[4.93-94]
{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا } مباشرا على قتله إرادة واختيارا، والعمد على الوجه من إمارات الاستحلال { فجزآؤه } أي: جزاء المستحل ووبال وزره لا يسقط عنه لا بالتحرير ولا بالدية، ولا بالصوم والصدقة، بل جزاؤه { جهنم } البعد عن جوار الله يصير { خلدا فيها } مؤبدا إلى ما شاء الله { و } مع خلوده في نار الخذلان والحرمان { غضب الله عليه } أي: أخذه وأخزاه بأنواع الخزي والمذلة { ولعنه } طرده عن حضوره، وأسقطه عن مرتبة خلافته { وأعد له } أي: هيأ له { عذابا عظيما } [النساء: 93] بحيث لا يصغو معه، ولا ينظر إليه أبدا.
نعوذ بك من غضبك وسخطك يا أرحم الراحمين.
ومن عظم أمر القتل عند الله، وإزالة الحياة التي حصل من نفخ الروح الذي أضافه لنفسه، أمر سبحانه على المؤمنين الذين يقصدون بالقتال والجهاد رضاء الله وإعلاء دينه ترويج توحيده بالتبيين والتفتيش فيه على وجه المبالغة؛ حتى لا يؤدي إلى تخريب بنائه وإبطال صنيعه، فقال مناديا: { يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم { إذا ضربتم } سافرتم للجهاد { في سبيل الله } لإعلاء كلمة توحيده، وانتصار دين نبيه { فتبينوا } فاطلبوا بيان الأمر والحال من كل من استقبل عليكم، ولا تبادروا إلى قتل بلا تفتيش حالة { و } خصوصا { لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام } الإطاعة والانقياد { لست مؤمنا } بل كافرا مداهنا خائفا تبادر علينا بالإطاعة حفظا لدمك ومالك حال كونكم { تبتغون } تطلبون بهذا القول { عرض الحيوة الدنيا } أي: متاعها التي هي حطام زائلة، وأثاث باطلة { فعند الله } لكم إن امتثلتم لأمره ورضيتم { مغانم كثيرة } مما تتلذذ به نفوسكم يغنيكم عن حطام الدنيا ومزخرفاتها، بادروا إليها، ولا تميلوا إلى لذاتها الفانية.
{ كذلك } أي: مثل ما ألقى إليكم السلم { كنتم من قبل } أي: قبل رسوخكم على الإيمان واطمئنانكم على شعائر الإسلام تفوهتم بكلمتي الشهادة، وأظهرتم الإيمان والإطاعة لحفظ دمائكم وأموالكم { فمن الله عليكم } بالتمكن والاطمئنان والعزيمة الصحيحة والاستقامة في شعائر الإسلام، { فتبينوا } أيضا عن حالهم، واقبلوا منهم قالوا كما قبل الله منكم من قبل؛ رجاء أن ينكشفوا بما انكشفتم { إن الله } المطلع بسرائركم وضمائركم { كان } في سباق علمه { بما تعملون } من الأغراض المؤدية إلى الحطام الدنيوية { خبيرا } [النساء: 94] علميا لا يعزب عن علمه وخبرته شيء.
روي أن سرية من أصحاب رسول الله غزت أهل فدك، فهربوا وبقي لها مرداس اعتمادا على إسلامه، فلما رأى الخيل ألجأ عنمه إلى شعب الجبل وصعد عليه، فلما تلاحقوا كبروا وكبر أيضا، ونزل وقال: لا إله إلى الله محمد رسول الله السلام عليكم يا أصحاب رسول الله، مرحبا بكم وبقدومكم فقتله أسامة، واستاق غنمه، فنزلت.
[4.95-96]
ثم قال سبحانه: { لا يستوي القعدون } عن الحرب { من المؤمنين } حال كونكم { غير أولي الضرر } من الدم والمرض الذمامة وغيرها { والمجهدون في سبيل الله بأمولهم وأنفسهم } ابتغاء لوجه الله وطلبا لمرضاته { فضل الله المجهدين بأمولهم وأنفسهم على القعدين درجة } عظيمة وفاء لحق ما اجتهدوا في سبيه { و } إن كان { كلا } منهم ممن { وعد الله } لهم المثوبة { الحسنى } والمراتب العظمى والدرجة العليا { وفضل الله المجهدين } زيادة { على القعدين أجرا عظيما } [النساء: 95] هو الفوز بمرتبة الشهادة.
وفضل الله لهم في تلك المرتبة { درجات منه } بعضها قريب، وبعضها أقرب إلى ما يشاء الله { ومغفرة } لذنوبهم بالمرة كيوم الولادة { ورحمة } خاصة لهم بأن يكونوا عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله { وكان الله } المراقب لأحوال عباده { غفورا } لذنوبهم { رحيما } [النساء: 96] لهم يرحمهم حسب فضله وطوله.
[4.97-99]
نامعلوم صفحہ