بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنزه بذاته عن إشارة الأوهام المقدس بصفاته عن إدراك العقول والأفهام المتصف بالألوهية قبل كل موجود الباقي بالنعوت السرمدية بعد كل محدود الملك الذي طمست سبحات جلاله الأبصار المتكبر الذي أزاحت سطوات كبريائه الأفكار القديم الذي تعالى عن مماثلة الحدثان العظيم الذى تنزه عن مماسة المكان المتعالى عن مضاهاة الأجسام ومشابهة الأنام القادر الذي لا يشار إليه بالتكييف القاهر الذي لا يسأل عن التحميل والتكليف العليم الذي خلق الانسان وعلمه البيان الحكيم الذى نزل القرآن شفاء للأرواح والأبدان
والصلاة والسلام عى المستل من أرومة البلاغة والبراعة المحتل في بحبوحة النصاحة والفصاحة محمد المبعوث إلى خليقته الداعى إلى الحق وطريقته ﷺ وعلى آله وشيعته
1 / 23
قال مولانا الشيخ الامام المعظم والحبر الهمام المقدم استاذ أهل الأرض محى السنة والفرض كشاف حقائق أسرار التنزيل مفتاح أسرار حقائق التأويل ترجمان كلام الرحمن صاحب علم المعانى والبيان الجامع بين الأصول والفروع المرجوع إليه في المعقول والمسموع حافظ الملة والدين شيخ الإسلام والمسلمين وارث علوم الأنبياء والمرسلين أكمل فحول المجتهدين قدوة قروم المحققين ذو السعادات والكرامات أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفى نفع الله الإسلام بطول بقائه والمسلمين بيمن لقائه قد سألني من تتعين إجابته كتابا وسطا في التأويلات جامعا لوجوه الاعراب والقراءات متضمنا لدقائق علمى البديع والاشارات حاليا بأقاويل أهل السنة والجماعة خاليا عن أباطيل أهل البدع والضلالة ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل وكنت أقدم فيه رجلا وأؤخر أخرى استقصارا لقوة البشر عن درك هذا الوطر وأخذا لسبيل الحذر عن ركوب متن الخطر حتى شرعت فيه بتوفيق الله والعوائق كثيرة وأتممته في مدة يسيرة وسميته بمدارك التنزيل وحقائق التأويل وهو الميسر لكل عسير وهو على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير
1 / 24
بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة الكتاب
مقدمة
مكية وقيل مدنية والأصح أنها مكية ومدنية نزلت بمكة حين فرضت الصلاة ثم نزلت بالمدينة حين حولت القبلة إلى الكعبة وتسمى أم القرآن للحديث قال ﵇ لا صلاة لمن لم يقرا بام القرآن ولاشتمالها على المعاني التى في القرآن وسورة الوافية والكافية لذلك وسورة الكنز لقوله ﵇ حاكيا عن الله تعالى فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشى وسورة الشفاء والشافية لقولة ﵇ فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام وسورة المثانى لأنها تثنى في كل صلاة وسورة الصلاة لما يروى ولانها تكون واجبة أو فريضة وسورة الحمد والاساس فانها أساس القرآن قال ابن عباس ﵄ إذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس وآيها سبع بالاتفاق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور وإنما كتبت للفصل والتبرك للابتداء بها وهو مذهب أبي حنيفة ومن تابعه رحمهم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور وإنما كتبت للفصل والتبرك للابتداء بها وهو مذهب أبي حنيفة ومن تابعه رحمهم
1 / 25
الله ولذا لا يجهر بها عندهم في الصلاة وقراء مكة والكوفة على أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة وعليه الشافعي وأصحابه ﵏ ولذا يجهرون بها في الصلاة وقالوا قد أثبتها السلف في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن عما ليس منه وعن ابن عباس رضى الله عنهما من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب الله ولنا حديث أبي هريرة قال سمعت النبي ﵇ يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة أي الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد للَّهِ رَبّ العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى عليّ عبدي وإذا قال مالك يَوْمِ الدين قال مجدني عبدي وإذا قال إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فالابتداء بقوله الحمد للَّهِ دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة وإذا لم تكن
