تفسير صدر المتألهين
تفسير صدر المتألهين
اصناف
فقالوا سلاما قال سلام
[هود:69] للدلالة على أن إبراهيم (عليه السلام) حياهم تحية أحسن من تحيتهم، لكون الإسمية دالة على معنى الثبات دون الفعلية.
وقرأ الحسن: الحمد لله باتباع الدال اللام، وابن عيلة بالعكس، والباعث لهما تنزيل الكلمتين المستعملتين معا منزلة كلمة واحدة.
فصل
[حقيقة العمد]
ما مر من تخصيص الحمد باللسان، وكون الثناء باللسان عمدة أفراد الشكر، إنما هو في نظر الحس - كما أومأنا إليه - وبحسب ما هو المتعارف عند المحجوبين، وأما في عرف المكاشفين، فالحمد نوع من الكلام، وقد مر ان الكلام غير مختص الوقوع باللسان، ولهذا حمد الله واثنى على ذاته بما هو أهله ومستحقه، كما قال النبي (عليه وآله السلام): لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
وكذا يحمده ويسبحه كل شيء، كما في قوله تعالى:
وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم
[الإسراء:44]. فحقيقة الحمد عند العارفين المحققين، اظهار الصفات الكمالية، وذلك قد يكون بالقول كما هو المشهو رعند الجمهور، وقد يكون بالفعل، وهو كحمد الله ذاته، وحمد جميع الأشياء له، وهذا القسم أقوى، لأن دلالة اللفظ من حيث هو لفظ دلالة وضعية قد يتخلف عنها مدلولها، ودلالة الفعل - كدلالة آثار الشجاعة على الشجاعة، وآثار السخاوة على السخاوة - عقلية قطعية لا يتصور فيها تخلف، فحمد الله ذاته، وهو أجل مراتب الحمد، هو ايجاده كل موجود من الموجودات، فالله جل ثناؤه حيث بسط بساط الوجود على ممكنات لا تعد ولا تحصى، ووضع عليه موائد كرمه التي لا تتناهى، فقد كشف عن صفات كماله ونعوت جلاله، وأظهرها بدلالات عقلية تفصيلية غير متناهية.
فإن كل ذرة من ذرات الوجود تدل عليها، ولا يتصور في العبارة مثل هذه الدلالات، كما وقع التنبيه عليه في الحديث المنقول سابقا.
نامعلوم صفحہ