260

Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani

تفسير المنتصر الكتاني

اصناف

تفسير قوله تعالى: (يتخافتون بينهم)
قال تعالى: ﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ [طه:١٠٣]: يتخافتون: يتسارون، والخفوت: الصوت الذي لا يكاد يرى منه إلا حركة الشفتين، فلا يكاد يسمعه من بجانبه.
فهم يتساءلون: كم لبثنا؟ وكم أقمنا في قبورنا؟ وكم أقمنا ما بين النفخة الأولى والنفخة الثانية؟ ولكون الدنيا مهما طالت فهي قصيرة بالنسبة للآخرة، يقومون وكأنهم لم يعيشوا قط، وهذا ندركه في الحياة قبل الممات، فكل من زادت سنه عشر سنين يتصور أن السنين العشر لم تكن، وقل هذا على ابن العشرين فالثلاثين فالسبعين فالتسعين فالمائة.
فلا يرى إلا أن هذه السنين كأنها لحظات، ولا يبقى له منها في نفسه إلا الصدى.
فنحن الآن نقرأ أخبار هذه الأمم في كتاب الله وحديث رسول الله ﷺ، وقد مضت عليهم القرون والآلاف من السنين ومع كل ما أمضوه من ذلك أصبحوا كلمات على الأوراق، وقصصًا تحكى، والذي جاء من التراب عاد إلى التراب وكأنه لم يكن.
﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ [طه:١٠٣]: يقول بعضهم لبعض مبالغًا في تقدير الزمن الذي عاش فيه سواء بين النفختين أو في حياته: ما لبثنا وأقمنا في قبورنا أو ما بين النفختين إلا عشرة أيام.
يقول تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا﴾ [طه:١٠٤].
فالله ﷻ يقول: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ [طه:١٠٤] أي: رغم كونهم يتحدثون سرًا حتى لا يكاد الكلام يسمع، ولكن الله ﷻ يعلم ويسمع ما يتخافتون به وما يقولونه، فأخبرنا بما يقول المجرمون، ونرجو الله أن يجعلنا من أهل الجنة البعداء من النار.
﴿أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ [طه:١٠٤]: أي: أعقلهم وأوسعهم فهمًا وإدراكًا في نفسه.
﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا﴾ [طه:١٠٤]: كل ما مضى من حياتهم وما بين النفختين لا يتجاوز اليوم.

41 / 6