388

{ فلمآ أتاها } مسرعا؛ ليرجع إليهم دفعة { نودي } من جانب الشجرة الموقدة ليقبل إليها فينكشف منها { يموسى } [طه: 11] المتحير في بيداء الطلب: اطلبني من هذه الشجرة الموقدة، ولا تستبعد ظهوري فيها حتى أنكشف لك منها.

{ إني } وإن ظهرت على هذه الصورة المطلوبة لك هذا { أنا ربك } أي: مطلوبك الحقيقي الذي ربيتك بأنواع اللطف والكرم، وابتليتك بأنواع البلاء في طريق المجاهدة؛ لتتوجه إلي فتعرفني، فالآن ارتفعت الحجب والقيود، وتحققت بمقام الكشف والشهود { فاخلع نعليك } فاسترح عن الطلب بعد وجدان الرب، وتمكن ي مقعد الصدق { إنك بالواد المقدس } عن رذائل الأغيار { طوى } [طه: 12] أي: طويت التوجه إلى الغير، ولم يبق لك احتياج إلى الاستكمال.

[20.13-37]

{ و } بعد وصولك إلى مقام الكشف والشهود { أنا اخترتك } أي: اصطفيتك من المكاشفين من أرباب الولاية للتكميل والرسالة على الناس النسين التوجه إلى بحر الحقيقة، فعليك التوجه إلى الإهداء والتجنب عن الميل إلى الهوى { فاستمع } أي: اقتصر في تكميلك ورسالتك { لما يوحى } [طه: 13] إليك من مقام عظيم جودنا، ولا تلتفت إلى الأهواء الفاسدة، حتى لا تضف أنت، ولا تضلهم عن السبيل، فبلغ إلى الناس نيابة عني: { إنني أنا الله } الواحد الأحد المحيط بجميع مراتب الأسماء { لا إله } أي: لا جامع لجميع المراتب { إلا أنا } الجامع لجميعها، المستحق للإطاعة والانقياد { فاعبدني } أنت حق عبادتي؛ أي: أحسن الأدب معي، وتخلق بأخلاقي { وأقم الصلاة } أي: دوام الميل بجميع الأعضاء والجوارح { لذكري } [طه: 14] أي: توجه نحوي بجميع أعضائك وجوارحك لتذكرني بها وتشكرني بجميعها، حتى أنكشف لك من كل منها بحيث كنت سمعك وبصرك وبدنك ورجلك، إلى غير ذلك من جوارحك حتى قامت قيامتك الكبرى، وقمت بين يدي المولى، وتمكنت في جنة المأوى، عند سدرة المنتهى، التي يرتقي وينتهي إليها عروجك في الصعود والارتقاء.

ثم قال سبحانه تعليما لعباده، وحثا لهم على طلب الانكشاف التام: { إن الساعة } أي: ساعة الانكشاف التام على الذي لم يبق معه الطلب كانكشافك يا موسى { آتية } حاصلة لكل أحد من الناس دائما في كل آن، لكن { أكاد أخفيها } أي: أخفي ظهورها لهم { لتجزى } أي: لتتمكن { كل نفس } بمرتبة من المراتب الإلهية { بما تسعى } [طه: 15] أي: بسبب ما تجتهد فيه، وتكتسب من امتثال الأوامر، واجتناب النواهي الجارية على ألسنة الرسل؛ يبطل سر التكليف والتشريع.

وإذا كان الأمر كذلك { فلا يصدنك عنها } أي: فلا يصرفك عن الأم بالانكشاف التام إعراض { من لا يؤمن بها } تقليدا، حتى يطلبها تحقيقا، بل أنكرها وأعرض عنها { واتبع هواه } المضلة في تيه الغفلة والحرمان { فتردى } [طه: 16] فتهلك بداء الجهل والخذلان.

وإذ اخترناك للرسالة العامة، وهبنا لك شاهدا أصدق على دعواك الرسالة؛ لذلك سألناك أولا بقولنا { وما تلك } الخشية التي حملتها { بيمينك يموسى } [طن: 17] المستكشف على حقائق الأشياء؛ يعني: هل تعرف فوائدها وما تترتب عليها، وما تؤول هي عليها، أم لا؟.

{ قال } موسى على مقتضى علمه بها: { هي } أي: هذه الخشبة { عصاي } أستعين بها في بعض الأمور، وإذا عييت وتعبت { أتوكأ عليها و } إذا احتجت إلى هش الورق، وإسقاطه من الشجر لرعي الغنم { أهش } وأسط { بها } ليكون علفا { على غنمي ولي فيها } غير ذلك { مآرب أخرى } [طه: 18] من الاستظلال، ودفع الهوام، مقاتلة العدو إلى غير ذلك.

{ قال ألقها يموسى } [طه: 19] حتى تشهد آيتنا الكبرى { فألقاها } امتثالا للأمر الإلهي { فإذا هي حية تسعى } [طه: 20] تشمي علي بطنها كسائر الحيات، فخاف وموسى منها، وتضيق صدره من قلة رسوخه وعدم تمرنه بابتلاءات الله واختباراته؛ لأنه كان في أوائل حاله.

{ قال } سبحانه بعدما ظهرت أمارات الوجل منه: { خذها } هي عصاك يا موسى { ولا تخف } من صورتها الحادثة، فإنا من كمال قدرتنا { سنعيدها سيرتها } وصورتها { الأولى } [طه: 21] التي هي في يدك، استعنت بها في بعض الأمور، وإنما بدلنا صورتها لتتنبه على أن لنا القدرة على إحياء الجمادات التي هي أبعد بمراحل عن إهداء الضالين من الأحياء.

نامعلوم صفحہ