جمعنا العلى بالجودِ بعد افتراقها ... إلينا كما الأيام يجمعها الشهرُ
قال أيضًا:
أنا ابنُ الذين استرضعُ الجودُ فيهم ... وسمي منهم وهو كهلٌ ويافعُ
نجومٌ طوالعٌ، جبالٌ فوارعٌ ... غيوثٌ هوامع، سيوف دوافعُ
مضوا وكأنَّ المكرمات لديهم ... لكثرة ما أوصوا بهنَّ شرائعُ
فأيَّ يد في الجودُ مدتْ فلم تكن ... لها راحة من جودهم وأصابعُ
هم استودعوا المعروف محفوظ مالنا ... فضاع وما ضاعت لدينا الودائع
بهاليلُ لو عانيتَ فيض أكفهم ... لأيقنتَ أنَّ الرزق في الأرض واسعُ
قال البحتري
ونحنُ من لا تطال هضبته ... وإن أنافتْ بفاخر رتبهْ
لو أعربَ النجمُ عن مناقبه ... لم يتجاوزْ أحسابنا حسبهْ
قال أيضًا:
لقد كان ذاك الجأشُ جأش مسالم ... على أنَّ ذاك الزيَّ زيُّ محاربِ
تسرع حتى قال من شهد الوغى ... لقاءُ أعاد، أمْ لقاءُ حبائبِ؟
وصاعقةٍ من فصله ينكفي بها ... على أرؤسِ الأقران خمسُ سحائبِ
يكاد الندى منها يفيضُ على العدى ... مع السيف في ثني قنًا وقواضبِ
قال أبو الطيب المتنبي:
أطاعنُ خيلًا من فوارِسها الدهرُ ... وحيدًا وما قولي كذا ومعي الصبرُ
وأشجع مني كلَّ يوم سلامتي ... وما ثبتتْ إلاّ وفي نفسها أمرْ
تمرستُ بالآفاتِ حتى تركتها ... تقولُ أماتَ الموتُ، أم ذعرَ الذعرُ
وأقدمتُ أقدامَ الأتيَّ كأنّ لي ... سوى مهجتي أو كان لي عندها وترُ
ذرِ النفس تأخذْ وسعها قبل بينها ... فمفترقٌ جاران دارهما عمرُ
ولا تحسبنَّ المجدَ زقًا وقينةً ... فما المجدُ إلاَّ السيفُ والفتكةُ البكرُ
وتضريبُ أعناقِ الملوك وأنْ ترى ... لك الهبواتُ السودُ والعسكر المجرُ
وتركك في الدنيا دويًا كأنما ... تداولُ سمع المرء أنملهُ العشرُ
وكم من جبالٍ جبتُ تشهدُ أنني ... الجبالُ وبحر شاهد أنني البحرُ
قال أيضًا:
يزور الأعادي في سماء عجاجة ... أسنته في جانبيها الكواكبُ
فتسفر عنه والسيوف كأنما ... مضاربها مما أنفللن ضواربُ
طلعن شموسًا والغمود مشارق ... لهنَّ وهامات الرجال مغاربُ
قال أيضًا:
لقد تصبرت حتى لات مصطبر ... فالآن أقحم حتى لاتَ مقتحمِ
لأتركنَّ وجوهَ الخيل ساهمةً ... والحربُ أقومُ من ساق على قدمِ
بكلَّ منصلت ما زال منتظري ... حتى أدلت له من دولة الخدمِ
شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة ... ويستحلَّ دم الحجاج في الحرمِ
ردي حياض الردى يا نفس واتركي ... حياض خوف الردى للشاء والنعمِ
إنْ لم أزرك على الأرماح سائلة ... فلا دعيتُ ابن أمَّ المجد والكرمِ
أعلك الملك والأسياف ظامية ... والطير جائعة لحم على وضم
من لو رآني ماء مات من ظمأٍ ... ولو مثلت له في النوم لم ينم
قال أيضًا:
أمثلي تأخذ النكبات منه ... ويجزع من ملاقات الحمام
ولو برز الزمان إليَّ شخصًا ... لخضب شعر مفرقه حسامي
قال أيضًا:
يحاذرني حتفي كأني حتفه ... وتنكرني الأفعى فيقتلها سمي
طوال الردينيات يقصفها دمي ... وبيض السريجيات يقطعها لحمي
قال أيضًا:
لقوكَ بأكبدِ الأبل الأبايا ... فسقتهم وحدُّ السيف حادِ
وقد مزقتَ ثوبَ الغيّ عنهم ... وقد ألبستهم ثوبَ الرشادِ
فما تركوا الأمارةَ لاختيارِ ... ولا انتحلوا ودادكَ من ودادِ
ولا استفلوا لزهدٍ في التعالي ... ولا انقادوا سرورًا بانقيادِ
ولكن هبَّ خوفك في حشاهم ... هبوب الريحِ في رجلِ الجراد
وماتوا قبل موتهم فلمَّا ... مننتَ أعدتهم قبلَ المعادِ
غمدتَ صوارمًا لو لم يتوبوا ... محوتهمُ بها محو المدادِ
فلا تغرركَ ألسنةٌ موال ... تقلبهنَّ أفئدةٌ أعادي
وكن كالموتِ لا يرثي لباك ... بكى منه ويروى وهو صادِ
فإنَّ الجرح ينغرُ بعد حين ... إذا كان البناءُ على فسادِ
وإنَّ الماء يجري من جمادٍ ... وإنَّ النارَ تخرجُ من زنادِ
قال أيضًا:
1 / 19