{ والذين يتوفون } يستشرفون إلى الوفاة { منكم } أيها المؤمنون { ويذرون } يتركون { أزواجا } بعدم لزمهم أن يوصوا { وصية } مستخرجة من أموالهم { لأزواجهم } ليتمتعن بها { متاعا إلى } انقضاء { الحول } بعد موتهم { غير إخراج } لهن من المسكن المألوف، وكان ذلك في أول الإسلام، ثم نسخت بتعيين المدة لعدة الوفاة من أربعة أشهر وعشرا { فإن خرجن } من مسكن الأزواج { فلا جناح عليكم } أيها الحكام { في ما فعلن } من التطيب وترك الحداد وطلب الخطبة { في } إصلاح { أنفسهن } إن كانت الأمور الصادرة منهم { من معروف } مستحسن مشروع مرخص، وإن لم يكن كذلك فعليكم الجناح أيها الحكام { والله عزيز } غالب قادر على الانتقام، ينتقم من المتجاوزين عن حدوده، المتهاونين في إجراء أحكامه { حكيم } [البقرة: 240] في رعاية مصالح عباده.
{ و } واعلموا أيها المؤمنون أن { للمطلقات } مطلقا { متاع بالمعروف } المشروع المستحسن لازم { حقا } ثابتا { على } ذمة { المتقين } [البقرة: 241] المطلقين لهن منا دمن في العدة؛ أي: جميع مؤنتهن عليهم فيها.
{ كذلك } أي: مثل ما ذكر من أحكام الطلاق والأمر المتفرعة عليه { يبين الله } الهادي { لكم } جميع { آياته } الدالة على توحيده { لعلكم تعقلون } [البقرة: 242] رجاء أن تتأملوا فيها وتفوزوا بالفوز العظيم من عنده.
[2.243-245]
{ ألم تر } أيها الرائي { إلى الذين خرجوا من ديرهم } وهم أهل " داود " قرية قبل " واسط " وقع فيهم طاعون فخرجوا هاربين { وهم ألوف } كثيير { حذر الموت فقال لهم الله } بعدما علم منهم الفرار عن قضائه: { موتوا } فماتوا بالمرة { ثم أحيهم } بدعاء حزقيل عليه السلام حين مر على تلك القرية، فأبصروا قد عريت عظامهم وتفرقت أجسامهم فتعجب من ذلك، فأوحى الله تعالى إليه، ناد فيهم: أن قوموا بأمر الله ومشيئته، فنادى فقاموا يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت { إن الله } المدبر لمصالح عباده { لذو فضل } وإحسان { على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } [البقرة: 243] فضله وإحسانه.
وبوجه آخر { ألم تر } أيها المغتر الرائي { إلى الذين خرجوا من ديرهم } المألوفة المأنوسة وهي بقعة الإمكان { و } الحال أنهم { هم ألوف } متألفون فيها مع بني نوعهم { حذر الموت } الإرادي { فقال لهم الله } الهادي إلى توحيد الذات بلسان مرشديهم: { موتوا } عن إنابتكم وهويتكم أيها المتوجهون إلى بحر الحقيقة، فماتوا عن مقتضيات القوى البشرية، ولوازم الحياة الطبيعية بالكلية { ثم أحيهم } الله بالحياة الحقيقية والعلم اللدني والوجود العيني الحقي، والبقاء الأزلي السرمدي { إن الله } المتكفل لأمور عباده { لذو فضل على الناس } الناسين منزلهم الأصلي ومقصدهم الحقيقي بإيصالهم إلى ما هم عليه قبل نزولهم إلى فضاء الإمكان { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } [البقرة: 243] ولا يعقلون ولا يفهمون نعمة الوصول إلى الموطن الأصلي والمقام الحقيقي حتى يقوموا بشكره ويتواظبوا عليه.
{ و } إن أردتم أيها المؤمنون أن تكونوا من الشاكرين لنعمه الفائزين بفضله وإحسانه { قتلوا } مع الكفرة التي هي القوى الحيوانية { في سبيل الله } المفني للغير مطلقا، واعلموا إن متم فإلى الله تحشرون، وإن عشتم فإلى الله تبعثون، وما لكم أيها المؤمنون ألا تقاتلوا مع جنود الشياطين حتى تنجوا من مهلكة الإمكان، وتصلوا إلى فضاء الوجوب { واعلموا أن الله سميع } لأقوالكم المتعلقة بعدم الجهاد { عليم } [البقرة: 244] بنياتكم المترتبة على الحياة الطبيعية.
{ من ذا } العارف { الذي يقرض الله } أي: يفوض ويسلم هوية الإمكان وماهية الكوني والكياني إلى الله المسقط للهويات مطلقا { قرضا حسنا } تفويضا سلسا نشطا فرحانا بلا مضايقة ولا مماطلة، راضيا بما قضى عليه، صابرا على عموم البلوى المقربة إليه { فيضعفه له } بعدما فني عن هيوته فيه { أضعافا كثيرة } لا يحيط بكنهها إلا هو؛ إذ المحدث قرن بالعديم، وترتب عليه ما ترتب عليه بل سقط الاثنينية بالكلية، وارتفع غيار الأغيار بالمرة { والله } الواحد الأحد الصمد { يقبض } إلى ذاته ما ينشر { ويبسط } كم أظلال أسمائه وصفاته وآثار تجلياته الذاتية { وإليه } لا إلى غيره { ترجعون } [البقرة: 245] أيها الأظلال والآثار طوعا وكرها.
[2.246-247]
{ ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل } الذين كانوا معرضين عن القتال في حياة موسى - صلوات الله عليه - كيف اضطروا إليه { من بعد } وفاة { موسى إذ قالوا لنبي لهم } هو يوشع أو شمعون أو أشمويل حين ظهرت العمالقة عليهم، وخربوا ديارهم ونهبوا أموالهم وأسروا أولادهم: { ابعث } عين { لنا ملكا نقاتل } مع أعداء الله { في سبيل الله قال هل عسيتم } أي: أتوقع جبنكم وتقاعدكم { إن كتب عليكم القتال } من عند الله { ألا تقاتلوا قالوا وما لنآ } أي: أي شيء عرض لنا { ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنآئنا } بسبب ترك القتال، لو لم نقاتل بعد لاستؤصلنا بالمرة { فلما كتب } فرض { عليهم القتال تولوا } أعرضوا عنه { إلا قليلا منهم } ثلاثمائة وثلاثة عشر بعدد أهل بدر { والله عليم بالظالمين } [البقرة: 246] المجاوزين عن أوامره.
نامعلوم صفحہ