أكبر! فإلى ماذا نحن ندعو القوم؟ نحن ندعو القوم إلى الصلاة، الزكاة، الاحتشام والالتزام بالحجاب، عدم أكل الربا، امتثال أوامر الله، عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، فهذه دعاوى لا أحد يطعن فيها إلا من كان في قبله مرض، وصدق الله حينما جاء لوط إلى قومه يدعوهم إلى ترك الفاحشة، وعدم إتيان الذكور من دون الإناث، والمجاهرة بذلك في قارعة الطريق، قالوا: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل:٥٦]، فالتهمة أنهم يتطهرون، ثم انظر إلى قولهم: ﴿مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾ [النمل:٥٦]، أي: أن البلد بلدنا، وهؤلاء شرذمة وعصبة تخرج عن الشرعية والقانون، وقوله: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ [هود:٢٧]، أي: حفنة قليلة عاطلة لا تقدم ولا تؤخر، وليس لهم رأي، ولا يشكلون شيئًا في المجتمع، فهذه أوصاف وشعارات نجدها في زمننا اليوم، فدائمًا وأبدًا دعاة الطهارة هم الذين يضطهدون ويُخرجون من مجتمعات المعصية، فاثبت يا مسلم على الطريق، فهذا الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة يدون ويكتب العلم بعد أن تقدم به السن، هذا الإمام الذي ولد ببغداد ومات ببغداد وشيع جنازته ألف ألف رجل، أي: مليون موحد تبعوا جنازة ابن حنبل، وكان يجلس يومها ليحدث الناس في بغداد، مات ابن حنبل سنة (٢٤١هــ) في عهد الدولة العباسية، وذلك أيام أن كانت بغداد عاصمة للخلافة الإسلامية في عهد الدولة العباسية، واليوم يجتمع الجنرالات الأمريكيون في عقر دار بغداد ليخططوا لأمر: هو من يدفع الفاتورة؟ والذي يدفع الفاتورة معلوم، ولكننا لا نفقه إلا بعد فوات الأوان، ولا نعلم إلا بعد أن تقع المصيبة، قوم لا يفقهون هذا سمت أهل النفاق، أما أهل الإيمان فيعرفون، فيا عبد الله رجل جاء ليعتدي ويسرق بالبلايين، الإحصائية تقول: مائة وتسعة وثلاثين بليون دولار أنفقت على هذه المعركة، لابد من أخذ المقابل، وإلا أكون سفيهًا، أنفق مائة وتسعة وثلاثين بليونًا ولا أحصل على جنيه واحد، فلن أخرج حتى آخذ الفاتورة وفوائد الفاتورة وما بعد الفاتورة، وهذا كلام لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، ولكن القوم أحيانًا لا يفقهون، أو يفقهون ويصرون على عدم الفقه.
أقول هذه القول، وأستغفر الله لي ولكم.
1 / 5
تفسير قوله تعالى: (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
وبعد: فقال تعالى: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا﴾ [نوح:٧]، أي: على كفرهم، ﴿وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ [نوح:٧]، أي: عن الإجابة لدعوة الله ﷿.
ثم قال نوح: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾ [نوح:٨]، أي: دعوتهم دعوة علانية، ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح:٩]، فكانت الدعوة جهرية وسرية، مستخدمًا كل وسائل الدعوة، فردية، جماعية، لكن القوم أعرضوا وأبوا إلا الكفر، والأعجب أنه قد مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا وهو يدعوهم إلى توحيد الله، حتى أوحى الله إليه، ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود:٣٦]، فبعد هذا الوحي تيقن نوح أنه لا استجابة من القوم، عند ذلك دعا على قومه بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا * رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ [نوح:٢٦ - ٢٨]، فقصة نوح طويلة، وفيها من الدروس والعبر ما فيها.
