تفسير صدر المتألهين
تفسير صدر المتألهين
اصناف
[الدخان:38]. وقوله:
ربنآ ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار
[آل عمران:191].
ولهذا لما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السماء، قرأ هذه الآية ثم قال:
" ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته.. "
معناه أن يقرأها ويترك التأمل في أحوال ملكوت السماء، ويقتصر من فهم ملكوت السموات على أن يعرف لون الفلك وضوء الكواكب، وذلك مما يشترك في معرفته الدواب أيضا.
فلله في ملكوت السموات والأرض والآفاق والأنفس عجائب عظيمة يطلب معرفتها المحبون لله، المشتاقون إلى لقائه. فإن من أحب عالما فلا يزال مشغوفا بطلب تصانيفه ودقائق معانيه.
فكذلك الأمر في عجائب صنع الله وملكوت بدائعه، فإن العالم كله من تصنيفه، بل تصنيف المصنفين من تصنيفه الذي صنفه بواسطة قلوب عباده، فلا يتعجب من المصنف بل من الذي سخره لتأليفه بما أنعم عليه من هدايته وتعليمه، وإرشاده وتسديده. فالمقصود؛ أن غذاء النبات الذي يتوقف عليه غذاء الإنسان، لا يتم بالعناصر الأربعة والشمس والقمر والكواكب، ولا تتم تلك إلا بالأفلاك التي مركوزة فيها، ولا تتم الأفلاك إلا بحركاتها. ولا تتم حركاتها إلا بملائكة سماوية يحركونها، وكذلك يتمادى إلى أسباب بعيدة تركنا ذكرها تنبيها بما ذكر على ما اهمل.
روى الشيخ الجليل محمد بن علي بن بابويه القمي رحمه الله في عيون أخبار الرضا مسندا عن الإمام محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر بن محمد، عن جده (عليهم السلام). قال: دعا سلمان أبا ذر رحمة الله عليهما إلى منزله، فقدم إليه رغيفين، فأخذ أبو ذر الرغيفين يقلبهما، فقال سلمان: يا أبا ذر، لأي شيء تقلبهما؟ قال: خفت ألا يكونا نضيجين. فغضب سلمان من ذلك غضبا شديدا، ثم قال: ما أجرأك حيث تقلب هذين الرغيفين، فوالله لقد عمل في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش، وعملت فيه الملائكة حتى ألقوه الى الريح، وعملت فيه الريح حتى ألقته الى السحاب، وعمل فيه السحاب حتى أمطره الى الأرض، وعمل فيه الرعد والملائكة حتى وضعوه مواضعه، وعملت فيه الأرض والخشب والحديد والبهائم والنار والحطب والملح وما لا أحصيه أكثر، فكيف لك أن تقوم بهذا الشكر؟ فقال أبو ذر: إلى الله أتوب، وأستغفر الله مما أحدثت، وإليك اعتذر مما كرهت.
فهذا من نعم الله في خلق الأسباب لأجل غذاء النبات، ولا يخفى أن ما ذكرناه بعض من أسباب غذائه الجلية منها، إذ قد طوينا ذكر تفاصيل القوى النباتية الباطنة عن الأبصار، كالغاذية مع فروعها - من الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة - وكالنامية مع خدمها، والمولدة مع جنودها ولواحقها. ولكل منها مواضع وأسباب وملائكة تسخره وتحركه لأجل فعله المخصوص، لو أردنا ذكرها لأدى الى التطويل قبل حصول الاستقصاء فيها، فلنصرف عن ذكرها، ولنذكر شيئا من نعمه تعالى في خلق الأسباب الموصلة للأطعمة إلى جوف الإنسان.
نامعلوم صفحہ