من الفاتحة لا تكون من غيرها إجماعًا والحديث مذكور في صحاح المصابيح وماذكروا لا يضرنا لأن التسمية آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور عندنا ذكره فخر الإسلام في المبسوط وإنما يرد علينا أن لو لم نجعلها آية من القرآن وتمام تقريره في الكافي وتعلقت الباء بمحذوف تقديره بسم الله أقرأ أو أتلو لأن الذي يتلو التسمية مقروء كما أن المسافر إذا حل وارتحل فقال بسم الله والبركات كان المعنى بسم الله أحل وبسم الله أرتحل وكذا الذابح وكل فاعل يبدأ في فعله بسم الله كان مضمرًا ما جعل التسمية مبدأ له وإنما قدر المحذوف
1 / 26
متأخرًا لأن الأهم من الفعل والمتعلق به هو المتعلق به وكانوا يبدءون بأسماء آلهتم فيقولون باسم اللات وباسم العزى فوجب أن يقصد الموحد معنى اختصاص اسم الله ﷿ بالابتداء وذا بتقديمه وتأخير الفعل وإنما قدم الفعل في اقرأ باسم ربك لأنها أول سورة نزلت في قول وكان الأمر بالقراءة أهم فكان تقديم الفعل أوقع ويجوز أن يحمل اقرأ على معنى افعل القراءة وحققها كقولهم فلان يعطي ويمنع غير متعدٍ إلى مقروء به وأن يكون باسم رَبّكَ مفعول اقرأ الذي بعده واسم الله يتعلق بالقراءة تعلق الدهن بالإنبات في قوله تنبت بالدهن على معنى متبركًا باسم الله أقرأ ففيه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه وكيف يعظمونه وبنيت الباء على الكسر لأنها تلازم الحرفية والجر فكسرت لتشابه حركتها عملها والاسم من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون كالابن والابنة وغيرهما فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة تفاديًا عن الابتداء بالساكن تعذرًا وإذا وقعت في الدرج لم يفتقر إلى زيادة شيء ومنهم من لم يزدها واستغنى عنها بتحريك الساكن فقال سم وسم وهو من الأسماء المحذوفة الأعجاز كيد ودم وأصله سمو بدليل تصريفه كأسماء وسمي وسميت واشتقاقه من السمو وهو الرفعة لأن التسمية تنويه بالمسمّى وإشادة بذكره وحذفت الألف في الخط هنا وأثبتت في قوله اقرأ باسم رَبّكَ لأنه اجتمع فيها أي في التسمية مع أنها تسقط في اللفظ كثرة الاستعمال وطولت الباء عوضا من حذفها وقال عمر بن عبد العزيز لكاتبه طول الباء وأظهر السينات ودور الميم والله أصله الإله ونظيره الناس أصله الأناس حذفت الهمزة وعوض منها حرف التعريف والإله من أسماء الأجناس يقع على كل معبود
1 / 27
بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بالحق كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا وأما الله بحذف الهمزة فمختص بالمعبود
بالحق لم يطلق على غيره وهو اسم غير صفة لأنك تصفه ولا تصف به لا تقول شيء إله كما لا تقول شيء رجل وتقول الله واحد صمد ولأن صفاته تعالى لا بدلها من موصوف تجري عليه فلو جعلتها كلها صفات لبقيت صفات غير جارية على اسم موصوف بها وذا لا يجوز ولا اشتقاق لهذا الاسم عند الخليل والزجاج ومحمد بن الحسن والحسين بن الفضل وقيل معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعدًا معنى واحد وصيغة هذا الاسم وصيغة قولهم أله إذا تحير ينتظمهما معنى التحير والدهشة وذلك أن الأوهام تتحير في معرفة المعبود وتدهش الفطن ولذا كثر الضلال وفشا الباطل وقل النظر الصحيح وقيل هو من قولهم أله يأله إلها إذا عبد فهو مصدر بمعنى مألوه أي معبود كقوله
الفاتحة (١)
هذا خلق الله أي مخلوقه وتفخم لامه إذا كان قبلها فتحة أو ضمة وترقق إذا كان قبلها كسرة ومنهم من يرققها بكل حال ومنهم من يفخم بكل حال والجمهور على الأول والرحمن فعلان من رحم وهو الذي وسعت رحمته كل شيء كغضبان من غضب وهو الممتلئ غضبًا وكذا الرحيم فعيل منه كمريض من مرض وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم لأن في الرحيم زيادة واحدة وفي الرحمن زيادتين وزيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى ولذا جاء في الدعاء يارحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وقالوا الرحمن خاص تسمية لأنه لا يوصف به غيره وعام معنى لما بينا والرحيم بعسكه لأنه يوصف به غيره ويخص المؤمنين ولذا قدم الرحمن وإن كان أبلغ والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى يقال فلان عالم ذو فنون بحرير لأنه كالعلم لما لم يوصف به غير الله ورحمة الله إنعامه على عباده وأصلها العطف وأما قول الشاعر في مسيلمة ...
1 / 28
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا ...
