{ أولئك } المذكورون من زكريا إلى إدريس كلهم أنبياء الله، وأمناؤه في أرضه؛ لأنهم { الذين أنعم الله عليهم } بأنواع النعم الظاهرة والباطنة، واصطفاهم من بين البرية للهداية والتكميل، وهم { من النبيين } المنتشئين { من ذرية ءادم وممن حملنا مع نوح } في السفينة حين ظهر الطوفان على وجه الأرض { و } بعضهم { من ذرية إبراهيم و } ابنه يعقوب الملقب من عند الله { إسرائيل و } وكل منهم { ممن هدينا } إلى توحيدنا { واجتبينآ } من بين البرايا للتكميل والتشريع، ووضع الأحكام بين الأنام كلهم من كمال يقينهم وعرفانهم وتمكنهم في مقر التوحيد { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن } ودلائل توحيده وتجريده { خروا } خرور تواضع ورهبة { سجدا } متذللين واضعين جباههم على تراب المذلة والهوان، راجعين من سعة رحمته على مقتضى لطفه وجماله { وبكيا } [مريم: 58] باكين خائفين من خشية الله بمقتضى قهره وجلاله، فإن المؤمن لا بد أن يكون في جميع حالاته بين الخوف والرجاء.
ثما لما ظهر على الأرض التي هي محل الشرور والفتن وأنواع الفسادات ما ظهر من أنواع المكروهات والمنكرات، وهم عند ظهورها واشتهارها بذلوا جهدهم في تنفيذ الأحكام الشرعية المنزلة على مقتضى زمان كل منهم، فكلموا وأرشدوا مقدار جهدهم وطاقتهم.
{ فخلف من بعدهم } واستعقبهم { خلف } سوء. بالسكن. لا خلف جيد صدق بالحركة. قد { أضاعوا } وأبطلوا { الصلوة } المقربة نحو الحق مع أنها من أقوى أسباب الإيمان { واتبعوا الشهوت } النفسانية المبعدة عنه الجالبة لأنواع العذاب النكال، وأباحوها لنفوسهم وأصروا على إباحتها { فسوف يلقون } في النشأة الأولى { غيا } [مريم: 59] شرا وخسرانا أو عذابا ونيرانا يترتب على شهواتهم ولذاتهم الفانية.
{ إلا من تاب } ورجع عنها نادما ولم يرجع إليها أصلا { وآمن } أي: صدق جرمتها { و } بعد التوبة والرجوع { عمل صالحا } ليصلح ما أفسد بمتابعة الهوى { فأولئك } التائبون الآيبون النادمون عما صدر عنهم من متابعة الهوى بإغواء الشيطان وإغرائه { يدخلون الجنة } لسائر المؤمنين المطيعين { ولا يظلمون شيئا } [مريم: 60] أي: لا ينقصون شيئا من درجات المؤمنين الغير العاصين، إذن كانت توبتهم على وجه الإخلاص والندامة الكاملة، بل لهم كسائر عباد الله.
{ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده } تفضلا عليهم وجزاء لأعمالهم وإيمانهم { بالغيب } أي: بلوح القضاء ومضي العلم يصلون إليها ويتمكنون فيها { إنه } من كمال عطفه ورحمته لعباده { كان وعده } الذي وعده إياهم { مأتيا } [مريم: 61] أي: حاصلا بلا ريب وتردد.
ومتى دخلوا في دار السلام { لا يسمعون فيها } من أحد { لغوا } فضولا من الكلام { إلا سلاما } من كل جانب تحية وتكريما وترحيبا { ولهم رزقهم } الصوري المعنوي معدا مهيأ { فيها بكرة وعشيا } [مريم: 62] أي: مستوعبا لجميع الأوقات؛ إذ أكلها دائم.
{ تلك الجنة } الموصوفة الموعودة { التي نورث } أي: نوطن ونمكن { من عبادنا } فيها { من كان } منهم { تقيا } [مريم: 63] متصفا بالتقوى حذرا عن الهوى خائفا.
{ و } بعدما أبطأ الوحي على رسول الله حي سأله المشركون من قصة أصحاب الكهف وأمر الروح وقصة ذي القرنين، فوعد لهم الجواب ولم يستثن، وانقطع الوحي خمسة عشر يوما. وقيل: أربعين. حتى عيروه واستهزءوا معه؛ حيث قالوا: ودعه ربه وقلاه.
ثم لما نزل جحبريل عليه السلام استبطأ نزوله وشكا، قال جبريل عليه السلام في جوابه: نحن معاشر الملائكة { ما نتنزل } ونوحي إلى أحد { إلا بأمر ربك } وإنزاله وإرساله؛ إذ التصرف { له ما بين أيدينا } أي: عندنا وفي علننا { وما خلفنا } أي: في سرنا واستعدادنا، وما غاب عنا وخفي علينا { وما بين ذلك } الطرفين المذكورينن، وبالجملة: مستوعب بنا، محيط لجميع أحوالنا بلا فوت شيء وغيبته عنه، بل الكل حاضر عنده { و } حينئذ { ما كان ربك } تعالى شأنه { نسيا } [مريم : 64] حتى ينسب إبطاء الوحي إلى نسيانه.
[19.65-76]
نامعلوم صفحہ