بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
[ خطبة المؤلف ]
الحمد لله الذي خص أهل الحقائق لخواص إفراده وجعلهم أهل الفهم لخطابه ، | والعالمين بلطائف ودائعه ، في كتابه المنزل ^ ( الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من | حلفه ) ^ فأخبروا عن معاني خطابه بمقدار ما فتح الله على كل واحد منهم ، من لطائف | أسراره ومعانيه ونطقوا عن فهم كتابه بحسب ما سنح لهم من بدائعه ، على أنه ما نطق | أحد عن حقيقة حقائقه ، وإنما أخبر عن مقدار ما يليق بفهمه بل قصرت الإفهام عن | إدراك حقائقه واستيعاب فوائده إلا على معاني المكاشفات والمنازلات متحيرون عن طرف | منه بإشارات حقيقة وتدق إلا على أربابها لأنه كتاب عزيز نزل من عند عزيز على أعز | الخلق نسمة وأشرفهم نعمة ، صلى الله عليه وعلى جميع أنبيائه ورسله .
صفحہ 19
ولما دانت المتوسمين بالعلوم الظواهر ، صنفوا في أنواع القرآن ، من فوائد ومشكلات | وأحكام وإعراب ولغة ومجمل ومفسر وناسخ ومنسوخ وإعراب ما يشغل منهم لجميع | فهم خطابه على حساب الحقيقة إلا آيات متفرقة نسبت إلى أبي العباس بن عطاء | | وآيات ذكر أنها ن جعفر بن محمد عليه السلام على غير ترتيب ، وكنت قد سمعت | منهم في ذلك جزءا استحسنتها أحببت أن أضم ذلك إلى مقالتهم وأضم أقوال المشايخ | أهل الحقيقة إلى ذلك ، وأرتبه على السور حسب وسعى وطاقتي فاستخرت الله في | جميع ذلك شئ منه ، واستعنت به في جميع أموري وهو حسبي ونعم المعين .
- أخبرنا محمد بن عبد الله بن قريش قال حدثنا الحسن بن سفيان الفسوى قال حدثنا | أبو موسى الأنصاري وعباس القرشي قالا حدثنا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن أبي | جحيفة قال سألت عليا رضي الله نه هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ من الوحي | سوي القرآن ؟ قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطى الله عبدا فهم كتابه . | الحديث . . . |
صفحہ 20
- أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن زياد الدقاق قال : حدثنا محمد بن | إسحاق قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال أخبرنا جرير عن واصل بن حبان | عن ابن أبي الهذيل عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : | ' إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، لكل آية منه ظهر وبطن ولكل حرف حد | ومطلع ' . |
صفحہ 21
وحكى عن جعفر بن محمد أنه قال : كتاب الله على أربعة أشياء : العبادة والإشارة | واللطائف والحقائق . فالعبادة للعوام ، والإشارة للخواص ، واللطائف للأولياء والحقائق | للأنبياء .
صفحہ 22
وقال على بن أبي طالب كرم الله وجهه : ما من آية إلا ولها أربعة معان : ظاهر | | وباطن وحد ومطلع ، قال : الظاهر التلاوة ، والباطن الفهم ، والحد هو عبارة وإشارة ، | وأحكام الحلال والحرام , والمطلع مراده من العباد بها وجعل القرآن عبارة وإشارة | ولطائف وحقائق ، فالعبادة للسمع والإشارة للعقل واللطائف للمشاهدة والحقائق | للاستسلام . | | <
> سورة فاتحة الكتاب <
> | ' سبع آيات ' | <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
>
قيل : إنها سميت فاتحة الكتاب لأنه فتح عليك فاتحته لذيذ مناجاته فكانت فاتحة لكل | خير ، وقيل أيضا : فاتحة الكتاب ؛ أنه أوائل ما فتحناك من خطابنا ، فإن تأدبت وإلا | حرمت لطائف ما بعده من لطائفه .
ﵟبسم الله الرحمن الرحيمﵞ
. < <
الفاتحة : ( 1 ) بسم الله الرحمن . . . . .
