[7.193-195]
ثم قال سبحانه: { وإن تدعوهم } أيها المؤمنون، الموحدون المشركين المصريين على الشرك { إلى الهدى } أي: الإسلام الموصل لهم إلى توحيد الحق { لا يتبعوكم } لخبث طينتهم، بل { سوآء عليكم } أيها المؤمنون المريدون إهداء هؤلاء الغواة { أدعوتموهم } أي: دعوتكم إياهم إلى الإسلام { أم أنتم صمتون } [الأعراف: 193] ساكتون عن الدعوة، بل عن الالتفات إليهم مطلقا؛ لشدة قساوتهم وغلظة غشاوتهم.
ثم قال سبحانه تبكيتا للمشركين: { إن الذين تدعون } وتعبدون أيها الضالون المشركون { من دون الله } المتفرد بالألوهية، المتوحد بالربوبية { عباد أمثالكم } أي: هم مخلوقون أمثالكم، بل أسوء حالا منكم؛ لكونهم جمادات لا شعور لها، كيف سميتوها معبودات تعبدونها كعبادة الله، وإن اعتقدتم إلهيتهم وتأثيرهم { فادعوهم } بإنزال العذاب على مخالفيكم { فليستجيبوا لكم } ألبتة؛ لكونكم عبادا لهم { إن كنتم صادقين } [الأعراف: 194] في أنهم آلهة؛ فكيف تعتقدون أيها الحمقى إلهية هؤلاء الجمادات التي تنحتونها بأيديكم من الأحجار والأخشاب، والإله منزه عنها، متعال عن أمثالها، وأيضا كيف تعتقدون تأثير هؤلاء؟!.
{ ألهم أرجل يمشون بهآ } فيؤثرون بسببها { أم لهم أيد يبطشون بهآ أم لهم أعين يبصرون بهآ أم لهم آذان يسمعون بها } والتأثير مسبوق بهذه القوى، كيف وشرط التأثير الحياة؟ ولا حياة لهم أصلا، فكيف يؤثرون؟ وأنتم كيف تثبتون لهم التأثير، أفلا تعقلون؟ { قل } يا أكمل الرل تبكيتا لهم وإلزاما: { ادعوا شركآءكم } الذين تدعون مشاركتهم مع الله واستظهروا منهم { ثم كيدون } وامكروني بمظاهرتهم؛ بحيث لا أطلع بمكركم أصلا { فلا تنظرون } [الأعراف: 195] تمهلون مدة حتى أتأمل فيه وأطلع عليه، وأشتغل لدفعه، وبالجملة: لا أبالي بولاية غير الله ونصره وحفظه إياي بكم وبمكركم، وبمكر شركائكم ومعاونيكم.
[7.196-200]
{ إن وليي } وحافظي، ومولي جميع أموري { الله } القادر القيوم { الذي نزل الكتاب } أي: القرآن؛ لنصري وتأييدي { و } من غاية لطفه { هو } سبحانه بنفسه { يتولى الصالحين } [الأعراف: 196] من عباده ويحفظهم من مكر المكارين، سيما الأنبياء الذين هم في كنف جواره وحوزة حفظه، يحفظهم عن جميع ما يؤذيهم.
{ و } كيف لا يحفظهم سبحانه عن تأثير هؤلاء الأصنام { الذين تدعون } أنتم أيها الضالون { من دونه } سبحانه وتستنصرون منه، وهم { لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون } [الأعراف: 197] أي: كيف ينصرونكم، وهم لا ينصرون أنفسهم لعدم استعدادهم وقابليتهم.
{ و } من خبث طينتهم وشدة شكيمتهم وضغينتهم { إن تدعوهم } أيها المؤمنون أولئك المشركين الضالين { إلى الهدى } ودين الإسلام { لا يسمعوا } ولا يقبلوا مع ورود هذه الدلائل الواضحة { وترهم } أيها المتبر الرائي { ينظرون إليك } ويسعون ويسمعون منك الأدلة القاطعة { وهم } من خبث طينتهم وجهل جبلتهم { لا يبصرون } [الأعراف: 198] إلى أصنامهم، ولا يتأملون ولا يتفطنون أن ما ينسبون إلى هؤلاء من الشفاعة والشركة وهم زائل وخيال باطل، وخروج عن مقتضى العقل الفطري، بل يصرون على ما هم عليه؛ عتوا وعنادا.
وإذا كان حالهم هذه وإصرارهم بهذه الغاية { خذ العفو } أي: اختر يا أكمل الرسل طريق العفو واللين، واترك الغضب والخشونة على مقتضى شفقة النبوة { وأمر بالعرف } أي: ادع إلى سبيل ربك بالحكملة والموعظة الحسنة القوم الذين تفرست منهم الرشد بنور النبوة والولاية { وأعرض عن الجاهلين } [الأعراف: 199] المصرين، وإن جادلوك جادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك أعلم منهم بمن ظل عن سبيله، وهو أعلم أيضا بالمهتدين منهم.
{ وإما ينزغنك } ينخسنك ويشوشنك { من الشيطن } المثير للقوى الغضبية والحمية الجاهلية { نزغ } وسوسة وإغراء يحملك على الغضب، ويخرجك عن مقتضى ما أمرت به من الحلم والملاينة { فاستعذ بالله } من غوائله، وارجع إليه من وسوسته وتحايله يكفيك سبحانه مؤمنة شروره وإغوائه { إنه } سبحانه بذاته { سميع } لمناجاتك { عليم } [الأعراف: 200] بحاجاتك.
نامعلوم صفحہ