تفسير صدر المتألهين
تفسير صدر المتألهين
اصناف
كأنه يقول: حضرتك أجل من أن أمدحك بشيء غيرك، فلا اثني عليك إلا بهويتك من حيث هي، ولا اخاطبك بلفظ أنت، لأنه يفيد الفخر والكبر، حيث تقول الروح: إني قد بلغت مبلغا صرت كالحاضر في حضرة واجب الوجود، ولكني لا ازيد على قولي: هو، ليكون إقرارا بأنه هو الممدوح لذاته في ذاته، وإقرارا بأن حضرته أعلى وأجل من أن يناسبه حضور المخلوقات، ولو فرض عند حضرته حضور عبد أو ملك مقرب أو نبي مرسل، فحيث يمتنع له الإحاطة والإكتناه به تعالى إذ بقدر قوة وجوده يشاهد ذاته تعالى، وذاته في شدة النورية فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى، فما غاب عنه من ذاته أكثر بما لا يتناهى مما هو مشهود له، فهو سبحانه غائب بحقيقته التامة البسيطة عن الكل، مع فرض شهودها إياه، فلهذا يكون هذا الذكر أشرف الأذكار، لاحتوائه على هذه الأسرار لكن بشرط التنبه لها.
نكتة اخرى
يا من هو الا هو
إن المواظبة على هذا الذكر، يفيد العبد شوقا إلى الله تعالى، والشوق إليه تعالى أجل الأحوال لذة وأعظمها سببا للبهجة والسعادة، فإن الشوق إكسير الانجذاب والوصول، فالأشد شوقا أشد انجذابا، وذلك لأن كلمة " هو " ضمير الغائبين، فالعقل اذا ذكر هذه الكلمة، علم أنه غائب عن الحق سبحانه، ثم يعلم أن هذه الغيبة ليست من قبل الله تعالى بسبب المكان والزمان، وإنما كانت بسبب انه موصوف بصفات النقصان ومثالب الحدثان، فإذا تنبه لهذه الدقيقة، علم أن هذه الصفة حاصلة في جميع الممكنات والمحدثات على حسب تضاعف امكاناتها، وترادف نقائصها وأعدامها الحاصلة لها بحسب مراتب بعدها عن عالم الوحدة الخالصة، ونزولها عن ساحة الحق المحض، وعلم أن ما هو أقرب إلى الحضرة الواجبة كان النقائص والأعدام فيه أقل، فأخذ في طلب القرب إليه تعالى.
وكلما وصل العبد إلى مقام أعلى، كان شوقه إلى الترقى عن تلك الدرجة أقوى وأكمل، كما تحكم به كل فطرة سليمة، وإذ لا نهاية لتلك المراتب والدرجات - كما سبق - فكذا لا نهاية لمراتب هذا الشوق، فثبت أن المواظبة على ذكر كلمة " هو " تورث شوقا إلى الله، وأن الشوق إليه تعالى أجل الأحوال والمقامات بهجة وسعادة، لأنه ملزوم الوصول إليه تعالى.
ومما يدل على أن الشوق يستلزم الوصول، أن الشوق عبارة عن الحركة إلى تتميم الكمال، وما من موجود إلا وله ضرب من الخيرية والكمال، إذ له حظ من الوجود، والوجود قد ثبت أنه خير ومؤثر، ففي كل موجود عشق إلى ذاته، وما من موجود في عالم الإمكان إلا ولوجوده غاية كمالية، وشوق إلى تحصيل تلك الغاية، كما بين في مباحث الغايات في العلم الإلهي.
وقد ثبت أيضا هناك أن الله لا يودع في غريزة موجود من الموجودات وجبلته شيئا فيكون عبثا معطلا، فكل موجود وجد له شوق إلى كمال بالقياس إليه، فلا بد من أن يكون ممكن الحصول له، وكل ممكن الحصول لشيء بالإمكان العام، يجب حصوله له ووصوله إليه عند عدم الموانع ورفع العوائق والقواسر.
وثبت أيضا في مقامه، ان وجود الموانع والقواسر للأشياء الجبلية غير دائم ولا أكثري في هذا العالم الذي يوجد فيه بعض الشرور، وأما في العالم الأعلى وما فوق الكون، فالأشياء كلها على مقتضى دواعيها وأشواقها الأصلية، فكل مشتاق إلى شيء شوقا غريزيا سواء كان في فطرته الأولى أو في فطرته الثانية التي قد صار متجوهرا بها متصورا بصورتها الجوهرية، كالنبات إذا صار حيوانا، أو الحيوان إذا صار إنسانا، فهو واصل أو سيصل إليه وقتاما.
فثبت أن من أحب الله واشتاق إليه، فهو مما يصل إلى حضرته يوما، كما دل عليه قوله (عليه السلام): من أحب لقاء الله أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.
نكتة أخرى
نامعلوم صفحہ