تفسیر قرآن عظیم

الطبرانی d. 360 AH
58

تفسیر قرآن عظیم

تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

اصناف

تفسیر

[54]

قوله تعالى : { وإذ قال موسى لقومه } ؛ يعني الذين عبدوا العجل : { ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم } ؛ أي أضررتم أنفسكم ، { باتخاذكم العجل } ؛ إلها. فقالوا : فإيش نصنع ، وما الحيلة ؟ فقال : { فتوبوا إلى بارئكم } ؛ أي فارجعوا إلى خالقكم. وكان أبو عمرو يختلس الهمزة إلى الجزم في قوله : (باريكم ، ويأمركم ، ويشعركم ، وينصركم) طلبا للخفة.

وقوله تعالى : { فاقتلوا أنفسكم } ؛ أي يقتل البريء المجرم ، قوله تعالى : { ذالكم خير لكم عند بارئكم } ؛ يعني القتل : قال ابن عباس : (أبى الله عز وجل أن يقبل توبة بني إسرائيل إلا بالحال الذي كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل). وقال قتادة : (جعل الله توبتهم القتل ؛ لأنهم ارتدوا. والكفر يبيح الدم). وقرأ قتادة : (فاقتالوا أنفسكم) من الإقالة ؛ أي استقيلوا العثرة بالتوبة. فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا : نصبر لأمر الله تعالى ، فجلسوا بالأفنية محسبين وأصلب عليهم القوم الخناجر ؛ فكان الرجل يرى ابنه وأخاه وأباه وقريبه وصديقه فلا يمكنهم إلا المضي لأمر الله.

وقيل لهم : من حل جيوبه أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقى بيده أو رجله فهو ملعون مردودة توبته ؛ فكانوا يقتلونهم إلى المساء. فلما كثر فيهم القتل عاد موسى وهارون وبكيا وتضرعا وقالا : يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية ؛ فأمرهم الله تعالى أن يرفعوا السلاح عنهم ويكفوا عن القتل وقد قتل منهم ألوف كثيرة فاشتد ذلك على موسى ، فأوحى الله تعالى إليه أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنة ؛ فكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي منهم كفر عنه ذنوبه ، وذلك قوله تعالى : { فتاب عليكم } ؛ أي ففعلتم ما أمركم به فتاب عليكم ؛ أي فتجاوز عنكم ، { إنه هو التواب الرحيم }.

وفي بعض التفاسير : أن موسى عليه السلام قال لهم بعدما رجع من الجبل وأعطاه الله التوراة : أنكم ظلمتم أنفسكم بعبادتكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ؛ أي ليقتل الذين لم يعبدوا العجل الذين عبدوا العجل. فقالوا : يا موسى نحن نفعل ذلك ، فأخذ عليهم المواثيق ليصبرن على القتل ، فأصبحوا بأفنية البيوت كل بني أب على حدة فأتاهم هارون والاثنا عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل بالسيوف ، فقال لهم هارون : هؤلاء إخوانكم قد أتوكم شاهرين السيوف فاتقوا الله واصبروا ، فلعن الله رجلا حل جنوته أو قام من مجلسه أو مد طرفه إليهم أو اتقاهم بيده أو رجله. فقالوا : آمين. فجعلوا يقتلونهم إلى المساء.

وقام موسى يدعو ربه لما شق عليه من كثرة الدماء. فنزلت التوراة ، وقيل له : ارفع السيف ، فإني قد قبلت توبتهم جميعا من قتل منهم ومن لم يقتل ، وجعلت ذلك القتل لهم شهادة وغفرت لمن بقي منهم. فكان القتلى سبعين ألفا والقاتلون اثنا عشر ألفا. وكان السبب في امتحانهم بذلك : أنه كان فيهم من عرف بطلان عبادة العجل ؛ إلا أنهم لم ينهوا الآخرين لخشية وقوع القتل فيما بينهم ، فابتلاهم الله بما تركوا النهي عن المنكر لأجله.

صفحہ 58