{ زين } حبب وحسن { للناس } المغرورين بزخرفة الدنيا { حب الشهوات } أي: مشتهياتها المنحصرة أصولها في هذه المذكورات { من النساء } اللاتي هن لمن اشتهاها؛ إذ هو للوقاع الذي هو من ألذ الملذات النفسانية { والبنين } للمظاهرة والمفاخرة والغلبة على الخصوم { والقناطير } الأموال الكثيرة { المقنطرة } المجتمعة المزخرفة { من الذهب والفضة } لكونها وسائل إلى المشتهيات التي مالت القلوب إليها بالطبع { والخيل المسومة } المعلمة المنسوبة إليهم ليركبوها ويبطروا عليها { والأنعام } من الإبل والبقر والغنم ليحملوها، ويأكلوا منها ويزرعوا بها { والحرث } ليقتاتوا بها ويعيشوا بأكملها { ذلك } الأصول المذكورة { متاع الحياة الدنيا } الفانية المانعة من الوصول إلى الجنة، الماوى التي هي دار القرار والخلود، وموعد لقاء الخلاق الودود { والله } الهادي إلى سبيل الصواب { عنده } لمن توجه نحوه واستقبل جنابه { حسن المآب } [آل عمران: 14] وخير المنقلب والمئاب.
{ قل } يا أكمل الرسل للمؤمنين، للمخلصين في عبادة الله، الراغبين إلى جزيل عطائه، الطائرين إلى فضاء فنائه، الطالبين الوصول إلى شرف لقائه، الفانين في الله؛ ليفوزوا بشرف بقائه تحريكا لهم سلسة الشوق والمحبة { أؤنبئكم } أيها الحيارى في صحارى الإمكان، الموثقون بقيود الأكوان، المحبوسون في مضيق الجدران بسلاسل الزمان والمكان { بخير } مراتب { من ذلكم } الذي ملتم إليها واشتهيتم إلى نيلها في هذه النشأة، حاصل واصل إليكم في النشأة الأخرى { للذين اتقوا } منكم عن محارم الله وتوجهوا إلى الله في الدنيا، ولم يرتكبوا ما نهاهم الله على ألسنة رسله { عند ربهم } الذي رباهم بتوفيقه على ترك المحظورات واجتناب المكروهات { جنات } معراف وحقائق { تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } أنهار الكشوف والشهود { وأزواج } أعمال وحالات { مطهرة } خالصة عن كدر الرعونة والرياء خالية عن الميل إلى البدع والأهواء { و } مع ذلك لهم { رضوان } عظيم { من الله } ليحققهم في مقام العبودية والرضاء بما جرى عليهم من القضاء، بحيث لا ينسبون شيئا من الحوادث إلى الأسباب والوسائق، بل لا يرون الوسائط في البين أصلا { والله } الهادي للكل { بصير بالعباد } [آل عمران: 15] الراضين بقضائه، المرضيين بإنفاذه وإمضائه؛ يعني:
{ الذين يقولون } بألسنتهم موافقا لما في قلوبهم عند مناجاتهم مع ربهم { ربنآ إننآ آمنا } بمقتضى توفيقك بوحدانيتك وبكتبك ورسلك { فاغفر لنا } بلطفك { ذنوبنا } التي صدرت عنا من أنانيتنا واستر عيوبنا التي كنا عليها قل انكشافنا بتوحيدك { وقنا } بلطفك، واحفظنا بفضلك { عذاب النار } [آل عمران: 16] المعد لأصحاب البعد الخذلان عن ساحة عز حضورك، واجعلنا بفضلك من:
{ الصابرين } على عموم ما أصابهم من البأساء والضرءا في طريق توحيدك { والصادقين } عن الكذب مطلقا في أقوالهم المعتبرة، المعربة عن أفئدتهم المطمئنة بالإيمان { والقانتين } الخاضعين الخاشعين إليك بظواهرهم وبواطنهم { والمنفقين } من طيبات ما رزقت لهم؛ طلبا لمرضاتك بلا شوب المنة والأذى { والمستغفرين } لك الخائفين من سخطك وجلالك، الراجين العفو من عموم أوقاتهم خصوصا { بالأسحار } [آل عمران: 17] الخالية عن جميع الموانع العائقة عن التوجه إلى جنابك الشاهدين بوحدانيتك بما: { شهد الله } به لذاته، وهو { أنه لا إله } أي: لا موجود ولا وجود ولا كون ولا تحقق ولا كائن ولا ثابت { إلا هو } الحي الحقيق بالحقية، الوحيد بالقيومية، الفريد بالديمومية، لا شيء سواه { و } بما شهد بوحدته { الملائكة } أي: الأسماء والصفات القائمة بالذات الأحدية؛ إذ الكل قائم به ثابت له لا مرجع لها سواه { و } بما شهد به { أولوا العلم } من مظاهر المخلوقات على صورته المتأثرة من أوصافه وأسمائه، وإن كانت شهادة كل منها راجعة إلى شهادته؛ لكون الكل { قآئما } مقوما متحققا { بالقسط } أي: العدل الإلهي المنبسط على ظواهر الكائنات أزلا وأبدا؛ إذ { لا إله } أي: لا مظهر لها { إلا هو العزيز } الغالب القادر على إظهارها { الحكيم } [آل عمران: 18] المتقن في تربيتها وتدبيرها، القائلين طوعا ورغبة بعدما تحققوا بمقام العبودية:
[3.19-20]
{ إن الدين } القيوم والشرع المستقيم المقبول المرضي { عند الله } الهادي للعباد إلى طريق الرشاد هو { الإسلام } المنزل من عنده إلى خير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { وما اختلف } المعاندون المنكرون لدين الإسلام من { الذين أوتوا الكتاب } أي: اليهود والنصارى { إلا من بعد ما جآءهم العلم } اليقيني في كتبهم المنزلة من عند الله بأنه سيظهر النبي الحق، والدين الحق الناسخ لجميع الأديان السابقة، وعلموا حين ظهوره حقيته بالدلائل والعلامات المبينة في كتابهم، ومع ذلك ينكرونه { بغيا } حسدا ثابتا { بينهم } ناشئا من طلب الرئاسة والاستكبار والعتو الإصرار { ومن يكفر بآيات الله } بأمثال هذه الأباطيل المموهة يجازيهم على كل منها بلا فوت شيء { فإن الله سريع الحساب } [آل عمران: 19] لا ي عزب عن علمه شيء، شديد العقاب لمن أنكر آياته بعد ظهور حقيتها.
{ فإن حآجوك } جادلوك يا أكمل الرسل بعد ظهور حقية دينك وكتابك عندهم مكابرة وعنادا، لا تجادل معهم بل أعرض عنهم { فقل أسلمت } أي: فوضت وسلمت أمري في ظهور ديني، ووجهت: { وجهي } صورتي المخلوقة على صورة الله المستجمع للكل { لله } ظاهرا وباطنا { ومن اتبعن } فعليهم الانقياد والتسليم إلى الله في جميع الأمور { وقل } يا أكمل الرسل إمحاضا للنصح { للذين أوتوا الكتب } أي: اليهود والنصارى { والأميين } الذين لا يأتيهم الكتاب والدعوة: { أأسلمتم } بدين الإسلام المبين لتوحيد الله كما أسلمت أنا ومن اتبعني بعدما ظهر لكم دلائل حقيته، أم لم تسلموا بغيا وعنادا؟ { فإن أسلموا } بعد دعوتك وعرضك لهم طريق الهداية { فقد اهتدوا } إلىطريق الحق كما اهتديت أنت ومن تبعك { وإن تولوا } أعرضوا عن دعوتك عنادا واستكبارا { فإنما عليك البلغ } أي: لم يضروك بإعراضهم بل ما عليك من حسابهم من شيء، ولا عليهم من حسابك من شيء، فأعرض عنهم { والله } المحيط بهم وبضمائرهم { بصير } خبير { بالعباد } [آل عمران: 20] وأحوالهم وأعمالهم، يجازيهم على مقتضى علمه وخبرته.
[3.21-22]
وقل لهم أيضاص تذكيرا واستحضارا حكاية عن حال أسلافهم الماضين: { إن الذين يكفرون } ينكرون { بآيات الله } المنزلة على أنبيائه بعد ظهور صدقها وحقيتها { و } مع ذلك { يقتلون النبيين } الذين أنزل عليهم الآيات من عنده سبحانه { بغير حق } بلا رخصة شرعية أي: موافقة بشرع ودين { ويقتلون } أيضا { الذين يأمرون بالقسط } بالعدل { من الناس } الذين يتبعون شرائعهم وينقادون بأديانهم، ويمتثلون بأديانهم ويمتثلون بأوامرهم وأحكامهم، جرى عليهم في الدنيا ما جرى، في الآخرة ما جرى بأضعاف ذلك لعلهم ينتبهوا ويمتنعوا، وإلا { فبشرهم بعذاب أليم } [آل عمران: 21] جزاء لإصرارهم وعنادهم.
{ أولئك } المصرون المعاندون هم { الذين حبطت } ضاعت { أعمالهم } كلها بحيث لا ينفع لهم عند الله لا { في الدنيا و } ولا في { الآخرة وما لهم } عند ربهم من يشفع لهم أو يعين عليهم { من ناصرين } [آل عمران: 22] الذين يدعون الاقتداء بهم ويستنصرون منهم لكونهمه ضالين منهمكين في الغفلة، لاحظ لهم من الهداية أصلا.
نامعلوم صفحہ