وفقنا بكرمك وجودك لما تحبه عنا وترضى.
{ و } من مقتضى إيمانكم أيها المؤمنون المحمديون المتوجهونن نحو توحيد الذات من محجة الفناء والرضا بما نفذ عليه القضاء، فعليكم أن { لا تتمنوا } تمني المتحسر المتأسف حصول { ما فضل الله به } في النشأة الأولى { بعضكم على بعض } من الجاه ولمال والمكانة الرفيعة في عالم الصورة؛ إذ هي ابتلاء واختبار لهم وفتنة تبعدهم عن طريق الفناء، وتوقعهم في التكثر والتشتت، والموحدون المحمديون لا بد له أن يقتفوا أثر نبيهم صلى الله عليه وسلم في ترك الدنيا وعدم الالتفات نحوها إلا ستر عورة وسد جوعة؛ إذ الإضافة والتمليك مطلقا مخل بالتوحيد، والغنى المطغي جالب للعذاب الأخروي.
ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذاباها كان غراما.
واعملوا أيها المحمديون السالكون سبيل الفناء لتفوزوا بجنة البقاء أن لكم عند ربكم درجات ومداخل متفاوتة بتفاوت استعداداتكم المترتبة على ترتيب الأسماء والصفات الإلهية؛ إذ { للرجال } أي: للذكور الكمل لكل منكم على تفاوت طبقاتهم { نصيب } حظ من التوحيد الذاتي هو مقرهم وغاية مقصدهم حاصل لهم { مما اكتسبوا } من الرياضات والمجاهدات المعدة لفيضان المكاشفات والمشاهدات { و } كذا { للنسآء } منكم مع تفاوت طبقاتهن { نصيب مما اكتسبن } في تلك الطريق؛ إذ كل ميسر لما خلق له وعليكم التوجه نحو مقصدكم { واسألوا الله من فضله } يا عباده لييسر لكم ما يعينكم ويجنبكم عما لا يعنيكم ويغويكم { إن الله } الميسر لأمور عباده { كان بكل شيء } مما صدر عنهم من صلاح وفساد { عليما } [النساء: 2] بعلمه الحضروري، يصلح لهم وييسر عليهم الهدى بقدر استعداداتهم وقابلياتهم.
ثم قال سبحانه: { ولكل } من الأسلاف الذين مضوا { جعلنا } من محض جودنا وحكمتنا { مولي } أخلافا يولونهم ويوالونهم ويأخذون { مما } أي : من الأموال التي { ترك الولدان و } كذا مما ترك { الأقربون } من ذوي الأرحام { و } كذا من متروكات { الذين عقدت أيمنكم } بالنكاح والزواج على الوجه المشروع { فآتوهم } أيها الحكام { نصيبهم } أي: نصيب كل من الولاة على الوجه المفروض { إن الله } المدبر لمصالح عباده { كان } في سابق علمه { على كل شيء } من الحوادث الكائنة { شهيدا } شيهدا [النساء: 44] حاضرا مطلقا.
[4.34-35]
ثم نبه سبحانه على تفضيل { الرجال } المعتدلة المزاج المستقيمة العقول { قومون } حافظون { على النسآء } إذ لا بد لهن لضعفهن من حفيظ يرقبهن عما يشتهين؛ صيانة لعفتهن { بما فضل الله } به { بعضهم على بعض } أي: بعض بني آدم على بعض، وهو الحمية المنبعثة من كمال العقل { وبمآ أنفقوا } لهن { من أمولهم } التي حصلت لهم من مكاسبهم { فالصلحت } العفائف من النساء { قنتت } مطيعات لأزواجهن، خادمات لهم ظاهرا { حفظت للغيب } أي: لحقوقهم المخفية الباطنة عنهم، تابعات ممتثلات { بما حفظ الله } لهن من رعاية أزواجهن وعدم الخيانة في حقوقهم.
{ و } النساء { التي تخافون نشوزهن } عصيانهن وعدم خفظهن بحقوق الزواج من أمارات ظهرت منهن { فعظوهن } أي: فعليكم أيها الأزواج أن تعظوهن رفقا بما وعظ الله لهن من رعاية حقوق الله وحقوق الأزواج لعلهن يفطن ويتركن ما عليهن { و } إن لم يتركن { اهجروهن } اتركوهن { في المضاجع } وحدية فلا ترجعوا إليه، بل اعتزلوا عنهن لعلهن يتأثرن بها { و } إن لم يتأثرن بها أيضا { اضربوهن } ضربا مؤلما غير متجاوز عن الحد { فإن أطعنكم } بامتثال هذه التأديبات { فلا تبغوا } لا تطلبوا { عليهن } لطلاقهن وإخراجهن { سبيلا } استعلاء وترفعا { إن الله } المصلح لأحوال عباده { كان عليا } في شأنه { كبيرا } [النساء: 34] في أحكامه، لا ينازع في حكمه، ولا يسأل عن أمره.
{ وإن } تطالوت الخصومة والنزاع بينهما حتى { خفتم } وظننتم أيها الحكام { شقاق بينهما } وآيستم عن المصالحة والوفاق { فابعثوا } أي: فعليكم أيها الحكام أن بعثوا { حكما } مصلحا ذا رأي { من أهله } أي: من أقاربه { وحكما } مثل ذلك { من أهلهآ } ليصيرا وكيلين عنهما يصلحا صلاحا وطلاقا وخلعا وفداء، ثم { إن يريدآ } أي: الحكمان { إصلحا } لأمرهما ورفعا لنزاعهما { يوفق الله بينهمآ } إن رضيا بمصالحتهما وإلا فليرفعا عقد النكاح بينهما على أي طريق كان { إن الله } المطلع لضمائر عباده { كان عليما } بنزاعهما { خبيرا } [النساء: 35] بما يؤول إليه النزاع.
[4.36-37]
نامعلوم صفحہ