وأختم هذا الحديث بالتحذير من كتاب مع الباعة في الأكشاك، يباع على مرأى من الجميع، ويحمل هذه العنوان: (أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله وأهل بيته)، ابن تيمية أنا لا أقوم بدعاية للكتاب حتى تشتروه، لا، وإنما يقوم بذلك أهل العلم والتخصص، حتى يردوا على هذا الكتاب، ولا نكون هكذا ككتاب (هرمجدون) الذي أصدره مؤلفه وقال فيه بالحرف الواحد: وسينتصر السفياني في المعركة الثانية، فأين السفياني يا عبد الله؟! إننا لم نره بعد، لكن هذا المؤلف قال: إن حاكم العراق يسمى السفياني وسينتصر ويئول الحكم إلى ولده.
فلم نر سفياني، ولم نر ولد السفياني، وعليه فلا داعي أن تعلل النصوص: فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمدادِ.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام وأن تعز المسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، برحمتك يا أرحم الراحمين استجب لدعاء الموحدين.
اللهم عليك بأعداء دينك، فإنهم لا يعجزونك.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا، علمنا من القرآن ما جهلنا، ذكرنا من القرآن ما نسينا.
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا.
نعوذ بك يا رب من قلب لا يخشع، ومن دعوة لا ترفع، ومن عين لا تدمع.
نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.
اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.
اللهم انصر الإسلام في ربوع الأرض يا رب العالمين.
اللهم اشدد وطأتك على كل أعداء دينك، اللهم زلزل بهم الأرض، اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا، شتت يا رب شملهم، فرق يا رب جمعهم.
اللهم منزل الكتاب، هازم الأحزاب، مجري السحاب، اهزمهم وانصرنا عليهم، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وأنت حسبنا ونعمل وكيل.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وارزقنا عند الاحتضار شهادة، وارزقنا بعد الموت جنة ونعيمًا.
ارزقنا الشهادة في سبيلك، اللهم متعنا بالشهادة في سبيلك، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، فإنك على كل شيء قدير.
اللهم من أرادنا والإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت ثمود وفرعون.
اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا، وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.
1 / 6
موقف الإمام أحمد من القائلين بخلق القرآن وصبره وثباته
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: فهناك شريط هو في الحقيقة طيب، وأنا لست طرفًا فيه حتى لا يقول قائل: إن الشريط للشيخ وهو يعمل دعاية، وهو نصيحتي للشباب، هذا الشريط فيه أكثر من عشرة علماء: الشيخ: محمد حسان، والشيخ: أبو إسحاق وغيرهما، يحاورون الشباب في مشاكلهم الاجتماعية بشكل مباشر، فالحقيقة هو عمل طيب، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خيرًا.
إن قصة نوح ﵇ فيها من الدروس والعبر ما فيها لأصحاب الدعوات، والبلاء في حياة أصحاب الدعوة مما لا شك فيه، هو مَعْلَمٌ من معالم الطريق، وإن تحدثنا عن سيرة ابن حنبل فسيطول بنا الحديث، إلا أننا من الأهمية أن نتحدث عن سيرتهم؛ وقد قلت: إنه ولد في بغداد ومات فيها في عهد الدولة العباسية، وقد مر على بغداد خلفاء كثر من العباسيين، كـ هارون الرشيد ومن بعده كـ المأمون بن هارون الرشيد، ثم من بعد المأمون المعتصم، ثم الواثق، وهؤلاء هم الذين يهمنا في الموضوع، إذ قد تقرب علماء المعتزلة من المأمون، ودائمًا وأبدًا حينما تريد أن تؤثر على قرار لابد أن تتقرب إلى من يملك القرار، فعلماء المعتزلة تقربوا إلى المأمون حتى آمن بمعتقدهم، هذا المعتقد الفاسد الذي يقول بخلق القرآن! ومعلوم أن القرآن كلام الله، وكلام الله غير مخلوق؛ لأننا نقول: كل مخلوق يحتاج إلى خالق ومصيره إلى الفناء، وعليه فحينما نقول: إن كلام الله مخلوق، أي: أن الله لم يكن متكلمًا ثم تكلم ومآل ذلك إلى الفناء، وهذا الكلام قدح بالله ﷿.
