فلم يجعل الله الأمورَ إذا اعترت ... عليك رتاجًا لا يرامُ مضبا
وكن رجلًا جلدًا إذا انقلبتْ ... عليه بناتُ الدهر يومًا تقلبا
يلام رجالٌ قبل تجريب دهرهم ... وكيف يلام المرءُ حتى يجربا
وإني لمعراضُ قليلٌ تعرضي ... لوجه امرء يومًا إذا ما تجنبا
وما أنا بالناسي الخليل إذا دنتْ ... به الدار والباكي إذا ما تغيبا
قال رجل من جرم:
بان الخليطُ ولم أفارق عن قلىً ... ليس المقارب يا أميم كمن نأى
إنَّ المحب إذا تقادم عهده ... نسي الحبيبَ وسلَّ حاجته البلى
والهمُّ ما لم تمضه لسبيلهِ ... فكفى بصحبته عناءَ للفتى
والفقر يزري بالفتى في قومهِ ... والعينُ يقذيها الكريمُ على القذى
والمالُ يبسط للئيم لسانه ... حتى يكون كأنه ملك يرى
فامنع من الأعداء عرضك لا تكنْ ... شحمًا لأكله بعودٍ يشترى
لا تأكل المولى إذا لاحيته ... يومًا فإنك مشمتٌ فيه العدى
وإذا نهيتَ الناسَ عن خلقٍ فكنْ ... كالتاركِ الخلقِ الذي عنه نها
قال الأعور الشني:
لقد علمت عميرةُ أنّ جاري ... إذا ضنَّ المثمرُ من عيالي
وغني لا أضنّ على ابن عمٍ ... بنصري في الخطوب ولا بمالي
ولستُ بقائلٍ قولًا لأحظى ... بقولٍ لا يصدقه فعالي
وما التقصيرُ قد علمتْ معدّ ... وأخلاقُ الدنية من خلالي
وإنْ نلتُ الغنى لم أغلِ فيه ... ولم أخصصْ بجفوتي الموالي
ولم أقطع أخًا لأخٍ ظريفٍ ... ولم يذمم لطرفتهِ وصالي
وقد أصبحت لا أحتاجُ فيما ... بلوت من الأمور إلى السؤالِ
قال آخر:
لعمركِ ما تدرين ما الليلُ جالبٌ ... عليكِ وما تدرينَ ما في المغيبِ
قال هبنقة القيسي:
إذا ما طلبت الأرض ثم تباعدتْ ... عليك فضعْ كورَ المطية وانزلِ
ولا يختلط فيها فإنك بالغٌ ... برفق السرى فيها وكيس التنزلِ
وإنْ كنتَ في دارِ يهينكَ أهلها ... ولم تك مكبولًا بها فتحولِ
وإنْ كنتَ ذا مالٍ قليلٍ فلا تكن ... لزومًا لقعر البيتِ ما لم تموَّل
قال قيس بن عمرو بن مالك:
إني امرءٌ قلَّ ما أثني على أحدٍ ... حتى أرى بعض ما يأتي وما يذرُ
لا تحمدنَّ امرءًا حتى تجربه ... ولا تذمنَّ من لم يبله الخبرُ
قال أبو النصر الأسدي:
تعلمني بالعيش عرسي كأنما ... تعلمني الأمر الذي أنا جاهلهْ
يعيشُ الفتى بالفقر يومًا وبالغنى ... وكلٌّ كأن لم يلقَ حين يزايلهْ
قال الصمة بن عبد الله القشيري:
أعاذل بعض اللوم إنَّ منيتي ... لقدر ليالٍ ما لهنَّ مزيدُ
وإنَّ ارتحالي لا يدني منيتي ... ولا مانعي من أنْ أموت قعودُ
وقد يرجعُ الله الفتى بعد غيبه ... ويلقى المنايا آخرون شهودُ
قال زياد بن زيد:
إنَّ امرءًا قد جربَ الدهر لم يخفْ ... تقلبَ عصرْيه لغيرُ لبيبِ
فلا تيئسنَّ الدهر من وصل كاشحٍ ... ولا تأمننَّ الدهرَ صرمَ حبيبِ
وليس بعيدًا كلُّ آتٍ فواقع ... ولا ما مضى من مفرح بقريبِ
وكلُّ الذي يأتي فأنت نسيبهُ ... ولستَ لشيء قد مضى بنسيبِ
قال ربيعة بن عبيد القعنبي أبو ذؤاب:
إن المنية بالفتيان ذاهبة ... ولو تقوها بأسياف وأدراعِ
لا تجعل الهمَّ علا لا انفراجَ له ... لا نوجدنَّ سؤومًا ضيق الباعِ
قال حجاج بن علاط السلمي:
أواخي رجالًا لستُ مطلع بعضهم ... على سر بعضٍ إنَّ صدري واسعهُ
تلاقت حيازيمي على قلب حازم ... كتوم لما صمت عليه أضالعهُ
قال آخر:
علام أديمُ الصبر لأبي ضراعة ... ولا الرزقُ محظورٌ ولا أنا محرجُ
ألا ربما كان التصبر ذلةً ... وأدى إلى الأمر الذي هو أسمجُ
قال العلاء الحضرمي، أن النبي ﵇ استنشده، فلما أنشده من شعره (، فقال ﵇ إنَّ من البيان لسحرًا، وإن من الشعر لحكمًا.
حي ذوي الأضغان تسبِ قلوبهم ... تحيتك الأدنى فقد يرفع النغلْ
فإن دحسوا بالكرهِ فاعف تكرمًا ... وإنْ خنسوا عنك الحديثَ فلا تسلُ
1 / 29