260

وبالجملة: { أولئك } المعزولون عن استماع كلمة الحق وإبصار علاماته هم { الذين خسروا أنفسهم } بالافتراء على الله بما لا يليق بجنابه بإشراك مصنوعاته معه في استحقاق العبادة { و } مع ذلك { ضل } وغاب { عنهم ما كانوا يفترون } [هود: 21] من الآلهة الباطلة، ولم يبق لهم سوى الندامة والخسران.

لذلك { لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون } [هود: 22] المقصرون على الخسران والحرمان، ألا ذلك هو الخسران المبين!.

{ إن الذين آمنوا } بالله وفوضوا أمورهم كلها إليه { وعملوا الصالحات } المقربة لهم إلى جنابه { وأخبتوا إلى ربهم } أي: تضرعوا له مطمئنين خاشعين { أولئك } السعداء المقبولون الصالحون، المصالحون الخاشعون المخبتون { أصحاب الجنة } التي هي دار السعداء { هم فيها خالدون } [هود: 23] دائمون مطمئنون متمكنون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

{ مثل الفريقين } أي: المؤمن والكافر في السعادة والشقاوة والهداية والضلال { كالأعمى والأصم والبصير والسميع } كل مع نقيضتها { هل يستويان } كل من النقيضين { مثلا } أيها العقلاء { أفلا تذكرون } [هود: 24] التفاوت والتفاضل حتى تتنبهوا وتتفطنوا.

[11.25-28]

{ و } من عدم تذكر الإنسان وتوغله في الغفلة والنسيان { لقد أرسلنا نوحا } الناجي عما سوى الحق، المنجي للهالكين في تيه الضلال { إلى قومه } حين ظهر عليهم أمارات الكفر والعصيان، ولاح فيهم علامات الظلم والطغيان قائلا لهم على وجه العظة والنصيحة: { إني } من غاية إشفاقي وعطفي { لكم نذير } أنذركم من طول العذاب ونزول غضبه بسبب ظلمكم وكفركم { مبين } [هود: 25] مظهر مبين لكم ما يوجب تعذيبكم من أفعالكم وأعمالكم الدالة على كفركم وشرككم.

فعليكم أيها المسرفون المفرطون { أن لا تعبدوا } ولا تتوجهوا { إلا الله } الواحد الأحد الصمد، الذي لا شريك له ولا شيء سواه، ولا تشركوا به غيره { إني أخاف عليكم } لو أشركتم بالله وكفرتم به { عذاب يوم أليم } [هود: 26] مؤلم مفزع، كأن ألم العذاب يسري في زمانه لفظاعته وشدته.

ثم لما سمعوا قوله وفهموا مراده استكبروا عليه واستبعدوا أمره { فقال الملأ } أي: الأشراف { الذين كفروا من قومه } مستكبرين عليه مستهزئين له: { ما نراك } يا نوح { إلا بشرا مثلنا } كيف تدعي الرسالة والنيابة عن الله والوحي من جانبه { و } مع ذلك لا شوكة ولا استيلاء لك ولا قوة بسبب المكر والأعوان والأنصار حتى تدعي الرئاسة علينا؛ إذ { ما نراك اتبعك } منا { إلا الذين هم أراذلنا } أي: أدنانا وأسافلنا عقلا وجاها وسعة ومالا { بادي الرأي } يظهر رذالتهم للناظرين في أو الفكر والنظر بلا احتياج إلى تعميق وتدبر { و } بالجملة: { ما نرى لكم } أيها السفلة والأرذال تابعا ومتبوعا { علينا من فضل } زيادة في العقل والمال والجاه والرئاسة حتى نتبعكم ونقبل قولكم { بل نظنكم } ونعتقدكم { كاذبين } [هود: 27] في دعواكم، مفترين فيه، طالبين الرئاسة بسببه بلا إظهار معجزة وبينة واضحة.

{ قال } نوح متحسرا آيسا منهم، قنوطا عن إيمانهم بعدما سمع منهم ما سمع: { يقوم } أضافهم إلى نفسه بعد يأسه على مقتضى شفقة النبوة { أرأيتم } أي: أخبروني { إن كنت } جئت لكم { على بينة } واضحة دالة على صدقي في دعواي نازلة { من ربي } لتأييدي وتصديقي { و } مع ذلك { آتاني رحمة من عنده } تفضلا وامتنانا، مشعرة بنجاتتي وطهارتي وصدقي في قولي تذكيري { فعميت } أي: خفيت واشتبهت { عليكم } الدلائل والشواهد مع وضوحها وسطوعها { أنلزمكموها } بها { و } الحال أنه { أنتم لها كارهون } [هود: 28] منكرون غير ملتفتين إليها، ولا متأملين فيها وفي إشاراتها ورموزها.

[11.29-32]

نامعلوم صفحہ