ومن قال: إن القرآن مخلوق فهو زنديق، وهذا قول الإمام أحمد، وصفات الله ﷿ قديمة، وأزلية، وأسماؤه هي ذاته، فلا فرق بين الاسم والذات، لأنك إن قلت: الرحمن الرحيم، فالله هو الرحمن وهو أيضًا الرحيم، وكذلك إذا قلت: المؤمن المهيمن العزيز الجبار الغفار، فالله هو المؤمن والمهيمن والعزيز والجبار والغفار.
إذًا: كل الأسماء هي ذاته، فلا فرق بين الأسماء والذات، وهذه نقطة مهمة جدًا، وليس كما قالت الجهمية والمعتزلة: إن تعدد الأسماء يعني تعدد الذوات، وهذا يعتبر تشريكًا مع الله، وهو الشرك بذاته، يقول الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ [الإسراء:١١٠]، فالرحمن هو الله، ولا فرق بين الرحمن وبين الله، فأسماؤه هي ذاته، وهذه هي قواعد الأسماء والصفات المهمة جدًا.
فالمهم أن المعتزلة أقنعوا المأمون بأن القرآن مخلوق، فأرسل المأمون إلى أحمد إمام أهل السنة والجماعة، والذي كان يجتمع في مجلسه الواحد ليس عشرة آلاف أو خمسين ألفًا، بل مائة ألف، والناس تأتي إليه لتأخذ العلم منه، وقد جاء المأمون بعلماء بغداد كلهم فآمنوا كلهم بفكرة خلق القرآن، حتى وصل إلى ابن حنبل الذي قال: كلام ربي غير مخلوق، فقال له من أرسله الخليفة: ارجع عن هذا وإلا قتلناك، فهددوه بالقتل، وظل من حوله يساومونه في أن يقول هذه الكلمة تقية يتقي بها القتل، أو يحاول أن يقولها مكرهًا، وفرق بين إكراه العالم وإكراه المسلم العادي، فيوم أن تُكره أنت لا أحد يمشي خلفك، لكن عند يُكره العالم ويزل فهذه مصيبة عظمى؛ لأن زلة العالم زلة عالم؛ لأن العالم أسوة وقدوة، فـ أحمد لو قال: إن القرآن مخلوق من سيقلده؟ لاشك أن الناس العوام الذين يحضرون الدرس سيقلدونه في هذه الكلمة، فأبى أحمد ذلك.
وبينما الإمام أحمد في طريقه إلى المأمون حتى ينفذ فيه إما القول وإما القتل، قال: يا رب اللهم لا تجمع بيني وبين المأمون أبدًا، فجاءه الخبر بأن المأمون قد مات! فاستجاب الله لدعائه رحمه الله تعالى، فآل الحكم إلى المعتصم الذي سجن أحمد ثمانية وعشرين شهرًا، أي: سنتين وأربعة شهور، حتى إنه كان يربطه في ذيل البغل ويجره في شوارع بغداد، وذلك تمثيلًا به، وأحمد يأبى أن يقولها، ومع ذلك كان يجلد جلدًا عظيمًا، وفعلوا به ما فعلوا على أن يقول: إن القرآن مخلوق، حتى قال له بعض العلماء: يا أحمد قل: هذا مخلوق وأشر إلى إصبعك تعريضًا، لكن الناس لا تفهم ذلك، فأنا أعرض على نفسي ولا أقصد القرآن حتى أنجو بنفسي من العذاب، لا؛ لأن زلة العالم زلة عالم، وهؤلاء علماء ربانيون، وهذا عالم يصدر فتوى في سبتمبر سنة (٨٩م) يقول فيها: إن فوائد البنوك حلال! وقبل ذلك في نفس العام وفي فبراير تصدر عنه فتوى تقول بحرمة فوائد البنوك، فيا عبد الله! اتق الله فأنت الذي قلت وأنت التي فكرت، وما الذي غير وجهة النظر من فبراير إلى سبتمبر؟! وبعد مرور زمن مات المعتصم، فجاء بعده الواثق العباسي، فأخرج
1 / 7
الابتلاء الذي تعرض له الإمام مالك بن أنس بسبب فتوى عدم وقوع طلاق المكره
إن فتنة العلماء وبلاء العلماء أمر معروف ومعلوم، فلا تجد عالمًا من علماء السلف ليس له بلاء، وإنما لابد أن يبتلى، فالإمام مالك قد ابتلي في طلاق المكره، وذلك عندما ولي أمر المدينة والٍ بالإكراه، وفي مجلس للإمام سأل أحدهم الإمام: هل يقع طلاق المكره؟ فالسؤال عن الطلاق، لكن المعنى في بطن الشاعر، فقال مالك: طلاق المكره لا يقع.
