22

عام 1892، أوصت مجموعة من التربويين بقيادة رئيس جامعة هارفارد تشارلز إليوت أطلق عليها «لجنة الأعضاء العشرة»، بوضع مناهج قياسية للمراحل التعليمية من الابتدائية وحتى الثانوية، على أن تستند هذه المناهج إلى مواد دراسية مثل القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم (مقسمة إلى مواد فرعية مثل الفيزياء والكيمياء)، ولا تزال تلك التوصيات مؤثرة في هيكل التعليم للمراحل قبل الجامعية في الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم.

29

اتسع هذا الهيكل للعديد من المواد الجديدة التي تتناول مجالات شاسعة من المعرفة ، لا سيما المعارف العلمية، التي أنتجت منذ عصر النهضة وحتى يومنا هذا. ولكنها خلقت أيضا مواد دراسية يتيمة مثل المنطق والبلاغة، وهي ما كان يشكل حجر الأساس للنماذج التعليمية السابقة.

لم تنبذ المواد الدراسية مثل المنطق من المناهج بالكامل. فلا تزال تخصص لها دورات تدريبية كاملة تدرس في العديد من مؤسسات التعليم العالي، إن لم يكن في معظمها، وإذا اعتبرنا أن برمجة الكمبيوتر وريثة النظم المنطقية الأصلية التي وضعها أرسطو، فسنجد أن عدد الطلاب الذين يدرسون التطبيقات العملية للمنطق أكبر من ذي قبل.

بالرغم من هذا، فإن التفكير النقدي يستلزم من المرء فهم عدد من الأفكار المستلهمة من الأحداث والتطورات المذكورة في التاريخ الفكري والتعليمي الذي تناولناه في هذا الفصل. ثم إن التفكير النقدي مهارة مبنية على تلك المعرفة، أي إنه تجب ممارسة العناصر التي يتألف منها قبل استخدام التفكير النقدي استخداما فعالا في مواقف قد تؤدي فيها القرارات المستنيرة إلى نتائج مفيدة. علاوة على ذلك يتطلب التفكير النقدي اكتساب عادات تلهم الشخص باتباع مسار التفكير النقدي بدلا من اتباع الطرق المختصرة لنبذ الشك الذي قد يؤدي إلى قرارات خاطئة، مثل تصديق أي شيء يقال للإنسان.

مع استمرار السجالات بشأن ما ينبغي إدراجه ضمن قائمة المعرفة والمهارات والسمات اللازمة للتحلي بمهارة التفكير النقدي، يوجد بين دارسي التفكير النقدي ومعلميه إجماع يكفي لتحديد ما ينبغي إدراجه في مناقشة عن التفكير النقدي وما ينبغي استبعاده. وهذا هو الموضوع الذي سنتناوله في الفصل التالي.

الفصل الثاني

عناصر التفكير النقدي

بعد أن تعرفنا على الأصول التي أنتجت مفهوم التفكير النقدي، حان الوقت كي ندرس العناصر التي ينبغي معرفتها والتحلي بها؛ كي يصبح الإنسان مفكرا نقديا.

عند الاطلاع على المؤلفات البحثية عن التفكير النقدي أو حتى بعملية بحث بسيطة على محرك البحث جوجل، ستظهر مجموعة من التسلسلات الهرمية والتصنيفات والمخططات التي تصف المعارف والمهارات والسمات الشخصية التي ينبغي أن يتحلى بها المفكر النقدي، وتوضح ذلك كله. لكن حتى في داخل هذه الأوصاف التي تتداخل وتتنافس في بعض الأحيان، توجد مجموعة من العناصر التي تبدو متسقة بما يكفي للاتفاق على أنها من عناصر التفكير النقدي.

نامعلوم صفحہ