> >
قال أبو القاسم الحكيم : ' بسم الله الرحمن الرحيم ' إشارة إلى المودة بدءا .
حكي عن العباس بن عطاء أنه قال : الباء بره لأرواح الأنبياء بإلهام الرسالة والنبوة ، | والسين سره مع أهل المعرفة بإلهام القربة والأنس .
والميم منته على المريدين بدوام نظره إليهم بعين الشفقة والرحمة .
وقال الجنيد في ' بسم الله الرحمن الرحيم ' : بسم الله هيبته ، وفي الرحمن عونه ، | وفي الرحيم مودته ومحبته . وقيل الباء في ' بسم الله ' بالله ظهرت الأنبياء وبه فنيت | وبتجليه حسنت المحاسن وباستناره فتحت وسمحت .
صفحہ 24
وحكى عن الجنيد رحمه الله أنه قال : إن أهل المعرفة نفوا عن قلوبهم كل شيء | سوى الله عز وجل ، وصفوا قلوبهم لله ، وكان أول ما وهب الله تعالى لهم فناهم عن | كل شيء سوى الله قولوا بسم الله إلينا فانتسبوا ودعوا انتسابكم إلى آدم عليه السلام .
وقيل أيضا : إن ' بسم ' لبقاء هياكل الخلق ، فلو افتتح كتابه باسمه ؛ لذابت تحت | حقيقتها الخلائق إلا من كان من نبي أو ولي ، والاسم بنور نعيم الحق على قلوب أهل | معرفته .
وقيل في ' بسم الله ' : إنه صفاة أهل الحقيقة لئلا يتزينوا إلا بالحق ، ولا يقسموا إلا | به .
وقال أبو بكر بن طاهر : الباء سر الله بالعارفين ، والسين السلام عليهم ، والميم | محبته لهم .
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إن صح هذا ، الباء بهاؤه والسين سناؤه ، والميم مجده . |
صفحہ 25
وقيل : إن الباء في ' بسم الله ' إلينا وصلهم إلى ' بسم الله ' .
سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول : سمعت | أبا جعفر الملطي يذكر عن علي بن القاسم موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد | عليه السلام قال : ' بسم ' الباء بقاؤه والسين أسماؤه والميم ملكه ، فإيمان المؤمن ذكره | ببقائه وخدمة المريد ذكره بأسمائه ، والعارف عن المملكة بالمالك لها .
وقال أيضا : ' بسم ' ثلاثة أحرف : باء وسين وميم فالباء باب النبوة ، والسين سر | النبوة الذي أسر بها النبي صلى الله عليه وسلم به إلى خواص أمته ، والميم مملكة الدين الذي أنعم به | للأبيض والأسود ، وأما ' الله ' فإن محمد بن موسى الواسطي قال : ما دعى الله أحد | باسم من أسمائه ، إلا ولنفسه في ذلك نصيب إلا قوله ' الله ' ، فإن هذا الاسم يدعوه | إلى الوحدانية وليس للنقص فيه نصيب ، وقيل : كل أسمائه تقتضي عوضا عند الدعاء | إلا ' الله ' ، فإنه اسم تفرد الحق به . وقيل : كل من قال : ' الله ' فمن عادة قالها إلا من | غيب عن شاهده ، وقام الحق بتوليته عنه ، عند ذاك زالت العيوب والزلل .
صفحہ 26
وقال الحسين : بسم الله منك منزلة ' كن ' منه فإذا أحسنت أن تقول : ' بسم الله ' | | وأنكرت فيه فضل من الله أن تقول الله وأنتم عند الغفلة والحيرة تحققت الأشياء بقولك | ' بسم الله ' كما يتحقق له كن .
