183

تفسیر قرآن عظیم

تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

اصناف

تفسیر

[199]

قوله عز وجل : { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } ؛ قال عامة المفسرين : كانت قريش وحلفاؤها ومن دان بدينها وهم الحمس لا يخرجون من الحرم إلى عرفات ؛ وكانوا يقفون بالمزدلفة يقولون : نحن أهل الله وسكان حرمه ؛ فلا يخلف الحرم ولا يخرج منه فلسنا كسائر الناس ، كانوا يتعظمون أن يقفوا مع سائر العرب بعرفات. ويقول بعضهم لبعض : لا تعظموا إلا الحرم ، فإنكم إن عظمتم غير الحرم تهاون الناس بحرمكم ، فقفوا بجمع ، فإذا أفاض الناس من عرفات أفاضوا من المشعر وهو المزدلفة. فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منها إلى المزدلفة مع سائر الناس فيكون المراد بالإفاضة في هذه الآية على هذا القول : الإفاضة من عرفات.

وكان سائر الناس غير الحمس يقفون بعرفات ، فأنزل الله هذه الآية وأمر قريشا وغيرهم من الحمس أن يقفوا بعرفة حيث يقف الناس ، ويدفعوا منها معهم. وإنما ذكر الناس وأراد قريشا بالإفاضة من حيث أفاض الناس ؛ لأن قريشا ومن دان بدينها كانوا قليلا بالإفاضة إلى سائر الناس.

قوله تعالى : { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } على هذا التأويل راجع إلى أول الكلام ، كأنه " قال "{ فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج }[البقرة : 197] { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } { فإذآ أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند } المسجد{ الحرام }[البقرة : 198]. فيكون في الآية تقديم وتأخير. ويكون الأمر بالإفاضة عطفا على الإحرام دون الإفاضة من عرفات ؛ فكأنه قال : أحرموا كما أمركم الله { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس }. وعلى هذا التأويل جمهور المفسرين.

وقال الضحاك : (معنى الآية : ثم أفيضوا من المزدلفة التي تفيض منها قريش). وإنما ذهب الضحاك إلى أن المراد بالإفاضة في هذه الآية الإفاضة من المزدلفة ؛ لأن الله تعالى عطف هذه الآية على الإفاضة من عرفات ؛ فعلم أن المراد بهذه الإفاضة الإفاضة من المزدلفة ؛ إلا أن عامة المفسرين على الوجه الأول.

والمراد بقوله : { من حيث أفاض الناس } هم العرب كلهم غير الحمس ، وقال الكلبي : (هم أهل اليمن). وقال الضحاك : (الناس هنا إبراهيم عليه السلام وحده ؛ لأنه كان الإمام المقتدى به ، فسماه الله ناسا كما قال الله تعالى في آية أخرى : { إن إبراهيم كان أمة }[النحل : 120] وقد يسمى الرجل الواحد باسم الناس كما قال الله تعالى : { أم يحسدون الناس }[النساء : 54] يعني محمدا صلى الله عليه وسلم). وكذلك قوله{ الذين قال لهم الناس }[آل عمران : 173] يعني نعيم بن مسعود الأشجعي{ إن الناس قد جمعوا لكم }[آل عمران : 173] يعني أبا سفيان. وإنما يقال هذا لمن هو ندب يقتدى به أو يكون لسان قومه وإمامهم.

وقال الزهري : (الناس ها هنا آدم عليه السلام) ودليله قراءة ابن مسعود : (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس يعني آدم).

صفحہ 183