فباب من تعنتهم في كفرهم ورحمن غير منصرف عند من زعم أن الشرط انتفاء فعلانة إذ ليس له فعلانة ومن زعم أن الشرط وجود فعلي صرفه إذ ليس له فعلى والاول الوجه
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) ﴿الحمد﴾ الوصف الجميل على جهة التفضيل وهو رفع بالابتداء وأصله النصب وقد قرئ باظمار فعله على أنه من المصادر المنصوبة بأفعال مظمرة في معنى الإخبار كقولهم شكرًا وكفرًا والعدول عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره والخبر ﴿لله﴾ اللام متعلق بمحذوف أي واجب أو ثابت وقيل الحمد والمدح أخوان وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها تقول حمدت الرجل على إنعامه وحمدته على شجاعته وحسبه وأما الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال ... أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا ... أي القلب والحمد باللسان وحده وهو إحدى شعب الشكر ومنه الحديث الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده وجعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان أشيع لها من اللاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب وما في عمل الجوارح من الاحتمال ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفران وقيل المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال ككونه باقيًا قادرًا عالمًا أبديًا أزليًا والشكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الإفضال والحمد يشملها والألف واللام فيه للإستغراق عندنا خلافًا للمعتزلة ولذا قرن باسم
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) ﴿الحمد﴾ الوصف الجميل على جهة التفضيل وهو رفع بالابتداء وأصله النصب وقد قرئ باظمار فعله على أنه من المصادر المنصوبة بأفعال مظمرة في معنى الإخبار كقولهم شكرًا وكفرًا والعدول عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره والخبر ﴿لله﴾ اللام متعلق بمحذوف أي واجب أو ثابت وقيل الحمد والمدح أخوان وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها تقول حمدت الرجل على إنعامه وحمدته على شجاعته وحسبه وأما الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال ... أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا ... أي القلب والحمد باللسان وحده وهو إحدى شعب الشكر ومنه الحديث الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده وجعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان أشيع لها من اللاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب وما في عمل الجوارح من الاحتمال ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفران وقيل المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال ككونه باقيًا قادرًا عالمًا أبديًا أزليًا والشكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الإفضال والحمد يشملها والألف واللام فيه للإستغراق عندنا خلافًا للمعتزلة ولذا قرن باسم
1 / 29
الله لأنه اسم ذات فيستجمع صفات الكمال وهو بناء على مسألة خلق الأفعال وقد حققته في مواضع ﴿رَبّ العالمين﴾ الرب المالك ومنه قول صفوان لأبي سفيان لأن يربني رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن تقول ربه يربه ربًا فهو رب ويجوز أن يكون وصفًا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل ولم يطلقوا الرب إلاّ في الله وحده وهو فى العبد مع التقيد إنه ربى أحسن مثواى قال ارجع إلى ربك وقال الواسطى هو الخالق ابتداء
الفاتحة (٢ - ٤)
والمربي غذاء والغافر انتهاء وهو اسم الله الأعظم والعالم هو ما علم به الخالق من الأجسام والجواهر والأعراض أوكل موجود سوى الله تعالى سمي به لأنه علم على وجوده وإنما جمع بالواو والنون مع أنه يختص بصفات العقلاء أو مافى حكمها من الأعلام لما فيه من معنى الوصفية وهي الدلالة على معنى العلم
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) ﴿الرحمن الرحيم﴾ ذكرهما قد مر وهو دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة إذ لو كانت منها لما أعادهما لخلو الإعادة عن الافادة
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) ﴿مالك﴾ عاصم وعليّ ملك غيرهما وهو الاختيار عند البعض لاستغنائه عن الإضافة ولقوله لّمَنِ الملك اليوم ولأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكًا ولأن أمر الملك ينفذ على المالك دون عكسه وقيل المالك أكثر ثوابًا لأنه أكثر حروفا وقرأ أبو حنيفة والحسن رضى الله عنهما ملك ﴿يَوْمِ الدين﴾ أي يوم الجزاء ويقال كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى وهذا إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم ... يا سارق الليلة أهل الدار ... أي مالك الأمر كله في يوم الدين والتخصيص بيوم الدين لأن الأمر فيه لله وحده وإنما ساغ وقوعه صفة للمعرفة مع أن إضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية لأنه أريد به الاستمرار فكانت الاضافة حقيقة فساغ أن يكون صفة للمعرفة
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) ﴿الرحمن الرحيم﴾ ذكرهما قد مر وهو دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة إذ لو كانت منها لما أعادهما لخلو الإعادة عن الافادة
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) ﴿مالك﴾ عاصم وعليّ ملك غيرهما وهو الاختيار عند البعض لاستغنائه عن الإضافة ولقوله لّمَنِ الملك اليوم ولأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكًا ولأن أمر الملك ينفذ على المالك دون عكسه وقيل المالك أكثر ثوابًا لأنه أكثر حروفا وقرأ أبو حنيفة والحسن رضى الله عنهما ملك ﴿يَوْمِ الدين﴾ أي يوم الجزاء ويقال كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى وهذا إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم ... يا سارق الليلة أهل الدار ... أي مالك الأمر كله في يوم الدين والتخصيص بيوم الدين لأن الأمر فيه لله وحده وإنما ساغ وقوعه صفة للمعرفة مع أن إضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية لأنه أريد به الاستمرار فكانت الاضافة حقيقة فساغ أن يكون صفة للمعرفة
1 / 30
