{ ومن } مخلصي { الأعراب من يؤمن بالله } أي: يوقن ويذعن بتوحيده { واليوم الآخر } أي: يصدق باليوم الآخر المعد لجزاء الأعمال، وترتب المثوبات بالقربات والصدقات { ويتخذ ما ينفق } في سبيل الله { قربات } ونيل مثوبات ورفع درجات { عند الله وصلوات الرسول } أي: بسبب استغفاره ودعائه له { ألا إنها } أي: ما يتصدقون بها أولئك المؤمنون، المخلصون، المتقربون { قربة لهم } وسبب وصولهم إليه { سيدخلهم الله } الموفق له، الرقيب عليهم { في } سعة { رحمته } وجوده بعد انقضاء النشأة الأولى { إن الله } المصلح لأحوالهم { غفور } لما صدر عنه من المعاصي قبل إيمانهم { رحيم } [التوبة: 99] لهم، يقبل منهم بعد إيمانهم وإخلاصهم ما يتقربون به لمرضاته.
{ والسابقون } في الإيمان، المبادرون إلى التصديق وقبول الأحكام { الأولون } الأقدمون بمتابعة الرسول { من المهاجرين } الذين هاجروا من مألوفات نفوسهم ومتشهيات طباعهم إلى الفناء في الله { والأنصار } الأبرار الذين سلكوا نحو الحق بالرياضات المجاهدات الشاقة المزيحة لدرن التعلقات ورين الإضافات، المانعة من التوجه الحقيقي.
{ والذين اتبعوهم } واقتفوا أثرهم من أهل الطلب والإرادة { بإحسان } أي: بلا تمايل إلى الرياء والسمعة والعجب، أولئك المبرورون، المقبولون { رضي الله عنهم } لتحققهم بمرتبة الإخلاص والتسليم { ورضوا عنه } لإصالهم إلى مقر التوحيد وفضاء الفناء المثمر للبقاء الأبدي والحياة السرمدية { وأعد لهم } سبحانه في حوزة حمايته وروضة بقائه { جنات } منتزهات { تجري تحتها الأنهار } من العلوم والمعارف { خالدين فيهآ أبدا } لا يتحولون عنها أصلا { ذلك الفوز العظيم } [التوبة: 100] واللطف الجسيم لأهل العناية من أرباب الولاية والمحبة، المنخلعين عن جلباب ناسوتهم مطلقا.
[9.101-104]
{ وممن حولكم } أيها المؤمنون { من الأعراب } الساكنين في البوادي قوم، هم { منفقون } معكم، وإن إظهروا المؤدة والإخاء، والإيمان على طرف اللسان، لا تبالوا بإيمانهم، ولا تغفلوا عن خدعهم { ومن أهل المدينة } أيضا قوم { مردوا } أي: رسخوا { على النفاق } ومن شدة نفاقهم وتمرنهم عليه صاروا بحيث { لا تعلمهم } أيها المتصف بالفراسة الكاملة من غاية تلبيسهم وإخفائهم، بل { نحن نعلمهم } ونعلم ما في ضمائرهم من الخيالات الفاسدة { سنعذبهم } في الدنيا { مرتين } مرة بتفضيحهم وإظهار ما في قلوبهم من الأكنة والشقاق، ومرة بقتلهم وسبيهم وإجلائهم { ثم يردون } بعد انقضاء النشأة الأولى { إلى عذاب عظيم } [التوبة: 101] هو حرمانهم وانحطاطهم عن المرتبة الكاملة الإنسانية التي هي مرتبة الخلافة والنيابة الجامعة لجميع المراتب الكونية والكيانية.
{ و } من أهل المدينة قوم { آخرون } ليسوا من المصرين على النفاق، المتمرنين فيه، بل { اعترفوا بذنوبهم } التي صدرت عنهم من المخالفة والبغض والطعن والاستخفاف، والغيبة حين خلوا مع المنافقين المتمرنين، وهم وإن صدر عنهم الإيمان والإخلاص، لكنهم { خلطوا عملا صالحا } من الإخلاص والرضاء، والتسليم { و } عملا { آخر سيئا } وهو اتفاقهم مع المنافقين في خوضهم وطعنهم، بذلك انحطوا عن رتبة المخلصين في جميع حالاتهم { إن الله } أي: يوفقهم على التوبة والندامة، ويقبل منهم توبتهم بعدما أخلصوا فيها { عسى الله أن يتوب عليهم } المصلح لأحوال عباده { غفور } لمن تاب وندم عن ظهر القلب { رحيم } [التوبة: 102] يقبل توبتهم إن أفرطوا.
{ خذ } يا أكمل الرسل { من أموالهم } أي: من أموال هؤلاء المذنبين التائبين، النادمين عما صدر عنهم من المخالفة حين أذنوا لك أن تخرج منها { صدقة تطهرهم } عن أدناس الطبيعة المولعة لحب المال والحرص في جمعها ونمائها { وتزكيهم بها } أي: تصفي بواطنهم عن الشواغل العائقة عن اللذات الروحانية { وصل عليهم } واستغفر لذنوبهم، وادع لهم بالدعاء الخير { إن صلوتك } والتفاتك بحالهم { سكن لهم } أي: سكينة لقلوبهم ووقار وطمأنينة، وسبب لتقررهم وتثبتهم على جادة التوحيد والإيمان { والله } المراقب عليهم في حالاتهم { سميع } لإخلاصهم ومناجاتهم { عليم } [التوبة: 103] بنياتهم وحاجاتهم.
{ ألم يعلموا } أولئك التائبون، النادمون المخلصون، المتضرعون نحو الحق على عفو زلاتهم وتقصيراتهم { أن الله } المصلح لأحوالهم { هو } بلطفه وفضله { يقبل التوبة عن عباده } بعدما وفقتهم عليها، ويتجاوز عن سيئاتهم { ويأخذ الصدقات } من أموالهم؛ أي: يقبلها منهم تطهيرا لقلوبهم عما يشوشهم من رذائل هوياتهم وتعيناتهم؛ ليتشمروا نحو الحق مخفين { و } لم يعلموا { أن الله } المتفضل لعباده { هو التواب } الرجاع لهم عن مقتضيات نفوسهم نحو جنابة { الرحيم } [التوبة: 104] عليهم يوصلهم إلى بابه إن أخلصوا في سلوكهم وتوجههم.
[9.105-108]
{ وقل } يا أكمل الرسل للمخلفين من الأعراب: { اعملوا } ما شئتم من الكفر والنفاق { فسيرى الله } الرقيب عليكم { عملكم ورسوله } بوحيه سبحانه وإلهامه { والمؤمنون } بتبليغه { و } اعلموا أيها الغواة المجرمون { ستردون } للحساب والجزاء { إلى عالم الغيب } أي: السرائر والخفيات التي تسترونها من الكفر والمعاصي { والشهادة } أي: التي تعلنون بها { فينبئكم } سبحانه على التفصيل { بما كنتم تعملون } [التوبة: 105] من طغيان نفوسكم، ويجازيكم عليها.
نامعلوم صفحہ