277

تفسیر ابن بادیس

تفسير ابن باديس ((في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)).

ایڈیٹر

علق عليه وخرج آياته وأحاديثه أحمد شمس الدين.

ناشر

دار الكتب العلمية بيروت

ایڈیشن

الأولى

اشاعت کا سال

١٤١٦هـ - ١٩٩٥م.

پبلشر کا مقام

لبنان.

اصناف

وكما لا ينفي الحكمة عن تدبير الله عدم ظهورها .. كذلك لا ينفي الحكمة عن شرعه عدم فهمها، ولا يقدح في دلالة الآيات وبيانها، عدم إدراك كنهها، أو عدم فهم معناها.
ففي خلق الله، وفي شرع الله، وفي قدر الله، وفي كلام الله، ما يخفى على العقول إدراك حقيقته، أو حكمته، أو معناه، لطفًا من الله بالإنسان وتنبيهًا له.
وقد قامت الحجة عليه فيما جهل بما عرف، وتجلت له بدائع الخلقة وجلائل النعمة فيما ظهر، فآمن بوجود مثلها فيما خفي.
إذ الرب الحكيم الرحيم، لا يكون منه إلاّ ما هو حكمة، وفيه نعمة.
فكان الإنسان (١) في القسم الأول (٢) مدركًا مستدلًا معتبرًا، قد استعمل عقله فأداه إلى الإيمان واليقين فيما ظهر. وكان في القسم الثاني (٣) مصدقًا مذعنًا لربه صاغرًا، قد أدرك الحجة فآمن بالغيب فيما استتر، فجمع بين النظر والاستدلال، والتسليم والإذعان.
فهذا توجيه وجود لفظ من كتاب الله لا نفهم معناه- عند من يقول به- ببيان حكمته، مع تنظيره بمثله في خلق الله وشرعه وقدره.
بناء العمل على هذا العلم:
قد رأيت كيف يقف العقل عاجزًا أمام بعض أسرار الخلق والقدر والشرع.
والقرآن مع يقينه بما علم منها أن ما عجز عن إدراكه، ما هو إلاّ مثل ما عرف في كماله في الحق والحكمة والنعمة؛ إذ الجميع- ما عرف وما عجز عنه- من إله واحد حكيم خبير، رحمن رحيم.
فليذكر الناظر في خلق الله، وقدره، وشرعه، وكلامه، دائمًا هذه الحقيقة:
وهي ثبوت الحق والحكمة والنعمة في جميعها، وإمكان عجز عقله في بعض المواضع والأحوال عن إدراكها؛ فيكون عمله في خلق الله هو النظر والبحث والتحليل والاكتشاف، واستجلاء الحقائق الكونية، واستخراج الفوائد العلمية والعملية، إلى أقصى حد توصله إليه معلوماته وآلاته.
حتى إذا انتهى إلى مشكل استغلق عليه اعترف بعجزه، ولم يرتكب من الأوهام والفروض البعيدة ما يكسو الحقيقة ظلمة، ويوقع الباحث من بعده في ضلالة أو حيرة.
فكثيرًا ما كانت الفروض الوهمية الموضوعة موضع اليقينيات، سببًا في صد العقول عن النظر، وطول أمد الخطأ والجهل (٤).

(١) أي المؤمن كما يؤخذ من كلامه بعد.
(٢) أي فيما عرف حكمته.
(٣) أي فيما خفي عليه حكمته.
(٤) كفرضية تسطيح الأرض وثباتها بقيم مسلمة قرونًا عديدة فكانت سببًا في صدّ العقول عن اكتشافات أخرى مهمة.

1 / 285