تفسير صدر المتألهين
تفسير صدر المتألهين
اصناف
فالحق الحري بالتحقيق والتصديق أن أول الصوادر هو هوية الصادر الأول المتشخصة بذاته، المتميزة بنفسه عن ما عداها، دون ماهيته، فهذه الهوية الوجودية هي المجعولة بالذات، والماهية تابعة لها اتباع الظل للشخص.
وهنا استبصارات كثيرة ذكرناها في كتبنا وجمعناها في رسالة مفردة:
منها: كون الوجود هو الخير بالذات، والعدم هو الشر، والصادر عن الخير الأول هو الخيرات، وهي وجودات الأشياء دون ماهياتها الكلية، إذ لا خيرية ولا كمال في مفهوم العلم والقدرة والصحة والجمال واللذائذ والشهوات الدنيوية والأخروية، بل في حقائقها الوجودية، وليس كل من تصور ماهية السعادة سعيدا، ولا كل من تصور ماهية البهجة مبتهجا، بل من نال وجود السعادة ووجود البهجة.
ومنها: أن الجاعلية والمجعولية لو كانتا بين المهيات، لكانت جميع الموجودات - ما سوى المعلول الأول - من لوازم الماهيات، وهي أمور اعتبارية كما حقق في مقامه؛ والتالي باطل بديهة واتفاقا، فإن أحدا لم يقل بأن السماء والأرض وما بينهما أمور اعتبارية، ونسبة هذا الأمر الشنيع الى العرفاء، افتراء محض تتحاشى عنه أسرارهم.
ومنها: أنه قد تقرر في علم الميزان، ان مطلب " ما " الشارحة، غير مطلب " ما " الحقيقية، وليست المغايرة بينهما في مفهوم الجواب، لأنه الحد التام عند المحققين، بل باعتبار الوجود في أحدهما وعدمه في الآخر، فلو لم يكن للوجود صورة في الخارج، لم يكن بين المطلبين والجوابين فرق يعتد به كما لا يخفى.
أوهام وتنبيهات
ثم إن للقائلين باعتبارية الوجود ومجعولية الماهيات شبها قوية فككنا عقدتها بحمد الله، وطردنا ظلمات هذه الأوهام بنور الهداية والإلهام، فلنشر الى أجوبة بعض منها، وهي هذه.
الأول: إن الوجود لو كان موجودا لكان له وجود، ولوجوده وجود. وهكذا الى غير نهاية.
والجواب: إن الماهية لما لم تكن في نفسها موجودة، فموجوديتها لا بد وأن تكون بأمر زائد عليها، وأما الوجود، فهو بنفسه موجود لا بأمر زائد عليه إلا بحسب الاعتبار العقلي، رعاية لمفهوم الاشتقاق، والتسلسل في الاعتباريات منقطع بانقطاع الاعتبار منها، ولهذا المعنى نظائر كثيرة، كالإضافة، فإنها بنفسها مضافة وغيرها بها مضاف، وكالنور، فإنه منير بذاته، وكاجزاء الزمان فإنها بذواتها متقدمة ومتأخرة.
والثاني: إن الوجود لو كان موجودا بذاته، لكان واجب الوجود بذاته، إذ لا معنى للواجب بالذات إلا ما يكون وجوده ضروريا لذاته، وأي ضرورة أشد من كون الشيء عين نفسه؟
نامعلوم صفحہ