لكن ذكر بدل الغراب الغرنوق ، أو اختار الأجناس هو لصفاتها ، ففى الطاووس زوج ، وفى الديك شدة حب الجماع ، وفى الغراب الحرص ، وفى الحمامة الأنس ، وهن صفات الإنسان ، وقيل الديك والغراب والطاووس لخيانتهن ، فالطاووس خان آدم ، والبط قطع شجرة اليقطين عن يونس ، والديك خان إلياس ، لأنه سرق ثوبه ، والغراب خان نوحا ، لأنه اشتغل بالميتة حين أرسل لينظر موضعا لا ماء فيه { فصرهن } أملهن { إليك } أمره بإمالتهن إليه ليحقق أوصافهن قبل أن تفرق أجزاؤهن لما بعد اجتماعها فيراها كحالها الأول ليست آخر مثلها ، ولا خالف جزء موضعا له ، وفى الآية عمل العامل فى ضميرين لمسمى واحد ، مع أنه من غير باب علم وظن وعدم وفقد ورأى الحلمية ، وهو مقيس إذا كان أحدهما بحرف ، لا كما توهم بعض ، فضمير صر وإليك لواحد ، ومنه قوله تعالى ، يجره إليه ، وقوله تعالى : وهزى إليك ، وقوله تعالى : وتوبى إليك ، وقوله تعالى : واضمم إليك ، وقوله تعالى : فسيحشرهم إليه ، وقوله : يخصفان عليهما ، وقوله ، يهديهم الهل . إذا قلنا هاء إليه ، كما هو المتبادر عائدة إلى الله ، وقوله تعالى : ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ، إذا قلنا وج هنا بمعنى لقى وصادف ، فيكون له مفعول واحد ، وهو المتبادر هنا ، ومن ذلك قوله تعالى : وآتانى منه رحمة ورزقنى منه { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } ولا يتصور إلا بالقطع ، فالقطع مفعوم التزاما ، أو صر بمعنى اقطع ، وعليه فإليك يتعلق بخذ ، أو يقدر صرهن واضممهن إليك ، وصر اقطع ، وإنما قطعهن بعد الذبح وذلك لئلا يعذبن ، ولئلا يتناول الميتة ، ويقال قطعهن ، وخلط لحومهن وريشهن ودماءهن وسائر أجزائهن . والأجزاء أربعة فالجبال أربعة ، وقيل الأجزاء سبعة فالجبال سبعة ، أو الأجزاء عشرة والجبال عشرة ، ولم يشترط تساوى الأجزاء ، واختار بعض التساوى ، أو على كل جبل من جبال أرضك ولو كثرت { ثم ادعهن } قل : تعالين بإذن الله إليك { يأتينك سعيا } على أرجلهن لا طائرات ، ليتحقق أن أرجلهن سوالم ، ثم يطرن فيتحقق أنه لم يبطل طيرانهن ، أو سعيا فى الهواء بالطيران ، وقيل أمسك رءوسهن عنده بأمر الله فأتت أجزاء كل طائر إلى رأسه بعد اجتماعها ، وذكر القرطبى ، أنه لما اجتمع أجزاء كل طائر فى جملة أعاد النداء فجاءت إلى الرؤوس ، فيقرب رأس طائر إلى غيره فيتباعد حتى يقرب إليه رأسه ، وعن الحسن أنه عليه السلام نادى : أيتها العظام المتفرقة واللحوم المتمزقة والعروق المنقطعة اجتمعن برد الله فيكن أرواحكن وعن مجاهد ، دعاهن باسم إله إبراهيم ، وذلك الدعاء تكرير من الله لحياتهن ، وقيل : التقدير : فقطعهن ثم اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا أحيهن فإذا أحييتهن فادعهن . وهذا تكلف . وسعيا مفعول مطلق ليأتينك لأن المراد إتيان سعى ، أو لحال محذوف ، أى ساعيات سعيا ، أو يقدر ذوات سعى أو مبالغة { واعلم أن الله عزيز حكيم } لا يعجزه شىء ولا يعبث .
صفحہ 316