وحكي عن الشبلي أنه قال : ما قال الله أحد سوى الله ، فإن كل من قاله قاله | بحظ وأنى يدرك الحقائق الحظوظ . |
صفحہ 27
وقال أبو سعيد الخراز في كتاب درجات المريدين : ومنهم من جاوز نسيان حظوظ | نفسه ، فوقع في نسيان حظه من الله ونسيان حاجته إلى الله فهو يقول : لا أوركها أريد | وما أقواه وما أنا ومن أين أنا ، ضاع اسمي فلا اسم لي ، وجهلت فلا علم لي ، | وضللت فلا جهل لي ، وأسوق إلى من يعرف أقول فيساعدني فيما أقول ، وإذا قيل | لأحدهم ما تريد قال : الله وما تقول الله قال وما علمت قال : الله فلو تكلمت جوارحه | لقالت : الله وأعضاؤه ومفاصله ممتلئة من نور الله المخزون عنده ، ثم يصيرون في القرب | إلى غاية لا يقدر أحد منهم أن يقول الله ؛ لأنه ورد في الحقيقة على الحقيقة ومن الله | على الله ولا حيرة ، ومعناه لا حيرة فيما فيه الحيرة .
صفحہ 28
وسئل الحسين بن منصور هل ذكره أحد على الحقيقة فقال : كيف يذكر على | الحقيقة من لا أمد لكونه ولا علة لفعله ليس له كدك ، ولا لغيبه هدك له من الأسماء | معناها والحروف مجراها إذ الحروف مبدوعة والأنفاس مصنوعة ، والحروف قول القائل | تنزغن ذلك من الأحوال خلقة ، رجع الوصف في الموصف ، وعمى العقل عن الفهم ، | والفهم عن الدرك ، والدرك عن الاستنباط ، ودار الملك في الملك ، وانتهى المخلوق إلى | | مثله ، عدا قدره الظن ، ودها نوره الغيبة .
وقيل : إن الألف الأول من اسمه الله ابتداؤه ، واللام الأول لام المعرفة ، واللام | الثاني لام الآلاء والنعماء والسطر الذي بين اللامين معاني مخاطبات الأمر والنهي ، | والهاء نهاية مما تكن العبادة عنه من الحقيقة لا غير .
وقيل : إن الألف آلاء الله ، واللام لطف الله واللام الثاني لقاء الله والهاء هيبة بآلاء | الله فوله به المحبون والمشتاقون حين عجزوا عن علم شيء منه .
صفحہ 29
وحكى أن أبا الحسين النوري بقي في منزله سبعة أيام لم يأكل ولم ينم ولم | | يشرب ، ويقول في ولهه ودهشه : الله الله ، وهو قائم يدور فأخبر الجنيد بذلك فقال : | انظروا أمحفوظ عليه أوقاته أم لا ؟ فقيل : إنه يصلي الفرائض فقال : الحمد لله الذي لم | يجعل للشيطان عليه سبيلا ثم قال : قوموا حتى نزوره إما نستفيد منه أو نفيده فدخل | عليه وهو في ولهه قال : يا أبا الحسين ما الذي دهاك ؟ قال : أقول : الله الله زيدوا علي | فقال له الجنيد : انظر هل قولك الله الله أم قولك قولك إن كنت القائل الله فالله ولست | القائل له وإن كنت تقوله بنفسك فأنت مع نفسك فما معنى الوله فقال : نعم الود | فسكنت وسكن عن ولهه فكان الشبلي يقول : الله فقيل له لم لا يقول لا إله إلا الله ؟ | فقال : لا أنفي به ضدا .
وقيل في قوله : الله هو المانع الذي يمنع الوصول إليه لما امتنع هذا الاسم عن | الوصول إليه حقيقة كانت اللذات أشد امتناعا لعجزهم في إظهار اسم الله ، ليعلموا | بذلك عجزهم عن ذكر ذاته .
وقيل في قوله الله : الألف إشارة إلى الوحدانية واللام إشارة إلى محو الإشارة ، | واللام الثاني إشارة إلى محو المحو في كشف الهاء .
وقيل : إن الإشارة في الألف هو قيام الحق بنفسه وانفصاله عن جميع خلقه ولا | اتصال له بشيء من خلقه كامتناع الألف أن يتصل بشيء من الحروف ابتداء بل تتصل | الحروف به على حد الاحتياج إليه واستغنائه عنها .
وقيل : إنه ليس من أسماء الله عز وجل اسم يبقى على إسقاط كل حرف منه اسم | الله إلا الله فإنه الله ، فإذا أسقطت منه الألف يكون ' لله ' فإذا أسقطت إحدى لاميه | يكون ' له ' فإذا أسقطت اللامين بقي ' الهاء ' وهو غاية الإشارات .
