220

{ و } هذه أيضا { أذان } إعلام وتشييع، ونداء صدر عنه { من الله ورسوله } بإذنه { إلى الناس } المجتمعين من أقصى البلاد { يوم الحج الأكبر } لأن وقوف يوم عرفة كان يوم الجمعة؛ لذلك سمي به { أن الله } أي: بأن الله المتعزز بالعظمة والكبرياء { بريء من المشركين } أي: من عهودهم ومواثيقهم، لا يؤمنهم بعد عامكم هذا { ورسوله } أيضا مأمور من عنده بالبراءة ونقض العهد وإسقاط الذمة، ويعد اليوم ارتفعت الهدنة وصار الأمر الأمر إما بالسيق وإما الإسلام.

{ فإن تبتم } ورجعتم عما أنتم عليه من الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد { فهو } أي: إيمانكم ورجوعكم { خير لكم } في أولاكم وأخراكم { وإن توليتم } وأعرضتم عن الإسلام والإيمان، وأصررتم على الشرك والطغيان { فاعلموا أنكم غير معجزي الله } أي: لستم غالبين على جنوده { و } بالجملة: { بشر } يا أكمل الرسل { الذين كفروا } بالله وأصروا عليه، ولم يرجعوا عنه مع ورود الزواجر والخوارق { بعذاب أليم } [التوبة: 3] في النشأة الاولى بالقتل والسبي والإجلاء، وفي الآخرة بالحرمان عن رتبة الإنسان.

[9.4-5]

ثم لما لم يصدر عن بعض المشركين شيء من أمارات النقض والإتيان وعلامات المخالفة والمخادعة استثناهم الله سبحانه، وأمر المؤمنين بمحافظة عهودهم إلى انقضاء المدة المعلومة، فقال: { إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم } بعد المعاهدة { لم ينقصوكم شيئا } مما عاهدوا عليه والتزموا حفظه، بل داوموا على حفظها { و } مع ذلك { لم يظاهروا } ولم يعانوا { عليكم أحدا } من أعدائكم حفظا لعهدكم وميثاقكم { فأتموا إليهم عهدهم } أي: أنتم أولى بإيفاء الكعهد وإتمام مدته { إلى } انقضاء { مدتهم } التي عاهدوا عليها { إن الله } المستوي على العدل القويم { يحب المتقين } [التوبة: 4] الذي يواظبون على إيفاء العهود وحفظ المواثيق ؛ حذرا عن تجاوز حدود الله وعهوده.

{ فإذا انسلخ } أي: انقضى ومضى { الأشهر الحرم } المأمورة فيها السياحة والأمن { فاقتلوا المشركين } المصرين على الشرك، الناقضين للعهد والميثاق { حيث وجدتموهم } في حل أو حرم مستأمنين أم لا { وخذوهم } أي: ائسروهم واسترقوهم، واستولوا عليهم { و } إن استحفظوا استحصنوا { احصروهم واقعدوا لهم } لأخذهم وقتلهم { كل مرصد } وممر من شعاب الجبال وشفار الوادي { فإن تابوا } ورجعوا عن الشرك، ومالوا إلى الإيمان { و } بعد إيمانهم { أقاموا الصلوة } التي هي علامة إيمانهم وتصديقهم.

{ وءاتوا الزكوة } التي تطهر قلوبهم عن أمارات النفاق { فخلوا سبيلهم } كسائر المسلمين تتذكروا، وتلتفتوا بما صدر عنهم من المخالفة والمقاتلة والشقاق فيمامضى { إن الله } المصلح لأحوال عباده { غفور } لما صدر عنهم من المعاصي والآثام { رحيم } [التوبة: 5] لهم يوصلهم إلى دار السلام بعدما أخلصوا الإنابة والرجوع.

[9.6-7]

{ وإن أحد من المشركين } المناقضين الذين أممرت بقتلهم وأسرهم { استجارك } وطلب منك جوارك؛ ليأمنه عما يؤذيه { فأجره } أي: فعليك يا أكمل الرسل على مقتضى شفقة النبوة والرسالة أن تجيره وتؤمنه في جوارك { حتى يسمع كلام الله } الهادي لعباده ويفهم سرائر دينك وشعائر شريعتك كأنه يطلع على حققته؛ لأن أصل فطرة كل أحد وجبلته على الإسلام.

{ ثم } بعد حصول ألياس عن الإيمان من إيمانه وتنبهه { أبلغه مأمنه } أي: موضع أمنه ومحل قرانه تتميما للشفقة المروءة { ذلك } الأمن والمواساة والتليين المأمور { بأنهم قوم } في غاية البعد عن الإيمان وما يترتب عليه من المؤاخاة والمواساة، وأنواع الخيرات والمبرات { لا يعلمون } [التوبة: 6] أي: لا يطمعون ولا يتوقعون صدورها من أهل الإيمان، فمتى صدر منكم أمثال هذه عسى أن يتحاببوا ويتقربوا إليكم.

ثم قال سبحانه: { كيف يكون للمشركين } المصرين على الشرك والعناد، المبالغين في العتو والاستكبار { عهد } مقبول { عند الله وعند رسوله } إذ هم من غاية انهماكهم في كفرهم وضلالهم لا يلتفتون إلى الله ورسوله؛ لذلك لا يقبل منهم العهد والميثاق، بل أمرهم إما السيف وإما الإسلام.

نامعلوم صفحہ