وهذه الأوصاف التي أجريت على الله ﷾ من كونه ربًا أي مالكًا للعالمين ومنعمًا بالنعم كلها ومالكًا للأمر كله يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به في قوله الحمد للَّهِ دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إيا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر والكاف حرف خطاب عند سيبويه ولا محل له من الإعراب وعند الخليل هو اسم مضمر أضيف إيا إليه لأنه يشبه المظهر لتقدمه على الفعل والفاعل وقال الكوفيون إياك بكمالها اسم وتقديم المفعول لقصد الاختصاص والمعنى نخصك بالعبادة وهي أقصى غاية الخضوع والتذلل ونخصك بطلب المعونة وعدل عن الغيبة إلى الخطاب للالتفات وهو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى ﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طيبة﴾ وقوله ﴿والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سحابا فسقناه﴾ وقول امرئ القيس تطاول ليلك بالإثمد ونام الخلي ولم ترقد ... وبات وباتت له ليلة كليلة ذي العائر الأرمد ... وذلك من نبإٍ جاءني وخبرته عن أبي الأسود فالتفت في الأبيات الثلاثة حيث لم يقل ليلي وبت وجاءك والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل فى القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ لاستلذاذا إصغائه وقد تختص مواقعه بفوائد ولطائف قلما تتضح إلا الفاتحة (٥ - ٧) للحذاق المهرة والعلماء النحارير وقليل ما هم ومما اختص به هذا الموضع أنه لما ذكر الحقيق بالحمد والثناء
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إيا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر والكاف حرف خطاب عند سيبويه ولا محل له من الإعراب وعند الخليل هو اسم مضمر أضيف إيا إليه لأنه يشبه المظهر لتقدمه على الفعل والفاعل وقال الكوفيون إياك بكمالها اسم وتقديم المفعول لقصد الاختصاص والمعنى نخصك بالعبادة وهي أقصى غاية الخضوع والتذلل ونخصك بطلب المعونة وعدل عن الغيبة إلى الخطاب للالتفات وهو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى ﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طيبة﴾ وقوله ﴿والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سحابا فسقناه﴾ وقول امرئ القيس تطاول ليلك بالإثمد ونام الخلي ولم ترقد ... وبات وباتت له ليلة كليلة ذي العائر الأرمد ... وذلك من نبإٍ جاءني وخبرته عن أبي الأسود فالتفت في الأبيات الثلاثة حيث لم يقل ليلي وبت وجاءك والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل فى القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ لاستلذاذا إصغائه وقد تختص مواقعه بفوائد ولطائف قلما تتضح إلا الفاتحة (٥ - ٧) للحذاق المهرة والعلماء النحارير وقليل ما هم ومما اختص به هذا الموضع أنه لما ذكر الحقيق بالحمد والثناء
1 / 31
وأجرى عليه تلك الصفات العظام تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة في المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل إياك يا من هذه صفاته نعبد ونستعين لا غيرك وقدمت العبادة على الاستعانة لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة أو النظم الآي كما قدم الرحمن وإن كان الأبلغ لا يقدم وأطلقت الاستعانة لتنناول كل مستعان فيه ويجوز أن يراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادات ويكون قوله اهدنا بيانًا للمطلوب من المعونة كأنه قيل كيف أعينكم فقالوا
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ أي ثبتنا على المنهاج الواضح كقولك للقائم قم حتى أعود إليك أي أثبت على ما أنت عليه أو اهدنا في الاستقبال كما هديتنا في الحال وهدى يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديًا إليه بنفسه كهذه الآية وقد جاء متعديًا باللام وبالى كقوله تعالى هدانا لهذا وقوله هدانى ربى إلى صراط مستقيم والسراط الجادة من سرط الشئ إذا ابتلعه كأنه يسرط السابلة إذا سلكوه والصراط من قلب السين صادًا لتجانس الطاء في الإطباق لأن الصاد والضاد والطاء والظاء من حروف الإطباق وقد تشم الصاد صوت الزاي لأن الزاي إلى الطاء أقرب لأنهما مجهورتان وهي قراءة حمزة والسين قراءة ابن كثير في كل القرآن وهي الأصل في الكلمة والباقون بالصاد الخالصة وهي لغة قريش وهي الثابتة في المصحف الإمام ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل والمراد به طريق الحق وهو ملة الإسلام
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ أي ثبتنا على المنهاج الواضح كقولك للقائم قم حتى أعود إليك أي أثبت على ما أنت عليه أو اهدنا في الاستقبال كما هديتنا في الحال وهدى يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديًا إليه بنفسه كهذه الآية وقد جاء متعديًا باللام وبالى كقوله تعالى هدانا لهذا وقوله هدانى ربى إلى صراط مستقيم والسراط الجادة من سرط الشئ إذا ابتلعه كأنه يسرط السابلة إذا سلكوه والصراط من قلب السين صادًا لتجانس الطاء في الإطباق لأن الصاد والضاد والطاء والظاء من حروف الإطباق وقد تشم الصاد صوت الزاي لأن الزاي إلى الطاء أقرب لأنهما مجهورتان وهي قراءة حمزة والسين قراءة ابن كثير في كل القرآن وهي الأصل في الكلمة والباقون بالصاد الخالصة وهي لغة قريش وهي الثابتة في المصحف الإمام ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل والمراد به طريق الحق وهو ملة الإسلام
1 / 32
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)
﴿صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ بدل من الصراط وهو في حكم تكرير العامل وفائدته التأكيد والإشعار بأن الصراط المستقيم تفسيره صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده وهم المؤمنون والأنبياء ﵈ أو قوم موسى قبل أن يغيروا ﴿غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين﴾ بدل من الذين أنعمت عليهم يعني أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال أو صفة للذين يعني أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب الله والضلال وإنما ساغ وقوعه صفة للذين وهو معرفة وغير لا يتعرف بالإضافة لأنه إذا وقع بين متضادين وكانا معرفتين تعرف بالإضافة نحو عجبت من الحركة غير السكون والمنعم عليهم والمغضوب عليهم متضادان ولأن الذين قريب من النكرة لأنه لم يرد به قوم بأعيانهم وغير المغضوب عليهم قريب من المعرفة للتخصيص الحاصل له بإضافته فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه فاستويا وعليهم الأولى محلها النصب على المفعولية ومحل الثانية الرفع على الفاعلية وغضب الله إرادة الانتقام من المكذبين وإنزال العقوبة بهم
البقرة (١)
وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على ما تحت يده وقيل المغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى مَن لَّعَنَهُ الله وغضب عليه والضالون هم النصارى لقوله تعالى قَدْ ضَلُّواْ من قبل ولا زائدة عند البصريين للتوكيد وعند الكوفيين هي بمعنى غير ﴿آمين﴾ صوت سمي به الفعل الذي هو استجب كما أن رويد اسم لأمهل وعن ابن عباس رضى الله عنهما سألت رسول الله ﷺ عن معنى آمين فقال افعل وهو مبني وفيه لغتان مد ألفه وقصرها وهو الأصل والمد بإشباع الهمزة قال ...