وأما وله الخلق في تولهم فمنهم من وله سره في عظمة جلاله ، ومنهم من وله | قلبه في وجوه معرفته ، ومنهم من وله لسانه بدوام ذكره .
وحكي عن ابن الشبلي قال في تجلي الجنيد في ولهه : الله فقال له الجنيد : يا أبا | بكر الغيبة حرام أي أن ذكر الغائب غيبة فإن كنت غائبا فالذكر غيبه وإن كنت تذكره عن | مشاهدة فهو ترك الحرمة . |
صفحہ 30
وقيل : من قال الله بالحروف ، فإنه لم يقل الله لأنه خارج عن الحروف والخصوص | والأوهام ولكن رضى منك بذلك لأنه لا سبيل إلى توحيده من حيث لا حال ولا قال .
وقيل إن معنى قول الله : إن الأسماء كلها داخل في هذا الاسم وخارج منه ، يخرج | من هذا الاسم معنى الأسماء كلها ولا يخرج هذا الاسم من اسم سواه وذلك أن الله | عز وجل يفرد به الاسم دون خلقه وشارك خلقه في اشتقاقات أساميه .
وقال بعض البغدادين : ليس الله ما يبدو لكم وبكم ووالله والله ما هذا فهو الله هذه | حروف تبدو لكم وبكم ، فإذا انظهر انتقيت فمعناه ها هو الله ، وقال أبو العباس بن | عطاء : قوله : ' الله ' هو إظهار هيبته وكبريائه .
وكتب أبو سعيد الخراز إلى بعض إخوانه : هل هو إلا الله ، وهل يقدر أحد أن يقول | الله إلا الله ، وهل يرى الله إلا الله ، وهل عرف الله أو يعرفه إلا الله ، وهل كان قبل | العبد وقبل الخلق إلا الله ، وهل الآن في السموات وفي الأرضين وما بينهما إلا الله ؟ إذ | لم تكونوا فكونوا بالله ولله .
قال أبو سعيد الخراز : رأيت حكيما من الحكماء فقلت له : ما غاية هذا الأمر قال : | الله . قلت : فما معنى قولك الله ؟ قال : يقول اللهم دلني عليك وثبتني عند وجودك ولا | تجعلني ممن يرضى بجميع ما هو ذلك عوضا وأقر قراري عند لقائك .
وقال أبو سعيد : إن الله عز وجل أول ما دعا عباده دعاهم إلى كلمة واحدة فمن | فهمها فقد فهم ما وراءها وهي قوله ' الله ' ألا يراه يقول قل هو الله فتم به الكلام لأهل | الحقائق ثم زاد بيانا للخاص فقال : أحد ، ثم زاد بيانا للأولياء فقال : الصمد ، ثم زاد | بيانا للعوام ، فقال : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فأهل الحقائق استغنوا | باسمه الله وهذه الزيادات لمن نزلت مرتبته عن مراتبهم .
وقيل : إن كل أسمائه تتهيىء أن يتخلق به إلا قوله الله فإنما هو للتعلق دون التخلق | وقيل : إن الإشارة في ' الله ' هو اتصال اللامين والهاء وانفصال الألف عنه أي إنما | أشرتم به إلى الله من ألف التعريف منفصل عني لا بكم بإياكم .
يقولون : وما كان من صفاتي فإنه متصل به كلله حيث اتصلت حروفه .
صفحہ 31
سمعت منصورا بإسناده عن جعفر أنه قال في قوله ' الله ' : إنه اسم تام لأنه أربعة : | أحرف الألف وهي عمود التوحيد واللام الأول لوح القلم واللام الثاني لوح النبوة | والهاء النهاية في الإشارة ، والله هو الاسم المتفرد لا يضاف إلى شيء بل تضاف الأشياء | | كلها إليه ، وتفسير المعبود الذي هو إله الخلق منزه عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته | وهو المستور عن الأبصار ، والأفهام والمحتجب بجلاله عن الإدراك .