إذًا: بالقياس بيعة المكره لا تقع، فانتقلت هذه الفتوى ووصلت إلى والي المدينة، فاستدعى الإمام مالكًا رحمه الله تعالى، وطلب منه الرجوع عن هذه الفتوى والقول بوقوع طلاق المكره، وهذه فتوى تسمى بحسب الطلب، فرفض ذلك الإمام مالك ﵀، فجلده الوالي جلدًا شديدًا حتى شلت إحدى يديه، فكان لا يستطيع أن يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وهذا هو السبب في أن مالكًا كان لا يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وهذا كله إن دل فإنما يدل على أن العلم أمانة، وأن الدين أمانة، فإن قلتها مت، وإن لم تقلها مت، فقلها ومت عزيزًا رافع الرأس، وفي الأخير فالبلاء في سيرة السلف متعدد لكن المقام لا يتسع لأكثر من هذا.
1 / 8
الأسئلة
1 / 9
حكم دخول الصلاة بدون تكبيرة الإحرام
السؤال
هل يجوز الدخول في الصلاة من غير تكبيرة الإحرام؟
الجواب
لا، وعليه فالصلاة باطلة؛ لأن تكبيرة الإحرام ركن من أركانها، قال ﷺ: (وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، فلا يجوز أن تصلي بدون تكبيرة الإحرام بإجماع أهل العلم.
1 / 10
حكم نسيان المصلي لركن من أركان الصلاة
السؤال
ما حكم لو نسي المصلي ركنًا من أركان الصلاة؟
الجواب
يعيد الصلاة من البداية، ولا يجبر ذلك سجود السهو، وإنما لابد أن يحصل الركن.
1 / 11
حكم إدراك الإمام وهو راكع
السؤال
بعض الناس يأتي إلى الصلاة والإمام راكع، فهل يكتفي بتكبيرة واحدة أم لابد من تكبيرتين: تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الإنتقال؟
الجواب
من الخطأ الكبير أن يجيء المصلي ويجد القوم ركوعًا، فيركع دون أن يكبر للإحرام، فهذا خطأ فادح يترتب عليه بطلان الصلاة؛ لأنه لابد أن يكبر للإحرام قائمًا، ثم يكبر للركوع تكبيرة الانتقال، ولا يجوز أن يجعل تكبيرة الانتقال هي تكبيرة الإحرام.
1 / 12
حكم تغطية المرأة لقدميها في الصلاة
السؤال
هل تغطية المرأة لقدميها في الصلاة ضروري أم لا؟
الجواب
نعم، لما ورد في سنن أبي داود أن المرأة ينبغي عليها أن تغطي ظهور قدميها، والله تعالى أعلم.
