وقوله: هو بمنزلة أبي الراد باعتبار علو السن، وسمو الفن.
كلام يستحسنه اللئام، ويستقبحه الكرام؛ لكونه مفرعا على ما مر سابقا، فإذا بطل بطل، ولعلك لم تسمع ما اشتهر بالفارسية: بزركى بعقل ست نه بسال، أي العلو يكون بالعلم والعقل لا بالعمر.
فكم من طويل العمر غبي وضال، ومن هو أقل عمرا منه ذكي بالغ إلى رتبة الكمال.
أما قرع سمعك أن ابن عباس حبر المفسرين وبحر المحدثين كان في أيام الحياة النبوية من الأطفال، ثم ترقى به الحال إلى أن عرج معارج الكمال، وفاق على شيوخ الصحابة من النساء والرجال، ومن ثم كان عمر رضي الله عنه يعظمه أكبر تعظيم، ويفخمه في مجلسه أكثر تفخيم، ولا يفعل مثله في حق غيره مع علوه طبقة، وكبره سنا، وطوله عمرا.
ثم لقائل إن يرد عليك بمثل هذا: بأن أبا حنيفة كان أكبر منك سنا، وأقدم منك عصرا، وأكثر منك علما، وأوفر منك فهما، فهو بمنزلة أبيك بل جد أبيك، وأنت بمنزلة ولده، بل من هو أدنى منه، وهذا يستدعي الأدب البالغ معه، فما لك تضعفه وترد عليه، وما الذي أباح ذلك لك، وحرم لغيرك.
صفحہ 61