1 / 33
يا رب لا تسلبّني حبها أبدا ... ويرحم الله عبدًا قال آمينا ...
وقال آمين فزاد الله ما بيننا بعدًا قال ﵇ لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب وقال إنه كالختم على الكتاب وليس منه القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف
1 / 34
البقرة ﴿
سورة البقرة مدنية وهى مائتان وست أو سبع وثمانون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم
الم (١) ﴿الم﴾ ونظائرها أسماء مسمياتها الحروف المبسوطة التي منها ركبت الكلم فالقاف تدل على أول حروف قال والألف تدل على أوسط حروف قال واللام تدل على الحرف الأخير منه وكذلك ما أشبهها والدليل على أنها أسماء أن كلًا منها يدل على معنى في نفسه ويتصرف فيها بالإمالة والتفخيم وبالتعريف والتنكير والجمع والتصغير وهي معربة وإنما سكنت سكون زيد وغيره من الأسماء حيث لا يمسها إعراب لفقد مقتضيه وقيل إنها مبنية كالأصوات نحو غاق في حكاية صوت الغراب ثم الجمهور على أنها أسماء السور وقال ابن عباس رضى الله عنهما أقسم الله بهذه الحروف وقال ابن مسعود رضى الله عنه إنها اسم الله الأعظم وقيل إنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله وما سميت معجمة إلا لإعجامها وإبهامها وقيل ورود هذه الأسماء على نمط التعديد كالإيقاظ لمن تحدى بالقران وكالتحريك للنظر في أن هذا المتلو عليهم وقد عجزوا عنه من آخرهم كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ليؤديهم النظر إلى أن يستيقنوا إن لم تتساقط مقدرتهم دونه ولم يظهر عجزهم عن أن
الم (١) ﴿الم﴾ ونظائرها أسماء مسمياتها الحروف المبسوطة التي منها ركبت الكلم فالقاف تدل على أول حروف قال والألف تدل على أوسط حروف قال واللام تدل على الحرف الأخير منه وكذلك ما أشبهها والدليل على أنها أسماء أن كلًا منها يدل على معنى في نفسه ويتصرف فيها بالإمالة والتفخيم وبالتعريف والتنكير والجمع والتصغير وهي معربة وإنما سكنت سكون زيد وغيره من الأسماء حيث لا يمسها إعراب لفقد مقتضيه وقيل إنها مبنية كالأصوات نحو غاق في حكاية صوت الغراب ثم الجمهور على أنها أسماء السور وقال ابن عباس رضى الله عنهما أقسم الله بهذه الحروف وقال ابن مسعود رضى الله عنه إنها اسم الله الأعظم وقيل إنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله وما سميت معجمة إلا لإعجامها وإبهامها وقيل ورود هذه الأسماء على نمط التعديد كالإيقاظ لمن تحدى بالقران وكالتحريك للنظر في أن هذا المتلو عليهم وقد عجزوا عنه من آخرهم كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ليؤديهم النظر إلى أن يستيقنوا إن لم تتساقط مقدرتهم دونه ولم يظهر عجزهم عن أن
1 / 35
يأتوا بمثله بعد المراجعات المتطاولة وهم أمراء الكلام إلا لأنه ليس من كلام البشر وأنه كلام خالق القوى والقدر وهذا القول من الخلاقة بالقبول بمنزل وقيل إنما وردت السور مصدرة بذلك ليكون أول ما يقرع الأسماع مستقلًا بوجه من الإغراب وتقدمة من دلائل الإعجاز وذلك أن النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام الأميّون منهم وأهل الكتاب بخلاف النطق بأسامى الحروف
فإنه مختص بمن خط وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلم منهم وكان مستعبدا من الأمي التكلم بها استبعاد الخط والتلاوة فكان حكم النطق بذلك مع اشتهار أنه لم يكن ممن اقتبس شيئًا من أهله حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن التي لم تكن قريش ومن يضاهيهم في شيء من الإحاطة بها في أن ذلك حاصل له من جهة الوحي وشاهد لصحة نبوته واعلم أن المذكور في الفواتح نصف أسامي حروف المعجم وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم وهي مشتملة على أنصاف أجناس الحروف فمن المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء ومن المجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون ومن الشديدة نصفها الألف والكاف والطاء والقاف ومن الرخوة نصفها اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون ومن المطبقة نصفها الصاد والطاء ومن المفخمة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياءء والنون ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء ومن
1 / 36