1 / 13
حكم انصراف الأستاذ من المدرسة بعد أداء حصته والعودة إليها في وقت الانصراف
السؤال
أعمل مدرسًا بإحدى المدارس، وأحيانًا في بعض الأيام تكون لدي الحصة الأولى فقط، وأكون غير مكلف بأي عمل بعد ذلك، فهل يجوز لي الانصراف، ثم العودة مرة أخرى للمدرسة في موعد الانصراف؟
الجواب
لا يجوز لمدرس وقع على عقد عمل من الثامنة إلى الثانية، وعنده الحصة الأولى أو الثانية فقط أن يدرسها وينصرف، وإنما يجلس في المدرسة حتى انتهاء الوقت؛ لأنه ربما قد يحتاجونه بدل أستاذ آخر، وأيضًا هو قد وقع عقدًا يسمى عند الفقهاء: عقد حبس وقت، فأنت تحصل على مرتب مقابل وقت وليس مقابل عمل، فأنت مكلف فيه بعمل إن استدعيناك، فمثلًا: أنا درست الحصة الأولى وجلست، وعندي الحصة الرابعة الساعة الواحدة، فأجلس من الساعة العاشرة إلى الواحدة، فربما أكلف بعمل إضافي، ربما تحدث ظروف بالمدرسة إلى غير ذلك، فالعقد حبس وقت، مثله تمامًا كرجل يفتح محلًا تجاريًا وجاء بشاب يعمل فيه فظل المحل لا يأتيه أحد إلى الساعة الواحدة، فقال الشاب: سأقفل المحل إلى الساعة الواحدة؛ لأنه لا أحد يأتي الصباح، فقال المالك: أنت عليك أن تفتح من الساعة الثامنة، وتجلس، فإن جاء زبون فأهلًا، ولم يأت فأنت لست مسئولًا؛ عملك حبس وقت، والله تعالى أعلم.
وهذا بخلاف الإجازات، فالإجازات ورديات بترتيب المدير، وهذه مسألة ثانية.
1 / 14
حكم تعامل الإنسي مع الجني
السؤال
هل من الممكن أن يخدم الجن الإنس لصلاحه أو تقواه، كما قال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد؟
الجواب
الحقيقة ليس عندي علم بأن هذا قد قاله الشيخ، وإنما حد علمي أنه لا يجوز للإنسي أن يتعامل مع الجن، حتى وإن كان مؤمنًا.
1 / 15
حكم قيام الليل جماعة بترتيب مسبق
السؤال
ما حكم قيام الليل في جماعة، حيث إن البعض قد قال: إن الشيخ ابن باز قد أجاز ذلك؟
الجواب
كذاب من نسب هذا إلى الشيخ ابن باز، لأن قيام الليل في جماعة بترتيب وبدعاء سابق بدعة، لما ورد عند البخاري رحمه الله تعالى من حديث ابن عباس ﵁ أنه قال: (بت عند خالتي ميمونة فقام النبي يصلي بالليل، فقمت فصليت عن يساره، فجذبني النبي ﷺ وجعلني عن يمينه)، وابن عباس لم يرتب القيام مع رسول الله، ولم يخبره ﷺ أنه سيقوم الليلة، إن كنت تصلي منفردًا قدرًا وجاء من يصلي خلفك دون ترتيب فلا بأس، أما أن تقول: غدًا سنصلي جماعة، فهذا لم يؤثر عن السلف رحمهم الله تعالى، لا في عصر الصحابة ولا في عصر التابعين، وإنما قيام رمضان فقط في جماعة، أما ما سوى رمضان فلم يؤثر عن السلف أنهم دعوا إلى جماعة ثم رتبوا لها، فهذا من الأمور المحدثة التي لا دليل عليها، والبعض قد يقول: ألا تأتون لنصلي ركعتين غدًا جماعة وندعو للعراق! فهل النبي محمد ﷺ قال لأصحابه يومًا: هيا نصلي ركعتين وندعو على قريش؟ أو غدًا يوم الخميس الكل يصوم ويدعو لأجل العراق، لا، فكل هذا من الأمور المحدثة، لكن يمكن أن نقول: إن من أوقات الإجابة الدعاء بعد الطاعة، فأطيعوا ربكم بالصلاة، بقراءة القرآن، بالصيام، بالإنفاق ثم ادعوا، وعليه تكون قد فتحت الباب للعبادة، لا أن تجمع الناس على عبادة وأنت مبتدع في ذلك، وإن فعلت ولويت عنق النصوص فقل ما شئت وأنت وشأنك، والله أعلم.
