وعلى قراءة " تعملون " بالخطاب، كان المعنى { إن الله } الموفق لكم على دين الإسلام { بما يعملون } من الصبر والتقوى، والتفويض والرضوخ إلى المولى { محيط } حاضر، غير مغيب عنكم وعن علمكم.
[3.121-124]
{ و } اذكر يا أكمل الرسل وقت { إذ غدوت } خرجت أنت مسرعا في الغداة { من أهلك } عائشة - رضي الله عنها - حال كونك { تبوىء المؤمنين } تعينهم، وتهيئ لهم { مقاعد } أمكنة ومواقف { للقتال } وبعض منهم مع جميع المنافقين يتقاعدن عنه، ويسوفون، معلللين بعلل ودلائل ضعيفة وبعض آخر يريدون الخروج، ويرغبونك عليه { والله } المطلبع لضمائر الفريقين { سميع } لأقوالهم { عليم } [آل عمران: 121] بنياتهم.
" روي أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء في عشر شوال سنة ثلاث من الهجرة، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبي، ولم يدعه قبل، فقال هو وأكثر الأنصار: أقم يا رسول الله بمالدينة ولا تخرج، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا أحد إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا، فدعهم فإن أقاموا أقاموا شر مجلس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال، ورمامهم النساء والصبيان بالحجارة، وإن رجعوا رجعوا خائبين، وأشار بعضهم إلى الخروج، فقال عليه السلام: " رأيت في منامي بقرة مذبوحة حولي، فأولتها خيرا، ورأيت في ذباب سيفي ثلما فأولته هزيمة، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم ".
فقال رجال من المسلمين فاتهم بدر، وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد: اخرج بنا إلى أعدائنا، فبالغوا حتى دخل وليس لأمته، فلما رأوا ذلك ندموا على مبالغتهم، فقالوا: اصنع يا رسول الله ما شئت، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل " ، فخرج بعد صلاة الجمعة، وأصبح بشعب من أحد، ونزل في عدوة الوادي، وجعل ظهر عسكره، وسوى صفهم، وأمر عبد الله بن جبير على الرماة، وقال: " انضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا " ، وحين استوى الصفوف، وبلغوا الشرط، قال ابن أبي: علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فانصرف فوقع الخلاف بين المؤمنين فتزلزوا ".
{ إذ همت } قصرت في تلك الحالة { طآئفتان منكم } بنو سلمة من الخرزج، وبنو حارثة من الأوس، وكانا جناح العسكر { أن تفشلا } تنهزما ضعفاء وجبناء، وتتبعنا أثر ابن أبي فعصمهما الله عن متابعة الشيطان وجنوده، فمضيا مع رسول الله يستغفرون عما جرى عليهما { و } كيف لا يعصمهما من مخالفتخ؛ إذ { الله وليهما } ومولي أمورهما أرشدهما إلى ماهو أصح لحالهما { وعلى الله } المدبر لمصالح عباده لا على غيره من الأظلال { فليتوكل المؤمنون } [ال عمران: 122] حتى يتحققوا بقمام العبودية والرضا والتفويض.
{ و } بعدما ظهرتم على العدو، لا تيأسوا من نصر الله وتأييده، ولا تضعفوا ولا تجنبوا ولا تبالوا بكثرتهم وعدتهم، بل اذكروا وتذكروا { لقد نصركم الله } الرقيب عليكم { ببدر } موضع بين مكة والمدينة، يتسوق فيها العرب مع قوافل الحجاج { و } الحال أنكم { أنتم } في تلك الوقعة { أذلة } ضعفاء في العدد والعدد، وعدوكم على عكسكم، هكذا بأن أنزل عليكم من الملائكة جنودا لم تروها { فاتقوا الله } اليوم عن الفرار والانهزام ومخالفة الرسول { لعلكم تشكرون } [آل عمران: 123] تلك النصرة فيما مضى.
اذكر لهم يا أكمل الرسل وقت { إذ تقول } أنت يوم بدر { للمؤمنين } حين حديث في قلوبهم الرعب من العدو؛ ولكونه على ثلاضة أضعافهم قولا استفهاميا على سبيل التبكيت والإسكات، بعدما ظهر عندك الأمر بالوحي الإلهي: { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة ءالف من الملائكة منزلين } [آل عمران: 124].
[3.125-129]
ثم أوحى إ ليك بأن قلت: { بلى } يكفيكم هذا القدر، أن تستغيثوا وتستلجئوا إلى الله؛ رغبا وترهيبا من العدو، ولكن { إن تصبروا } في مقابلتهم ومقاتلتهم { وتتقوا } عن الاستدبار والانهزام، وتصيروا فرارين، كرارين مرارا، طالبين رضا الله وإمضاء حكمه، وإنفاذ قضائه، يزيد عليكم { ويأتوكم من فورهم هذا } أي: ساعتهم الحاضرة التي هي هذه { يمددكم ربكم } أجرا؛ لصبركم وتقواكم { بخمسة ءالف من الملائكة مسومين } [آل عمران: 125] معلمين، معلومين، ممتازين عن البشر.
نامعلوم صفحہ