قوله تعالى :
ﵟالرحمنﵞ
.
باسم الرحمن خرجت جميع الكرامات للمؤمنين مثل الإيمان والطاعات والولاية | والعصمة وسائر المنن وكل نعمة تدوم ولا يستحق أحد من المخلوقين هذا الاسم لأن | المخلوق عاجز عن إعطاء شيء لأحد يدوم ويبقى .
وأيضا فإن رحمة الرحمانية للمريدين بها ينفصلون عما دون الرحمن ، ولما عمت | رحمته في العاجلة على الولي والعدو في معايشهم وأرزاقهم وغير ذلك سمي رحمن .
وقيل في اسمه الرحمن : حلاوة المنة ومشاهدة القربة ومحافظة الخدمة .
وقيل : إن المحبين يتنعمون بأسرارهم في رياض معاني اسمه الرحمن فيجتنون منها | ثمرة الأنس ويشربون منها ماء القربة ويتنعمون على ضفاف أنهار القدس ويرجعون منها | برؤية الآلاء والنعماء ، والخائفون يتلذذون في قلوبهم في معاني اسمه الرحمن | ويتزودون منها حلاوة السكون والأمن ، والتائبون يتروحون بأسرارهم في معاني اسمه | الرحمن فيرجعون منها بصفا السر وطهارة القلوب ، والعاصون يمرون على ميادين اسمه | الرحمن فيرجعون منها بالندم والاستغفار .
وقال ابن عطاء : في اسمه الرحمن عونه ونصرته .
وقال الواسطي : الرحمن لا يتقرب إليه أحد إلا بصرف رحمانيته ، والرحيم يتقرب | إليه بالطاعات لأنه يشارك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ^ ( بالمؤمنين رءوف رحيم ) ^ . |
صفحہ 32
قوله تعالى :
ﵟالرحيمﵞ
.
يقال : إن معنى الرحيم هو ما يخرج من الرحمة الرحيمية لمعاش الخلق ومصالح | أبدانهم فلذلك لم يمنعوا أن يتسموا بالرحيم ومنعوا بالتسمية بالرحمن .
وقيل : إن معنى الرحيم أي بالرحيم وصلتم إلى الله وإلى الرحمن والرحيم بعث | محمدا صلى الله عليه وسلم في قوله : ^ ( بالمؤمنين رءوف رحيم ) ^ كأن معناه يقول بسم الله الرحمن | الرحيم وبالرحيم محمد وصلتم إلى أن قلتم بسم الله الرحمن الرحيم ، والرحيم هو | الذي يقبلك بجميع عيوبك إذا أقبلت عليه ، ويحفظك أتم الحفظ في العاجلة وإن | أدبرت عنه ، لاستغنائه عنك مقبلا ومدبرا .
قال ابن عطاء : في اسمه ' الرحيم ' مودته ورحمته ، سمعت منصورا بإسناده عن | جعفر في قوله ' الرحمن الرحيم ' قال : هو واقع على المريدين والمرادين ، فاسم الرحمن | للمرادين لاستغراقهم في الأنوار والحقائق ، والرحيم للمريدين لبقائهم مع أنفسهم | واشتغالهم بإصلاح الظواهر ، والرحمن المنتهى بكرامته إلى ما غاية له لأنه قد أوصل | الرحمة بالأزل وهو غاية الكرامة ومنتهاه بدءا وعاقبة ، والرحيم وصل رحمته بالياء والميم | وهو ما يتصل به من رحمة الدنيا والهدى والأرزاق .
قوله عز وجل : الحمد لله رب العالمين > 2 <
الفاتحة : ( 2 ) الحمد لله رب . . . . .
> > .
قال ابن عطاء : معناه الشكر لله إذا كان منه الامتنان على تعليمنا إياه حتى حمدناه .
وقيل معنى الحمد لله أي : لا حمدا لله إلا الله . وقيل الحمد لله أي : أنت المحمود | لجميع صفاتك وأحوالك .
