518

وبعدما رأى فرعون في منامه ليلا أن نارا تخرج من دور بني إسرائيل، وتقع على داره وتحرقها وما حولها من ور القبط، ولم تضر بدور بني إسرائيل أصلا فأصبح، وأمر بإحضار الكاهن العليم، فاستعبر منه الرؤيا فقال الكاهن: سيخرج من بني إسرائيل رجل يستولي عليك، ويستأصلك ومن معك، وبعدما سمع من الكاهن ما سمع صار { يستضعف } ويضعف { طآئفة منهم } هي بنو إسرائيل، وبالغ في إضعافهم إلى حيث { يذبح أبنآءهم } أي: أمر الشرطة أن يقتلوا من ولد منهم ذكرا؛ لئلا يتقووا على قتاله، ولم يحدث بينهم من أخبر به الكاهن { ويستحيي نساءهم } ليتزوجهن القبط ظلما ويزدادوا ويلحق العار والصغار على بني إسرائيل، وبالجملة: { إنه كان من } أعظم { المفسدين } [القصص: 4] في الأرض، يريد أن يظهر على الله بقتل ما أوجده سبحانه عتوا واستكبارا.

{ و } بعدما بالغ في الإفساد والعناد، وتمادى في الجور والفساد زمانا { نريد } بمقتضى جودنا وسعة رحمتنا { أن نمن } منة عظيمة { على } عبادنا { الذين استضعفوا في الأرض } أي : أرض العمالقة، وهم بنو إسرائيل الأسراء المظلمون في أدي القبط { ونجعلهم أئمة } قدوة كراما متبوعين بعدما كانوا أتباعا أذلاء صاغرين { ونجعلهم الوارثين } [القصص: 5] من ظالميهم، يرثون منهم أرضهم وديارهم وأموالهم.

{ ونمكن لهم } أي: نقررهم ونوطنهم { في الأرض } أي: أرض مصر والشام بعدما كانوا مضطرين متزلزلين { ونري } بمقتضى قهرنا وجلالنا { فرعون } المفرط في العتو والعناد { و } ظهيره { هامان } المفتخر على أهل الزمان بنيابته ووزارته { وجنودهما منهم } أي: بني إسرائيل { ما كانوا يحذرون } [القصص: 6] منه، وهو ظهور مولود منهم يذهب به دولة القبط، وصار سببا لهلاكهم بالمرة.

[28.7-10]

{ و } بعدما ولد موسى، و ظهر من أراد به سبحانه زوال ملك فرعون استوحشت أمه؛ من وقوف الشرطة عليه وقتله { أوحينآ } وألهمنا { إلى أم موسى أن أرضعيه } مهما أمكنك إرضاعه وإخفاؤه { فإذا خفت عليه } من وقوفهم إياه ضعيه في التابوت { فألقيه في اليم ولا تخافي } من هلاكه وغرقه { ولا تحزني } من فراقه { إنا } من وفور لطفنا وعطفنا { رآدوه إليك } لتحضنه وتحفظه إلى وقت كبره { و } بعدما استوى وبلغ أشده { جاعلوه من } جملة { المرسلين } [القصص: 7] المؤيدين بالوحي والإلهام، وظهور أنواع المعجزات والخوارق من يده.

وبعدما تفرست أم موسى بوقوف الشرطة وتجسسهم بعدما أرضعته ثلاثة أيام وضعته في التابوت على الوجه المأمور، وألقته في اليم مفرضة أمرها إلى الله المتكفل بحفظه.

فذهب البحر بتابوته إلى حذاء دار فرعون فرآه من فيها { فالتقطه آل فرعون } أي: أخذوه وأخرجوه من اليم وأحضروه، وبعدما كشفوا عنه ستره رأوا وليدا في غاية الحسن والجمال إلى حيث تبهر به عيون الناظر إليه، بمضغ إبهامه، فلما رآه فرعون وامرأته وجميع من في بيته من الخدمة أحبوه وأعجبوا حسنه، وألقينا محبته في قلوبهم جميعا إلى اتفقوا لحفظه غافلين عن مكرنا معهم { ليكون لهم عدوا وحزنا } أي: موجب حزن طويل وعداوة مستمرة { إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين } [القصص: 8] مجبولين على الخطأ في جميع أفعالهم، ومن جلمتها: محافظة العدو الموجب لأنواع العذاب والنكال في النشأة الأولى والأخرى.

{ وقالت امرأة فرعون } آسية - رضي الله عنها - من كمال محبتها له وتحننها نحوه لفرعون: هو { قرت عين لي ولك لا تقتلوه } كسائر أبناء إسرائيل على ظن أنه منهم، بل نحفظه { عسى أن ينفعنا } أي: رجاء أن ينفع نفعا { أو نتخذه ولدا } خلفا لنا إذ ظهر على رشد تام وعقل كامل { وهم لا يشعرون } [القصص: 9] إنه عدوهم الذي يهذب به دولتهم وملكهم بيدهن وهلاكهم بسببه.

{ و } بعد ألقائه في البحر { أصبح فؤاد أم موسى فارغا } صفرا من العقل ومقتضياته، وصارت قلقة حائرة هائمة؛ بحيث اضمحلت عنها أمارات الحياة تحننا إلى ولدها وشوقا إليه، وخوفا من قتله، سيما سمعت بالتقاط آل فرعون إياه ووقوعه بأيديهم { إن كادت } أي: إنه صارت من غاية الحزن الأسف إلى أن قربت { لتبدي به } أي: لتظهر وتبوح بأمره صائحة عليه، فاجعة في شأنه من التقاط عدوه { لولا أن ربطنا } وألقينا { على قلبها } السكينة والطمأنينة { لتكون من المؤمنين } [القصص: 10] المصدقين لما وعدنا إياها برد ولدها لها بلا ضر من العدو.

[28.11-13]

نامعلوم صفحہ