المنخفضة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون ومن حروف القلقلة نصفها القاف والطاء وغير المذكروة من هذه الأجناس مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أن معظم الشئ ينزل منزلة كله فكأن الله تعالى عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما مر من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم وإنما جاءت مفرقة على السور لأن إعادة التنبيه على المتحدى به مؤلفًا منها لا غير أوصل إلى الغرض وكذا كل تكرير ورد في القرآن فالمطلوب منه تمكين المكرر في النفوس وتقريره ولم يجئ على وتيرة واحدة بل اختلفت أعداد حروفها مثل ص وق ون وطه وطس ويس وحم والم والر وطسم والمص والمر وكهيعص وحم عسق فوردت على حرف وحرفين وثلاثة وأربعة وخمسة كعادة افتنانهم في الكلام وكما أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف فسلك في الفواتح هذا المسلك والم آية حيث وقعت وكذا المص آية والمر لم تعد آية وكذا الر لم تعد آية فى سورها الخمس وطسم آية فى سورتها وطه ويسس آيتان وطس ليست بآية فى وحم آية فى سورها كلها وحم عسق آيتان وكهعيص آية وص ون وق ثلاثها لم تعد آية وهذا عند الكوفيين ومن عداهم لم يعد شيئًا منها آية وهذا علم
توقيفي لا مجال للقياس فيه كمعرفة السور ويوقف على جميعها وقف التمام إذا حملت على معنى مستقل غير محتاج إلى ما بعده وذلك إذا لم تجعل أسماء للسور ونعق بها كما ينعق بالأصوات أو جعلت وحدها أخبار ابتداء محذوف كقوله الم الله اى هذه الم ثم ابتدأ فقال الله لا إله إلا هو الحى القيوم ولهذه الفواتح محل من الإعراب فيمن جعلها أسماء للسور لأنها عنده كسائر الأسماء الأعلام وهو الرفع على الابتداء أو النصب أو الجر لصحة القسم بها وكونها بمنزلة الله والله على اللغتين ومن لم يجعلها أسماء للسور
1 / 37
لم يتصور أن يكون لها محل في مذهبه كما لا محل للجملة المبتدأة
البقرة (٢)
وللمفردات المعدودة
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) ﴿ذلك الكتاب﴾ أي ذلك الكتاب الذي وعد به على لسان موسى وعيسى ﵉ أو ذلك إشارة إلى الم وإنما ذكّر اسم الإشارة والمشار إليه مؤنث وهو السورة لأن الكتاب إن كان خبره كان ذلك في معناه ومسماه مسماه فجاز إجراء حكمه عليه بالتذكير والتأنيث وإن كان صفته فالإشارة به إلى الكتاب صريحًا لأن اسم الإشارة مشار به إلى الجنس الواقع صفة له تقول هند ذلك الإنسان أو ذلك الشخص فعل كذا ووجه تأليف ذلك الكتاب مع الم إن جعلت الم إسمًا للسورة أن يكون الم مبتدأ وذلك مبتدأ ثانيا والكتاب خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول ومعناه أن ذلك هو الكتاب الكامل كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص كما تقول هو الرجل أي الكامل في الرجولية الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال وأن يكون الم خبر مبتدأ محذوف أي هذه الم جملة وذلك الكتاب جملة أخرى وإن جعلت الم بمنزلة الصوت كان ذلك مبتدأ خبره الكتاب أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل ﴿لاَ رَيْبَ﴾ لا شك وهو مصدر رابني إذا حصل فيك الريبة وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها ومنه قوله ﵇ دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الشك ريبة وإن الصدق طمأنينة أي فإن كون الأمر مشكوكًا فيه مما تقلق له النفس ولا تستقر وكونه صحيحًا صادقًا مما تطمئن له وتسكن ومنه ريب الزمان وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه وإنما نفى الريب على سبيل الاستفراق وقد ارتاب فيه كثير لأن المنفي كونه متعلقًا للريب ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة له وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه لا أن أحدًا لا يرتاب وإنما لم يقل لا فيه ريب كما قال لا فيها غول
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) ﴿ذلك الكتاب﴾ أي ذلك الكتاب الذي وعد به على لسان موسى وعيسى ﵉ أو ذلك إشارة إلى الم وإنما ذكّر اسم الإشارة والمشار إليه مؤنث وهو السورة لأن الكتاب إن كان خبره كان ذلك في معناه ومسماه مسماه فجاز إجراء حكمه عليه بالتذكير والتأنيث وإن كان صفته فالإشارة به إلى الكتاب صريحًا لأن اسم الإشارة مشار به إلى الجنس الواقع صفة له تقول هند ذلك الإنسان أو ذلك الشخص فعل كذا ووجه تأليف ذلك الكتاب مع الم إن جعلت الم إسمًا للسورة أن يكون الم مبتدأ وذلك مبتدأ ثانيا والكتاب خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول ومعناه أن ذلك هو الكتاب الكامل كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص كما تقول هو الرجل أي الكامل في الرجولية الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال وأن يكون الم خبر مبتدأ محذوف أي هذه الم جملة وذلك الكتاب جملة أخرى وإن جعلت الم بمنزلة الصوت كان ذلك مبتدأ خبره الكتاب أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل ﴿لاَ رَيْبَ﴾ لا شك وهو مصدر رابني إذا حصل فيك الريبة وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها ومنه قوله ﵇ دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الشك ريبة وإن الصدق طمأنينة أي فإن كون الأمر مشكوكًا فيه مما تقلق له النفس ولا تستقر وكونه صحيحًا صادقًا مما تطمئن له وتسكن ومنه ريب الزمان وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه وإنما نفى الريب على سبيل الاستفراق وقد ارتاب فيه كثير لأن المنفي كونه متعلقًا للريب ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة له وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه لا أن أحدًا لا يرتاب وإنما لم يقل لا فيه ريب كما قال لا فيها غول
