84

190

قوله : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } وذلك قبل أن يؤمروا بقتال المشركين كافة ، فكانوا لا يقاتلون إلا من قاتلهم . قوله : { ولا تعتدوا } أي في حربكم فتقتلوا من لا يقاتلونكم ، وتقتلوا من قد آمنتموه وتحرم بحرمتكم { إن الله لا يحب المعتدين } ، ثم أمر بقتالهم في سورة براءة فقال : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] .

قوله : { واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } يعني من مكة { والفتنة أشد من القتل } والفتنة هاهنا الشرك . وقال مجاهد : ارتداد المؤمن عن الدين أشد عليه من أن يقتل محقا .

قال : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين } . قال بعض المفسرين : كانوا لا يبدأون في الحرم بقتال إلا أن يقاتلوهم فيه . ثم أنزل الله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] فأمروا أن يقاتلوهم في الحل والحرم . وعند البيت حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

وقوله : { فإن انتهوا } أي من قتالكم ودخلوا في دينكم { فإن الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } أي شرك { ويكون الدين لله فإن انتهوا } عن شركهم { فلا عدوان } أي : فلا سبيل { إلا على الظالمين } أي الظالم الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله .

قوله : { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } . ذكروا عن مجاهد أنه قال : كان المشركون صدوا النبي عليه السلام عام الحديبية ، وفخروا عليه بذلك؛ فصالحهم على أن يرجع من العام المقبل في ذلك الشهر ، فيدخل مكة ، فيقيم فيها ثلاثة أيام . وكان ذلك في ذي القعدة . فأدخله الله من العام المقبل مكة واقتص له منهم . وهو قوله : { الشهر الحرام بالشهر الحرام } .

وقال الحسن : إن استحللتم منا القتال في الشهر الحرام استحللناه منكم ، فإن الحرمات قصاص . وكان ذلك قبل أن يؤمر بقتالهم كافة .

قال : { فمن اعتدى عليكم } فاستحل منكم القتال { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } أي : فاستحلوا منه . وتأويل الاعتداء هنا هو المجاوزة . يقول : { فمن اعتدى عليكم } . أي جاوز إليكم ما كان يحرمه منكم { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } . أي فجاوزوا ما كنتم تحرمون منه .

وقال الكلبي : قوله : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } قال : لما قدم النبي A مكة من العام المقبل لما كان صالحهم عليه من دخولها ويقيم فيها ثلاثة أيام ، فقدم مكة وخرجت قريش كهيئة البزاء ، فخاف أصحاب رسول الله A أن لا يفي لهم المشركون ، فقال الله : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } يقول : إن قاتلوكم دون البيت فقاتلوهم .

وقال السدي : إن اعتدوا عليكم فقاتلوكم في ذلك العهد فقاتلوهم .

وقال بعضهم : أقبل نبي الله وأصحابه فاعتمروا في ذي القعدة ومعهم الهدي حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون . فصالحهم نبي الله أن يرجع عامه ذلك حتى يرجع من العام المقبل ، فيكون بمكة ثلاثة أيام وثلاث ليال ، ولا يدخلها إلا بسلاح الراكب ، ولا يخرج بأحد من مكة . فنحروا الهدي بالحديبية ، وحلقوا وقصروا . فأقصه الله منهم ، فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كان ردوه فيه في ذي القعدة ، فقال : { الشهر الحرام بالشهر الحرام } . . . إلى آخر الآية . قال : { واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين } .

صفحہ 84