قال الواسطي : الناس في الحمد على ثلاث درجات ، قالت العامة : الحمد لله على | العادة ، وقالت الخاصة الحمد لله شكرا على اللذة وقالت الآية : الحمد لله الذي لم | ينزلنا منزلة استقطعنا النعمة عن شواهد ما أشهدنا الحق من حقه .
وذكر عن جعفر الصادق في قوله ' الحمد لله ' فقال : من حمده بجميع صفاته كما | وصف نفسه فقد حمده ، لأن الحمد حاء وميم ودال فالحاء من الوحدانية والميم من | الملك والدال من الديمومة فمن عرفه بالوحدانية والملك والديمومة فقد عرفه .
وقال رجل بين يدي الجنيد رحمه الله : الحمد لله فقال لأتمها كما قال الله تعالى قل | ' رب العالمين ' فقال الرجل ومن العالمين حتى يذكر مع الحق فقال قله يا أخي فإن | المحدث إذا قرن بالقديم لا يبقى له أثر . |
صفحہ 33
وذكر عن عطاء أو غيره أنه قال : الحمد لله إقرار المؤمنين بوحدانيته وإقرار الموحدين | بفردانيته وإقرار العارفين باستحقاق ربوبيته ، فالأول إقرار بالإلهية والثاني إقرار بالربوبية | والثالث إقرار بالتعظيم .
وقيل الحمد : هو الثناء لله فثناء المؤمنين في قراءة فاتحة الكتاب وثناء المريدين بالذكر | في الخلوات وثناء العارفين في الشوق إليه والأنس به .
وقال الحسين : ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها ، والحمد النبي صلى الله عليه وسلم والمحمود الله | والحامد العبد والحميد حاله التي توصل بالمريد . | وقيل أيضا : الحمد لله رب العالمين عن العالمين قبل العالمين لعلمه بعجز العالمين عن | أداء حمد رب العالمين .
وقيل هذا رحمة للعالمين بإضافته إياهم إليه أنه ربهم .
وقيل في الحمد لله رب العالمين : إن الحمد يكون على السراء والضراء والشكر لا | يكون إلا على النعماء .
وقيل : الحمد لله يكون لاستغراق الحامد في النعمة والشكر لاستزاده .
وقيل في قوله : الحمد لله رب العالمين أي منطق العالمين لحمده .
وذكر عن ابن عطاء في قوله الحمد لله رب العالمين أي : مربى أفضل العارفين بنور | اليقين والتوفيق وقلوب المؤمنين بالصبر والإخلاص وقلوب المريدين بالصدق والوفاء | وقلوب العارفين بالفكرة والعبرة .
وقيل : رب العالمين أي هو الذي برأ العالمين بين رحمته الرحمن الرحيم حتى يؤهلهم | لتمجيده بقولهم : الحمد لله رب العالمين ، أي سبق الحمد مني لنفسي قبل أن يحمدني | أحد من العالمين ، وحمدي نفسي لنفسي في الأزل لم يكن لعلة ، وحمد الخلق إياي | مشوب بالعلل ، وقيل رب العالمين ، أي : ملهم العالمين بحمده وحده .
وقيل : لما علم عجز عباده عن حمده حمد نفسه بنفسه في الأزل فاستراح طوق عباده | هو محل العجز عن حمده وأنى ينازع الحدث القدم ، ألا ترى سيد المرسلين كيف أظهر | العجز بقوله ' لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ' . |
صفحہ 34
وأنشد :
( إذا نحن أثنينا عليك بصالح
فأنت كما نثنى وفوق الذي نثنى
وحمد نفسه بالأزل لما علم من كثرة نعمه على عباده وعجزهم عن القيام بواجب | حمده فحمد نفسه عنهم ؛ لتكون النعمة أهنأ لديهم ، حيث أسقط عنهم به ثقل رؤية | المنة .