1 / 38
لأن المراد في إيلاء الريب حرف النفي نفي الريب عنه وإثبات أنه حق لا باطل كما يزعم الكفار ولو أولى الظرف لقصد إلى ما يعد عن المراد وهو أن كتابًا آخر فيه ريب لافيه كما قصد في قوله تعالى لاَ فِيهَا غول ففيه تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي والوقف على فيه هو المشهور وعن نافع وعاصم أنهما وقفًا على ريب ولا بد للواقف من أن ينوي خبرًا والتقدير لا ريب فيه ﴿فِيهِ هُدًى﴾ فيه بإشباع كل هاء مكى ووافقه حفص فى فيه مهانا وهو الأصل كقولك مررت به ومن عنده وفي داره وكما لا يقال في داره ومن عنده وجب أن لا يقال فيه وقال سيبويه ما قاله مؤد إلى الجمع بين ثلاثة أحرف سواكن الياء قبل الهاء والهاء إذًا الهاء
المتحركة في كلامهم بمنزلة الساكنة لأن الهاء خفية والخفي قريب من الساكن والياء بعدها والهدى مصدر على فعل كالبكا وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلالة فى مقابلة في قوله أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى وإنما قيل هدى ﴿لّلْمُتَّقِينَ﴾ والمتقون مهتدون لأنه كقولك للعزيز المكرم أعزك الله وأكرمك تريد طلب الزيادة على ما هو ثابت فيه واستدامته كقوله اهدنا الصراط المستقيم ولأنه سماهم عند مشارفتهم لا كتساء لباس التقوى متقين كقوله ﵇
الذين (٣)
من قتل قتيلًا فله سلبه وقول ابن عباس رضى الله عنهما إذا أراد أحدكم الحج فليعجل فإنه يمرض المريض فسمى المشارف للقتل والمرض قتيلًا ومريضًا ولم يقل هدى للضالين لأنهم فريقان فريق علم بقاءهم على الضلالة وفريق علم أن مصيرهم إلى الهدى وهو هدى لهؤلاء فحسب فلو جئ بالعبارة المفصحة عن ذلك لقيل هدى للصائرين إلى الهدى بعد الضلال فاختصر الكلام بإجرائه على الطريقة التي ذكرنا فقيل هدى للمتقين مع أن فيه تصديرًا للسورة التي هي أولى
1 / 39
الزهراوين وسنام القرآن بذكر أولياء الله والمتقى في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى ففاؤها واو ولامها ياء وإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الأخرى فقلت اتقى والوقاية فرط الصيانة وفي الشريعة من يقي نفسه تعاطى ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك ومحل هدى الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر مع لا ريب فيه لذلك أو النصب على الحال من الهاء في فيه والذي هو أرسخ عرقًا فى البلاغة أن يقا إن قوله الم جملة برأسها أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها وذلك الكتاب جملة ثاينة ولا ريب فيه ثالثة وهدى للمتقين رابعة وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة حيث جئ بها متناسقة هكذا من غير حرف عطف وذلك لمجيئها متآخية آخذًا بعضها بعنق بعض فالثانية متحدة بالأولى معتنقة لها وهلم جر إلى الثالثة والرابعة بيان ذلك أنه نبه أولًا على أنه الكلام المتحدى به ثم أشير إليه بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال فكان تقرير الجهة التحدي ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب فكان شهادة وتسجيلًا بكماله لأنه لا كمال أكمل مما للحق واليقين ولا نقص أنقص مما للباطل والشبهة وقيل لعالم فيم لذتك قال في حجة تتبختر اتضاحا وفى شبهة تتضاءل افتضاحا ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين فقرر بذلك كونه يقينًا لا يحوم الشك حوله وحقًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ثم لم تخل كل واحدة من الأربع بعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق ونظمت هذا النظم الرشيق من نكتة ذات جزالة ففي الأولى الحذف والرمز إلى المطلوب بألطف وجه وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف وفي الرابعة الحذف ووضع المصدر الذي هو هدى موضع الوصف الذي هو هاد كأن نفسه هداية وإيراده منكرًا ففيه إشعار بأنه هدى لا يكتنه كنهه والإيجاز في ذكر المتقين كما مر
1 / 40
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)
