187

تفسير صدر المتألهين

تفسير صدر المتألهين

اصناف

فصاحب المقام الأول، مؤمن بمجرد اللسان في عالم الأجسام ونشأة الحواس، وفائدة ايمانه ترجع اليه في هذه النشأة، إذ يحقن دمه من السيف والسنان، ويعصم ماله وذراريه من النهب والسبي.

وصاحب المقام الثاني، مؤمن بمعنى أنه معتقد بقلبه مفهوم هذا اللفظ، وقلبه خال عن التكذيب، وهو عقد على القلب وليس فيه انشراح القلب لنور المعرفة، ولا انفتاح روزنته لعالم الملكوت الغيبي المقابل لهذا العالم، عالم الملك والشهادة.

وفائدته انه يصير منشأ بعض الأعمال الصالحة، ومبدأ بعض الخيرات وأداء الأمانات وفعل الحسنات، التي ينجر تارة أخرى الى اصلاح القلب وتصفيته وليستعد لحصول المعرفة على وجه أكمل؛ حتى ينتهي الى الإيمان الحقيقي.

فعلى هذا صح القول بأن الإيمان هو المبدأ والغاية، فإن الإيمان والعمل الصالح كل منهما يدور على صاحبه، فكل إيمان موجب لصالح من العمل، وكل صالح من العمل ينجر الى حصول ضرب من الإيمان، فيدور كل منهما على نفسه دورا غير مستحيل، لتغايره بالعدد.

لكن الإيمان أول الأوائل في الحدوث، وهو أيضا آخر الأواخر في البقاء.

ثم لهذا العقد الإيماني الذي كلامنا فيه، شبه وحيل يقصد بها تحليله وتوهينه تسمى " بدعة " ، وله أيضا حيل يقصد بها دفع حيلة التحليل والتوهين، ويقصد بها إحكام هذه العقدة وشدها على قلوب المسلمين، ويسمى كلاما والعالم بها متكلما.

وهو في مقابلة المتبدع، ومقصده دفع المبتدع عن تحليل هذه العقدة عن قلوب العوام.

وصاحب المقام الثالث مؤمن، بمعنى أنه بصير بحقائق الأمور الإيمانية بصيرة قلبية ومشاهدة عقلية. إذ قد انكشفت له أسرار الملكوت وخفايا عالم الغيب والجبروت. لا انه مكلف بعقد قلبه على مفهوم هذه الألفاظ، فإن ذلك رتبة العوام والمتكلمين، إذ لا يفارق المتكلم العامي في أصل الاعتقاد، بل في صنعة تلفيق الكلام الذي يدفع به حيل المبتدعة في تحليل هذه العقدة.

وصاحب المقام الرابع مؤمن، بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد القهار مبدأ الأشياء وغايتها، وأولها وآخرها، وظاهرها وباطنها، الذي إليه ترجع عواقب الأمور، وبه ينقطع سير السائرين وسفر المسافرين، وهذه المرتبة في الإيمان هي الغاية القصوى التي لا حد لها ولا منتهى.

والتمثيل لمراتب الإيمان والتوحيد بقشري الجوز ولبيه على هذا الوجه، ذكره صاحب كتاب إحياء العلوم بأدنى تغيير ثم قال:

نامعلوم صفحہ