{ وإن خفتم } أيها الأولياء { ألا تقسطوا } ولا تعدلوا { في } حفظ { اليتامى } النساء اللاتي لهن مال وجمال { فانكحوا ما طاب لكم من النسآء } البالغة مقدار ما يسكن مليكم إلى اليتامى وشهوتكم إليهن { مثنى وثلث وربع } أي: اثنين اثنين، وثلاث ثلاث، وأربعة أربعة، على تفاوت ميولكم إن حفظتم العدالة بينهن.
{ فإن خفتم ألا تعدلوا فوحدة } أي: فلكم نكاح الواحدة؛ لتأمنوا من الفتنة، سواء كانت من الحرائر { أو ما ملكت أيمنكم } من الإماء، ثم لما لم يكن في الإسلام رهبانية؛ لأن الحكمة تقتضي عدمها، كما أشار إلأيه صلى الله عله وسلم بقوله:
" لا رهبانية في الإسلام "
، نبه سبحانه على أقل مرتبة الزواج الصوري، المنبئ عن النكاح المعنوي والارتباط الحقيقي بقوله: { ذلك } أي: نكاح الواحدة، والقناعة بالإماء { أدنى } مرتبة الزواج على الذين يخافون { ألا تعولوا } [النساء: 3] أي: من كثرة العيال.
[4.4-6]
{ و } إذا أردتم النكاح أيها المسلمون { ءاتوا النسآء } الحرائر، والإماء لغيركم { صدقتهن } أي: مهورهن { نحلة } بتة مؤبدا بلا حيلة وخديعة { فإن طبن } هن { لكم } لإفراط محبتكم في قلوبهن { عن شيء } كل أو بعض { منه } أي: من المهر { نفسا } رغبة ورضا، لا كرها واستحياء { فكلوه } أي: الشيء الموهوب من المهر { هنيئا } حلالا { مريئا } [النساء: 4] طيبا؛ تقويما لمزاجكم؛ لإقامة القسط والعدل الذي هو من حدود الله المتعلقة بالقتوى.
{ و } أيضا من جملة الحقوق المتعلقة بالتقوى أيها الأولياء أن { لا تؤتوا السفهآء } سواء كانوا من أصلابكم وما ينتمي إليكم، وهم الذين خرجوا عن طور العقل ومرتبة التدبير والتكليف { أموالكم التي جعل الله } ملكا { لكم } أيها العقلاء المكلفون { قيما } سببا لقيامكم على الطاعة والعبادة { و } لكن { ارزقوهم } أي: اجعلوا طعامهم وسائر حوائجهم في مدة أعمالهم { فيها } في ربحها ونمائها { واكسوهم } أيضا منها { و } إن كان منهم له أدنى شعور بأمر الإضافة والتمليك، ولكن لا ينتهي إلى التدبير والتصرف المشروع { قولوا لهم } لهؤلاء المخطئين من مرتبة العقلاء { قولا معروفا } [النساء: 5] مستحسنا عقلا وشرعا؛ لئلا ينكسر قلوبهم.
{ و } أيضا من جملة الأمور التي وجب حفظها: ابتلاء أو رشد اليتامى قبل أداء أموالهم إليهم { ابتلوا } اختبروا وجربوا أيها الأولياء عقول { اليتامى } وتدابيرهم في التصرفات الجارية بين أصحاب المعاملات { حتى إذا بلغوا النكاح } أي: السن المعتبر في باب النكاح، هو خمسة عشر عند الشافعي - رحمة الله عليه - وثمانية عشر عند أبي حنيفة { فإن آنستم } أي: أشعرتم وأحسستم { منهم رشدا } تدبيرا كافيا، وافيا للتصرفات الشرعية { فادفعوا إليهم أموالهم } على الوجه المذكور بلا مماطلة وتأخير، وإن لم تؤنسوا الرشد المعتبر فيهم لا تدفعوها، بل تحفظوها إلى إيناس الرشد.
لكن { ولا تأكلوهآ إسرافا } مسرفين في أجرة المحافظة { وبدارا } مبادرين في أكلها؛ خوفا { أن يكبروا } ويخرجوها من أيديكم { ومن كان } منكم أيها الاولياء { غنيا } ذو يسر { فليستعفف } من أكلها، والتعفف منها خير له في الدنيا والآخرة { ومن كان } منكم { فقيرا } ذا عسر { فليأكل } منها { بالمعروف } المعتدل، لا ناقصا من أجرة حفظ، ولا زائدا عليها؛ حفظا للغبطتين { فإذا دفعتم } أيها الأولياء بعدما آنستم الرشد المعتبر منهم { إليهم أموالهم فأشهدوا } فأحضروا ذوي عدل من المسلمين { عليهم } ليشهدوا فيماجرى بينك وبينهم { وكفى بالله حسيبا } [النساء: 6] أي: كفى الله حسيبا فيماجرى بينكم وبينه سبحانه في مدة المحافظة، يحاسبكم ويجازيكم على مقتضى حسابه.
ومن خطر هذه التصرفات، كان أرباب الولاء من المشايخ - قدس الله أسرارهم - يمنعون أهل الإرادة عن أمثالها؛ لأن البشر قلما يخلون عن الخطر، خصوصا في أمثال هذه المزالق.
نامعلوم صفحہ