﴿الذين﴾ في موضع رفع أو نصب على المدح أي هم الذين يؤمنون أو أعني الذين يؤمنون أو هو مبتدأ وخبره أولئك على هدى أو جر على أنه صفة للمتقين وهي صفة واردة بيانًا وكشفًا للمتقين كقولك زيد الفقيه المحقق لاشتمالها على ما أسست عليه حال المتقين من الإيمان الذي هو أساس الحسنات والصلاة والصدقة فهما العبادات البدنية والمالية وهما العيار على غيرهما ألا ترى أن النبي ﵇ سمى الصلاة عماد الدين وجعل الفاصل بين الإسلام والكفر ترك الصلاة وسمى الزكاة قنطرة الإسلام فكان من شأنهما استتباع سائر العبادات ولذلك اختصر الكلام بأن استغنى عن عد الطاعات بذكر
البقرة (٣ - ٤)
ما هو كالعنوان لها مع مافى ذلك من الإفصاح عن فضل هاتين العبادتين أو صفة مسرودة مع المتقين تفيد غير فائدتها كقولك زيد الفقيه المتكلم الطبيب ويكون المراد بالمتقين الذين يجتنبون السيئات ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ يصدقون وهو إفعال من الأمن وقولهم آمنه أي صدقه وحقيقته أمنه التكذيب والمخالفة وتعديته بالباء لتضمنه معنى أقر واعترف ﴿بالغيب﴾ بما غاب عنهم مما أنبأهم به النبي ﵇ من أمر البعث والنشور والحساب وغير ذلك فهو بمعنى الغائب تسمية بالمصدر من قولك غاب الشئ غيبًا هذا إن جعلته صلة للإيمان وإن جعلته حالًا كان بمعنى الغيبة والخفاء أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به وحقيقته متلبسين بالغيب والإيمان الصحيح أن يقر باللسان ويصدق بالجنان والعمل ليس بداخل في الإيمان ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ أي يؤدونها فعبر عن الأداء بالإقامة لأن القيام بعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت وهو القيام وبالركوع والسجود والتسبيح لوجودها فيها أو أريد بإقامة الصلاة تعديل أركانها من أقام العود إذا قومه والدوام عليها والمحافظة من قامت السوق إذا نفقت لأنه إذا حوفظ عليها كانت كالشئ النافق الذي تتوجه إليه الرغبات
1 / 41
وإذا أضيعت كانت كالشئ الكاسد الذي لا يرغب فيه والصلاة فعلة من صلى كالزكاة من زكى وكتابتها بالواو على لفظ المفخم وحقيقة صلى حرك الصلوين أي الأليتين لأن المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده وقيل للداعي مصل تشبيهًا له في تخشعه بالراكع والساجد ﴿وَمِمَّا َرَزَقْنَاهُمْ﴾ أعطيناهم وما بمعنى الذي ﴿يُنفِقُونَ﴾ يتصدقون أدخل من التبعيضية صيانة لهم عن التبذير المنهي عنه وقدم المفعول دلالة على كونه أهم والمراد به الزكاة لاقترانه بالصلاة التي هي أختها أو هى وغيرها من النفقات في سبل الخير لمجيئه مطلقًا وأنفق الشئ وأنفذه إخوان كنفق الشئ ونفد وكل ما جاء مما فاؤه نون وعينه فاء فدال على معنى الخروج والذهاب ودلت الآية على أن الأعمال ليست من الإيمان حيث عطف الصلاة والزكاة على الإيمان والعطف يقتضى المغايره
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) ﴿والذين يُؤْمِنُونَ﴾ هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه من الذين آمنوا بكل وحي أنزل من عند الله وأيقنوا بالآخرة إيقانًا زال معه ما كانوا عليه ن أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى وأن النار لن تمسهم إلا أيامًا معدودات ثم إن عطفتهم على الذين يؤمنون بالغيب دخلوا في جملة المتقين وإن عطفتهم على المتقين لم يدخلوا فكأنه قيل هدى للمتقين وهدى للذين يؤمنون بما أنزل إليك أو المارد به وصف الأولين ووسط العاطف كما يوسط بين الصفات في قولك هو الشجاع والجواد وقوله ... إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم ... والمعنى أنهم الجامعون بين تلك الصفات وهذه ﴿بِمَا أُنزَلَ إِلَيْكَ﴾ يعني القرآن والمراد جميع القرآن لا القدر الذي سبق إنزاله وقت إيمانهم لأن الإيمان بالجميع واجب وإنما عبر عنه بلفظ البقرة (٤ - ٦) الماضي وان كان بعضه مترقبا تغليبا على ما لم يوجد ولأنه إذا كان بعضه نازلًا وبعضه منتظر النزول
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) ﴿والذين يُؤْمِنُونَ﴾ هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه من الذين آمنوا بكل وحي أنزل من عند الله وأيقنوا بالآخرة إيقانًا زال معه ما كانوا عليه ن أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى وأن النار لن تمسهم إلا أيامًا معدودات ثم إن عطفتهم على الذين يؤمنون بالغيب دخلوا في جملة المتقين وإن عطفتهم على المتقين لم يدخلوا فكأنه قيل هدى للمتقين وهدى للذين يؤمنون بما أنزل إليك أو المارد به وصف الأولين ووسط العاطف كما يوسط بين الصفات في قولك هو الشجاع والجواد وقوله ... إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم ... والمعنى أنهم الجامعون بين تلك الصفات وهذه ﴿بِمَا أُنزَلَ إِلَيْكَ﴾ يعني القرآن والمراد جميع القرآن لا القدر الذي سبق إنزاله وقت إيمانهم لأن الإيمان بالجميع واجب وإنما عبر عنه بلفظ البقرة (٤ - ٦) الماضي وان كان بعضه مترقبا تغليبا على ما لم يوجد ولأنه إذا كان بعضه نازلًا وبعضه منتظر النزول
1 / 42