1 / 16
خروج الزوجة من بدعية الدعوة إلى قيام الليل في جماعة بترتيب مسبق
السؤال
هل تدخل الزوجة تحت بدعية الدعوة إلى قيام الليل في جماعة بترتيب مسبق؟
الجواب
لا، فالزوجة تدعوها وتقول لها: إن شاء الله سنصلي قيام الليل في جماعة، فتقوم أنت وتقوم هي خلفك؛ لقول النبي ﷺ: (رحم الله زوجًا قام من الليل وأيقظ زوجته، فإن هي أبت نضح في وجهها الماء)، فالزوجة تبع للزوج، فإن قام يصلي صلت خلفه، لكن إن قال: إن شاء الله يوم الثلاثاء سنصلي في مسجد كذا في المكان الفلاني جماعة لأجل أن تدعو على الله، فهذا بدعة؛ لأنه ما أثر عن السلف أنهم كانوا يجمعون الناس بعد رمضان، فنحن متبعون ولسنا أهل بدعة، والله تعالى أعلم.
1 / 17
حكم زيارة القبور للنساء
السؤال
ما حكم زيارة القبور للنساء؟
الجواب
جائز، لكن بضوابط شرعية: الأول: ألا تخرج متعطرة.
الثاني: ألا تختلط بالرجال.
الثالث: ألا تكرر الزيارة.
الرابع: ألا تأتي بفعل من أفعال الجاهلية.
والأدلة على ذلك كثيرة.
1 / 18
حكم زيارة القبور في الأعياد
السؤال
ما حكم زيارة القبور في الأعياد؟
الجواب
لا يجوز زيارة القبور في الأعياد، سواء للرجال أو للنساء، ومن الجهل أن تجد في القرى أنهم يحتفلون بالعيد مع الأموات، فتجد الأسرة أو العائلة تذهب إلى القبور وتجلس بجوارها، ويأتي الشيخ فيقرأ من بداية سورة (يس) ويعطى مقابل ذلك، وبعض الناس ليس بحافظ قرآن، نسأل الله العافية، وهذه مصيبة من مصائب الدهر، فزيارة القبور في الأعياد لا تجوز.
1 / 19
حكم تجاوز مدة دم الحيض للمرأة التي لها عادة معينة
السؤال
زوجة مدة حيضها خمسة أيام، وبعد تركيب شريط أصبح مدة الحيض عشرة أيام، فهل يجوز للزوج أن يجامعها بعد الخمسة الأيام أم لا؟
الجواب
إن كان الدم الذي ينزل بعد الخمسة الأيام دم حيض معروف بلونه، معروف بصفاته فلا يجوز لزوجها أن يجامعها، أما إن كان دم استحاضة فيجوز والله تعالى أعلم.
والنساء تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: امرأة معتادة، أي: لها عادة شهرية معينة، كخمسة أيام في الشهر.
الثاني: امرأة لها مثيلات، يعني: نظيرات من بني جنسها، فتنظر إلى بني جنسها فتمكث قدر المدة التي تمكثها نساء بني جنسها.
الثالث: امرأة تنتظر المدة الزمنية؛ لقول النبي ﷺ لـ فاطمة بنت قيس: (انتظري المدة التي كنتِ تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي).
1 / 20