{ قل } يا أكمل الرسل أيضا للنصح لعلهم ينتهون: { أرأيتم } أخبروني { إن أخذ الله سمعكم } فأصمكم { وأبصاركم } فأعماكم { وختم على قلوبكم } بغطاء الغفلة فلا تحسوا ولا تعلموا ولا تفهموا أصلا { من إله غير الله } الواحد الأحد القادر المتقدر { يأتيكم } ويرجعكم { به } أي: بالمأخوذ { انظر } أيها الرائي { كيف نصرف } نكرر لهم { الآيات } لينتبهوا تارة عقلا، وتارة تذكيرا وعظة، وتارة عبرة واعتبارا { ثم هم يصدفون } [الأنعام: 46] أي: ثم انظر كيف يعرضون عن جميعها من قساوة قلوبهم وخبث طينتهم.
{ قل } لهم أيضا: { أرءيتكم إن أتكم عذاب الله بغتة } فجأة بلا سبق مقدمة وأمارة { أو جهرة } مع سبق المقدمات والأمارات { هل يهلك } أي: من سنته سبحانه ما يهلك بأمثال هذه العاذب الفجائي أو الجهري { إلا القوم الظلمون } [الأنعام: 47] الخارجون عن مقتضى أوامر الله ونواهيه الجارية على ألسنة الرسل المؤدين من عنده.
{ و } كيف لا نهلك الظالمين ولا نعذبهم؛ إذ { ما نرسل المرسلين إلا مبشرين } لمن آمن بنا وامتثل بأوارمنا واجتنب عن نواهينا { ومنذرين } لمن يؤمن ولم يمتثل ولم يجتنب { فمن ءامن } منهم بعدما سمع الدعوة من ألسنة الرسل { وأصلح } بالإيمان والتوبة ما أفسد من قبل { فلا خوف عليهم } حين وصولهم إلينا { ولا هم يحزنون } [الأنعام: 48] من سوء المنقلب والمآب.
[6.49-52]
{ والذين كذبوا بآياتنا } المنزلة على رسلنا، ولم يعملوا بمقتضاها { يمسهم العذاب } الذي يحيطهم من جميع جوانبهم { بما كانوا يفسقون } [الأنعام: 49] أي: بسبب فسقهم وخروجهم عن مقتضى أوامرنا ونواهينا.
{ قل } لهم يا أكمل الرسل كلاما ناشئا عن محض الحكمة تليينا لقلوبهم: { لا أقول لكم عندي خزآئن الله } أي: جميع مراداته ومقدوراته { ولا } أدعي أني { أعلم الغيب } أي: جميعه؛ إذ هما مما استأثر الله به لا يحوم حوله أحد من خلقه { ولا أقول لكم } أيضا: { إني ملك } إذ أنا بشر من جنسكم بل أقول لكم: { إن أتبع } أي: ما أتبع { إلا ما يوحى إلي } من عنده لأبلغكم به وأخبركم عنه، والهداية والضلال بيد الله يهدي من يشاء ويضل من شاء، وإن أنكروا لياقة البشر لوحي الله وإلهامه { قل } لهم على سبيل الالتزام: { هل يستوي } عندكم البشر { الأعمى } عن مطالعة عجائب مصنوعات الحق وغرائب مختراعاته { والبصير } المشاهد المطالع لها { أ } تشكون فيما بينهما من التفاوت { فلا تتفكرون } [الأنعام: 50] وتتأملون حتى ينكشف ويتميز عندكم الحق الصريح من الباطل الزائل الزائغ.
{ وأنذر به } أي: أنذر بما يوحى إليك يا أكمل الرسل { الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } مع كونهم معتقدون أن { ليس لهم من دونه ولي } يولي أمرهم غيره { ولا شفيع } يشفع لهم عنده حتى ينقذهم من عذابه { لعلهم يتقون } [الأنعام: 51] لكي يتقوا ويحسنوا العمل لرضاه.
{ و } بعدما أرسلناك يا أكمل الرسل، لتزويج الحق وتقوية أهله { لا تطرد } لا تبعد عن عندك { الذين يدعون ربهم بالغداة } أي: في جميع أوقات النهار { والعشي } أي: في جميع أوقات الليل، وبالجملة: يستغرقون جميع أوقاتهم بالتوجه نحوه سبحانه إنما { يريدون } بتوجههم غير أن يطالعوا { وجهه } الكريم بسبب ميلك إلى أيمان أهل الأهواء ومصاحبتهم ومجالستهم، مع أنهم ليسوا من أهل الفلاح ولا قابلين له بل { ما عليك من حسابهم } وإيمانهم { من شيء } يعود إليه نفعه { وما من حسابك } وإيمانك { عليهم من شيء } بل كل منك، ومنهم مجزي بما عمل ومسئول عما فعل { فتطردهم } أي: هؤلاء المؤمنين المريدين وجه الكله في جميع أوقاتهم وحالاتهم؛ لأجل أولئك المنهمكين في الضلال { فتكون } بواسطة طردهم وتبعيدهم { من الظالمين } [الأنعام: 52] الخارجين عن مقتضى العقل والشرع والمرءوة.
" روي أن قريشا قالوا: لو طردت يا محمد هؤلاء السلفة - أرادوا عمارا وصهيبا وسلمان وغيرهم - جلسنا إليك وحدثنا معك فقال صلى الله عليه وسلم: " وما أنا بطارد المؤمنين ".
قالوا: فأقمهم من مجلسنا إن جلسنا معك.
نامعلوم صفحہ