233

تفسير صدر المتألهين

تفسير صدر المتألهين

اصناف

اعلم أن سبب خلود أهل النار في النار وحرمانهم من النجاة، هو الملكة الراسخة للنفس بواسطة الأفاعيل الموجبة لحصول ما هو فيها، بمنزلة الطبع والرين في المرآة المقتضي لعدم قبولها للتصقيل والتصفية، سواء كان منشأها الكفر والجحود، أو المعاصي والسيئات.

فإن النفس الإنسانية في الفطرة الأولى، قابلة لقبول آثار الملائكة، وآثار الشيطانية، وآثار البهائم والسباع قبولا متساويا، وإنما يقع المنع لها عن قبول بعض تلك الآثار بواسطة حصول بعض آخر لها، ومتى اشتد حصول البعض فيها بحيث صار ملكة راسخة فيها، منع بالكلية عن قبول آثار الغير، فمتى رسخت للقلب صفات البهيمية أو السبعية أو الشيطانية، بحيث أنها صارت ملكة كالطبع والرين لمرآة القلب، فكدرتها وظلمتها، صارت مانعة له عن قبول صورة الرحمة الرحموتية والهيئة الملكوتية منعا كليا أبديا، لكون المانع هناك صفة ذاتية جوهرية، كما حقق في مجال أوسع من هذا المجال.

وقد مرت الإشارة الى أن الإنسان في أول أمره، بين أن يكون بهيمة أو سبعا أو شيطانا أو ملكا، وفي الآخرة لا يكون إلا أحد هذه الأمور لأجل غلبة بعض الصفات المختصة به على قلبه من جهة تكرر أفاعيل تناسبها، والى نحو هذا المعنى أشير في قوله:

وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون

[التوبة:87] وقوله:

كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون

[المطففين:14].

فإذا تقرر هذا، قرب كبيرة من المعاصي يوجب تكرر فعلها عن النفس خلودها في النار لضعف الإيمان وقوة العائق عن الخلاص، ورب كبيرة لا تكون كذلك لقوة الإيمان وضعف العائق فيحتمل العفو عنها، والله أعلم بأحوال قلوب العباد. فعلى هذا لا تناقض بين الآيات الدالة على ثبوت الوعيد من الله على صاحب الكبيرة، والآيات الدالة على ثبوت العفو عمن يشاء، وسنزيد لهذا وضوحا في موضع آخر إنشاء الله تعالى.

[2.6]

" إن " من الحروف، والحروف بما هي حروف، لا أصل لها في العلم، إلا ان " إن " وأخواتها لما شابهت الفعل - في عدد بسائطها، وبنائها على الفتح، ولزوم الأسماء، وإعطاء معانيه وخصوصا المتعدي في دخولها على اسمين - عملت عمله الفرعي، وهو نصب الجزء الأول ورفع الثاني ايذانا بأنه فرع في العمل دخيل فيه. ومعناها؛ تأكيد النسبة وتحقيقها، ولذلك يتلقى بها القسم، وتصدر بها الأجوبة، وتذكر في معرض الشك.

نامعلوم صفحہ