63
{ وإذ أخذنا ميثقكم } وثوقكم ، كالميعاد بمعنى الوعد ، وأفرد الميثاق لأن ما أخذ على كل واحد أخذ على غيره ، فكان ميثاقا واحدا ، والمراد عهدهم الإيمان ، بالتوراة كلها . والعمل بما فيها ، أعطيتم الميثاق على ذلك ، ثم أبيتم ، وقيل ، أخذ الميثاق قبل نزولها على أن يعملوا بما ينزل عليهم فى الكتاب ، ولما نزلت التوراة نفضوا لما فيها من الميثاق { ورفعنا فوقكم } حين نقضتم أو سريانى معرب ، وقيل المراد جبل المناداة ، حمل إليهم ، اقتلعه جبريل من أصله وحمله فى الهواء بينهم وبينه قدر قامة أحدهم ، وهو فرسخ فى فرسخ على قدر عسكرهم ، قيل ، والنار قدامهم ، والبحر المالح خلفهم ، فقيل لهم ، إن لم تقبلوا رضختكم به . فسجدوا للقبول على أنصاف وجوههم ، ناظرين بالعين اليمنى إليه خوفا ، فكان أفضل سجود اليهود بعد ذلك ما كان على الشق الأيسر والنظر باليمنى إلى جهة المساء ، قائلين { خذوا } اقبلوا { مآءاتينكم } وهو التوراة { بقوة } باجتهاد ، وقيل ، لا يقدر القول هنا ، لأن الميثاق قول ، ولا دليل فى الآية لمن قال ، الاستطاعة قبل الفعل ، إذ لا يقال ، خذ هذا بقوة إلا والقوة فيه ، لأن بهذا المعنى لاننكر صحة تقدمها على الفعل { واذكروا ما فيه } تعاهدوه بالمطالعة والدرس والتفهم لمعانيه والعمل به { لعلكم تتقون } عقاب الله ، أو المعاصى ، وتقدمت أوجه لعل فى كلام الله ، وقس عليها فى جميع القرآن ، وليس رفع الجبل فوقهم إجبارا على الدين ، فلا يقال ، كيف تقبل الطاعة ، لأن الإحبار ما فيه سلب الاختيار ، بل الآية كمحاربة العدو ، إن أسلم رفع عنه السيف ، وإن أخذوا زال الجبل ، وأما الإكراه فى الدين ففى مخلوق لآخر أن يحبسه حى يؤمن ، أو يمنع عنه الطعام حتى يؤمن أو نحو ذلك لا يجوز ، ولو فسر لا إكراه فى الدين بالنهى عن القتال حتى يؤمر به ، وأما الله فله فعل ما شاء ، قيل : ولا يقال : الإيمان بالإجبار يجزى فى الأمم السابقة أو بعضها فتكون منه هذه القصة ، لأن هذا مما لا تختلف الشرائع فيه ، وقد قال الله تعالى { فلولا كانت قرية آمنت } الآية . { فلم يك ينفعهم إيمانهم . . . } الآية قلت : الآيتان غير ما فى هذه الآية ، لأن هذه الآية جاءت فى القهر على الفعل ، والآيتان فيمن أغلق عنه الله باب الفعل بتوجيه الموت إليه ، ووجه آخر لا يقبل ما عن إجبار إذا استمرت الكراهة ، أما إذا كان بعده الفعل بالاختيار فيقبل كل ما باختيار ، فأخذوه بقوة ثم تركوه ، كما قال :
{ ثم توليتم } أعرضتم بعدم القبول ، وأصله الإعراض بالجسد { من بعد ذلك } العهد الذى أعطيتم وعملتم به مدة ، أو من بعد ذلك العمل المعلوم من المقام ، أو من بعد الأخذ بقوة ، إذ لم يمتثلوا ، بل استمروا على العصيان ، لم يقل ثم توليتم ، وقيل ، بعد رفع الطور فوقكم ، وإيتاء التوراة ، فطوى عن ذكر امتثالهم { فلولا فضل الله } بتوفيقكم للتوبة { عليكم } الخطاب باعتبار الآباء { ورحمته } لكم بالتوبة أو بقبولها قيل ، أو الخطاب للأبناء فالفضل والرحمة بإرسال الرسول A ، لو لنفى تاليها ، وإذا زيدت لا العافية ثبت ما نفى ، هذا قول الكوفيين بتركيب لو من لولا والبصريون على أنها بسيطة { لكنتم من الخسرين } كمن ذهب رأس ماله أو بعضه ، هذا عندى يعين الخطاب للآباء ، لأن يهود عصر رسول الله A خاسرون إلا ما شذ بخلاف من تقدم ، ففيهم الخاسر والرابح .
صفحہ 79