وسئل جعفر بن محمد عن قوله : الحمد لله رب العالمين قال : معناه الشكر لله فهو | المنعم بجميع نعمائه على خلقه وحسن صنيعته وجميل بلائه ، فالألف الحمد من الآية | وهو الواحد فبالآية أهل معرفته من سخطه وسوء قضائه ، واللام من لطفه وهو الواحد | فبلطفه إذا فهم حلاوة عطفه وسقاهم كأس سره والحاء فمن حمده وهو السابق يحمد | نفسه قبل خلقه ، فبسابق حمده استقرت النعم على خلقه وقدروا على حمده ، والميم | فمن مجده فبجلال مجده زينهم بنور قدسه ، والدال فمن دينه الإسلام فهو السلام ودينه | الإسلام وداره السلام وتحيتهم فيها سلام لأهل السلام في دار السلام .
قوله تعالى : الرحمن الرحيم > 2 <
الفاتحة : ( 3 ) الرحمن الرحيم
> > .
بالإشراف على أسرار أوليائه والتجلي لأرواح أنبيائه والرحيم بالعطف على أنفس | الخلائق برهم وفاجرهم يبسط معايشهم في الدنيا .
وقيل : الرحمن خاص الاسم خاص الفعل والرحيم عام الاسم عام الفعل .
وقيل : الرحمن بالنعمة والرحيم بالعصمة .
وقيل : الرحمن بالتجلي والرحيم بالتولي .
وقيل : الرحمن بكشف الأنوار والرحيم لحفظ ودائع الأسرار .
صفحہ 35
وقيل : الرحمن بذاته والرحيم في نعوته وصفاته وجل الحق أن يدرك حقيقة أساميه | | أحد ؛ لأن أسماءه بلا علة ، وإنما يظهر للخلق نصيبهم من الأسامي لا حقيقة حقه فمن | ظن أنه يفسر أساميه على حقيقة حقه فقد ضل ضلالا بعيدا ؛ لأنه أظهر الأسامي | للإثبات رحمة لخلقه لا إشرافا على صفاته ونعوته قال الله تعالى :
ﵟولا يحيطون به علماﵞ
وكيف يدرك شيء من صفات من الجهات لا يضمنه والسمات لا يأخذه | والأوقات لا تداوله ومصنوعة لا تجاوله والترجمة لا تجليه والآداب لا تؤدبه والإشارات | لا تدانيه ، لم تلتبس به حال ولا ينازعه باك ، لا الصفات أوجدته ولا الأسامي زينته ، | بل هو موجد كل موجود وخالف كل موصوف - جل وتعالى - .
سمعت منصورا بإسناده يقول عن جعفر قال : الرحمن الذي يرزق الخلق ظاهرا | وباطنا ، فرزق الظاهر الأقوات من المأكولات والمشروبات والعوافي ، والباطن العقل | والمعرفة والفهم وما ركب فيه من أنواع البدائع كالسمع والبصر والشم والذوق واللمس | والهمة والظن .
قوله تعالى : مالك يوم الدين > 2 <
الفاتحة : ( 4 ) مالك يوم الدين
> > .
قال ابن عطاء : مجازى يوم الحساب كل صنف بمقصودهم وهمتهم ، يجازى العارفين | بالقرب منه والنظر إلى وجهه الكريم ، ويجازى أرباب المعاملات بالجنات .
وقيل : من حق العبيد إذا شاهدوا مليكهم أن ينسوا المملكة عند مشاهدة مليكهم .
وقيل : إنه لمن يزل ولا يزال قلقا فكن في الدنيا كما تكون في الآخرة . والها حذرا | عالما أنك في ملكه حيث ما كنت .
وقيل : ملك يوم الدين ، يوم الكشف والإشهاد
ﵟلتجزى كل نفس بما تسعىﵞ
.
وقيل : إنها خمسة أسامي لله ورب العالمين والرحمن والرحيم ومالك فاستدعى | الإلهية الوله والربوبية رؤية المنة والرحمن رؤية الشفقة ، والرحيم رؤية التعطف ، | والمالك القطع عن المملكة بالاتصال بمالكها .
قوله تعالى : إياك نعبد وإياك نستعين > 2 <
الفاتحة : ( 5 ) إياك نعبد وإياك . . . . .
> > .
على ترك زكاتنا ، وأيضا إياك نعبد بالعمل الخالص أي : إياك نعبد بقطع العلائق | والأعواض ، وإياك نستعين على الثبات على هذه الحال فإنا بك لا بنا . |
صفحہ 36
وأيضا إياك نعبد بالإخلاص وإياك نستعين على المكاشفة لأسرارنا .
