231

تفسير اطفيش

تفسير اطفيش

اصناف

{ الحج أشهر معلومت } عن الناس ، وقت الحج أشهر ، أو الحج ذو أشهر ، شوال ، وذو القعدة وعشرة من ذى الحجة ، ولا يشكل علينا الجمع ، لأن المعنى أن الحج يوقع فى ثلاثة أشهر ، والأمر كذلك فإنه يوقع فى التسعة الأولى وفى ليلة النحر للمراهق ، فذو الحجة بذلك محل للحج ، بل يوقع باقى أعلمه أيضا بعد ذلك ، ولا يلزم من كون شهر محلا لكذا أن يكون فى كل يوم منه ، تقول فعلت كذا سنة كذا ، وإنما فعلته فى ساعة منها أو عشرون من ذى الحجة أو ثلاثون ، ووقت العمرة السنة كلها ، وقيل نزل بعض الشهر منزلة الشهر فى قوله أشهرن إذ لم يقل شهران وعشرة أيام أو شهران وعشرون يوما ، وزعم بعض أن الجمع المركب من آحاد بعضها حقيقة . وبعضها مجاز ، ليس جمعا بين الحقيقة والمجاز ، وليس كذلك عندى ، وأجاز الشافعية الجمع بينهما ، وزعم بعض أن الآية على أن أقل الجمع اثنان مجازا حقيقة ، وأما من قال ثلاثون يوما فقد أتم ثلاثة أشهر ، ومذهبنا الأول ، فلا يفوت طواف الزيارة والسعى ما دام غير ناقض لإحرامه ، ولو عاما أو أكثر ، وفاته بالعشرين على الثانى وبالثلاثين على الثالث فيقضى الحج مستأنفا على القولين ، ونسب الثالث لمالك فى رواية عنه ، وابن عمر ، والزهرى ، وروى عن الشافعى شاذا ، وأما الإحرام به فلا يجوز بعد عرفة وأجازه الشافعى ليلة النحر شاذا مردودا ، وعن إملاء الشافعى يجوز الإحرام به فى جيمع ذى الحجة وهو أشذ وأبعد ، وأما الوقوف فلا يصح إلا فى يوم عرفة فى عرقة ، إلا المراهق فله الوقوف فيها ليلة النحر ، وعن أبى حنيفة شهران وعشرة لأن الطواف ركن ويوقع فيه لا قبله ، والخلاف لفظى ، فإن ما قبل طلوع فجر النحر وقت الإحرام ، والركن الأعظم ، وهو الوقوف ، وما بعد ذلك وقت للركن العظيم ، وما ليس ركنا ، وزعم أبو حنيفة فيما قيل عنه ، أنه يجوز الإحرام قبل شوال بالحج على كراهة ، والتحقيق أنه أجازه قبله ، لأنه عنده شرط كالوضوء للصلاة { فمن فرض فيهن الحج } على نفسه بالإحرام به مع النية ولو بلا لفظ ، ومع التلبية به مع اللفظ والقصر للدخول فيه ، كالدخول فى الصلاة ، هذا مذهبنا ، وقال أبو حنيفة بالتلبية مع النية أو سوق الهدى معها أيضا ، لأن الإحرام فى الحج عقد على الأداء ، فلا بد معه من ذكر ، وهو التلبية أو ما قام مقامه وهو السوق كالإحرام فى الصلاة ، وقال الشافعى تجزى النية بلا لفظ ولا تلبية ، لأن الإحرام التزام الكف عن المحظ رات فيصير شارعا بالنية كالصوم ، ومن أفسد حجا أو عمرة ولو نفلا لزمه قضاؤها ، ولو عند من لا يوجب قضاء نفل العبادة منا ، وكذا قال الشافعى وأبو حينفة ، وقوله فيهن ، دليل على أنه لا يصح الإحرام بالحج فى غير أشهره ، قيبطل ، وقيل يصير عمرة ، وأجيب بأن المراد بفيهن الكمال ونفى الكرامة ، وليس كذلك ، فإن قوله أشهر معلومات نص فى تخصيص أشهر ، وقوله A « لا ينبغى لأحد أن يحرم بالحج إلا فى أشهره » ، أراد به التحريم ، بدليل الأحاديث الفاصلة على أنه لا يصح الإحرام بالحج قبل أشهره { فلا رفث } فى الحج ولا جماع كما تعورف شرعا ، أو فلا فحش كلام فى أمر الجماع ومقدماته ، وهو المعنى الحقيقى للرفث ، وعليه فبالأولى أن لاجماع { ولا فسوق } فى الحج ولا غيره ، ومنها السب والنبز باللقب ، فمن فعل كبيرة بعد الإحرام لزمه دم { ولا جدال فى الحج } فى أيامه بعد الإحرام به ، ولو مع المكارى أو الخادم أو الرفقة ، ومن جادل حتى أغضب أو غضب لزمه دم ، ولو فى الحق والمباح ، وقيل المراد لا جدال فى أيام الحج ولو قبل الإحرام ، واللفظ إخبار ، والمعنى إنشائى أى لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا ، أو إخبار لفظا ومعنى ، أى لا يثبت ذلك فى دين الله ، وإن كان فمن دين الجاهلية والشيطان ، والفسوق محرم على الحاج وغيره وذكر هنا لمزيد التغليظ ، كالنهى عن لبس الحرير فى حق الرجل حال الصلاة ، مع أنه محرم فى غيرها أيضا ، أو الفسوق بمعنى الخروج ، أى لا تخرجوا عن حد الشرع إلى المعصية ولو صغيرة ، وإلى ما لا يجوز فى الإحرام كلبس المخيط والتطيب والصيد ، وزعم بعض أن الجدل بالحق غير منهى عنه ، ويرده مخالفة ظاهر الآية ، وأنه يقضى إلى شر ، وقد قال D { فلا تمار فيهم } الأمر لظاهر ، وقال A : « من ترك المراء وهو محق بنى له بيت فى أعلى الجنة » ، ومن تركه وهو مبطل بنى له فى ربضها ، وغير ذلك وعدم ذكره فى قوله A « من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » لا يدل على عدم النهى عنه لأن عدم ذكر الشىء لا يدل على انتقائه ويروى أن معنى لا جدال فى الحج ، اتركوا الخلاف فى الحج إذ كانت قريش تقف بالمزدلفة وسائر الناس بعرفة ، وكانوا يقدمون الحج عاما ويؤخرونه عاما ، فأنزل الله ذلك فنقول أيضا لا جدال فى ذلك ولا في غيره ولم يضمر للحج لتأكيد شأنه { وما تفعلوا من خير } كالكلام الحسن مكان الرفث والبر ، والتحصن مكان الفسوق ، والوفاق بالأخلاق الحميدة مكان الجدال فى الحج وغيره كالصدقة والصوم والنفل وسائر العبادة { يعلمه الله } فيجازيكم به ، وكذلك يعلم الشر لكن لم يذكره لأن المقام مقابلة الشر بالخير ، أو أراد بالعلم الجزاء { وتزودوا } لآخرتكم الأعمال الصالحة وترك ما ينهى عنه ، وترك الطمع والسؤال مع وجود الغنى عنه ، فمن لم يتزود لها هلك بالنار كما يموت مسافر بلا زاد { فإن } لأن { خير الزاد } لأن الزاد شمل زاد الدنيا وزاد الآخرة { التقوى } الحذر عن ترك الفرض وفعل المحرم ، ومنه الإلحاح فى السؤال بل مطلق السؤال بلا حاجة إليه مضطرة ، والخروج إلى الحج بلا زاد ، فيكون عيالا على الناس وثقلا عليهم ، فالتحرز عن ذلك من حملة التقوى ، ويروى أن حجاج اليمن كانوا يفعلون ذلك ، ويزعمون أن ذلك توكل على الله ، فأوحى الله ، أن تزودوا ما يبلغكم ويرجعكم ، كما رواه البخارى وأبو داود والنسائى عن ابن عباس رضى الله عنهما حتى فسروا الزاد بطعام المسافر وشرابه ، طبق ما يفعل اليمانيون ويقولون نحن حجاج بيت ربنا ووفد إليه ، أفلا يطعمنا ، وربما أفضى بهم ذلك إلى النهب والغضب ، وما ذكرته أولا هو الراجح لأنه ظاهر الآية ، وعلى الأخير يكون المعنى اصنعوا الزاد لسفر الحج لأن خير الأزواد تقوى ، ومن لا يصنعه يخرج عن التقوى بالطمع والسؤال { واتقون يأولى الألبب } فقد وضعت فيكم من العقل ما يميل بكم عن المخالفة .

صفحہ 231