وأيضا إياك نعبد بالإرادة وإياك نستعين عليه بالهمة .
وأيضا إياك نعبد بالعلم وإياك نستعين عليه بالمعرفة .
وأيضا إياك نعبد عبادة من يعلم أنه بتوفيقك وتيسيرك قد عبدك وبك نستعين على | قبولها وتصحيحها من عندك .
وأيضا إياك نعبد بأمرك وإياك نستعين عليها بفضلك .
وأيضا إياك نعبد بالدعاوى وإياك نستعين أن تسقط عنا الدعاوى تمررنا إلى رياض | الحقائق .
وأيضا إياك نعبد ظاهرا وإياك نستعين عليها باطنا ، إياك نعبد فأسقط بإياك عنا رؤية | العبادة ، وإياك نستعين فأزل عنا بإياك رؤية الاستعانة .
وأيضا إياك نعبد فأهلنا لعبادتك وإياك نستعين فلا تحرمنا معونتك إياك نعبد فأخلص | عبادتنا وإياك نستعين فأعذنا من رؤية عبادتنا .
وأيضا إياك نعبد على المشاهدة ، وإياك نستعين على النازلة .
قال الجنيد : إن الله عز وجل خص قوما بمعرفة عبوديته ، فأفردوا له العبودية ثم | أخرجهم عن ذلك فعرفوا أنفسهم ، وما تولى الله من ذلك لهم فقالوا : وإياك نستعين | على عبادتنا إذ لا يمكن أداؤها إلا بك ، فبك عبدنا كذلك ، وبك استعنا على شكر | النعمة فيه .
وقال القاسم : إياك نعبد بالتوفيق ، وإياك نستعين على شكر ما وفقتنا له من | عبادتك .
سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت أبا جعفر الفرغلي يقول : من | | أقر بإياك نعبد وإياك نستعين فقد برىء من الجبر والقدر .
صفحہ 37
قوله تعالى : اهدنا الصراط المستقيم > 2 <
الفاتحة : ( 6 ) اهدنا الصراط المستقيم
> > .
قيل معناه : مل بقلوبنا إليك وأقم بهممنا بين يديك وكن دليلنا منك إليك ؛ حتى لا | | ينقطع عما بك لك .
صفحہ 38
وقيل : اهدنا الصراط المستقيم أي : أرشدنا إلى طرق المعرفة ؛ حتى نستقيم معك | بخدمتك فهذا دعاء المريدين في هذه الآية .
وقيل : اهدنا أي : أرنا طريق هدايتك كي نستقيم معك على توحيدك فهذا دعاء | المؤمنين .
وقيل : اهدنا أي : أرنا طريق أنسك فنفرح ونطرب بقربك فهذا دعاء العارفين .
وقيل : اهدنا بك إليك ، لنستعين ببدايتك عن وسائط المقامات والمجاهدات .
وقيل : اهدنا بفناء أوصافنا فبنا الطريق إلى أوصافك التي لم تزل ولا تزال .
وقيل : اهدنا بكشف الغفلة عنا طريق الوصول إلى رضاك .
وقيل : اهدنا هدى العيان بعد البيان ؛ لنستقيم لك على حب إرادتك فينا .
وقيل : اهدنا هدى من أنت المتولي لهدايته طريق حقيقة معرفتك ؛ لنستقيم لك بفناء | أوصافنا فيك .
وقيل اهدنا هدى من يكون منك مبداه ؛ حتى يكون إليك منتهاه .
وقيل : اهدنا أي : اكشف عنا ظلمات أحوالنا لننظر في خفي غيبك نظرة الاستقامة .
وقيل : اهدنا الصراط المستقيم بالغيبوبة عن الصراط ليلا يكون من يوطأ بالصراط .
وقيل : اهدنا بك ولا تشغلنا بموارد الصراط والاستقامة عنك .
حكي عن أبي عثمان في قوله : اهدنا الصراط المستقيم أي : أرشدنا لاستعمال | السنن في أداء فرائضك . |
صفحہ 39