بسم الله الرحمن الرحيم
رب تمم بفضلك وكرمك.
بعد حمد الله الذي فتح أنوار الحكم في رياض الأذهان الناضرة، وبين أسرار الكلم في حدائق الخواطر الناظرة، وحفظ نظام سلك الفصاحة في كل زمان وعصر، وحصر أنواع البلاغة في صنفي نظم ونثر، وأرسل نبيه وصفيه محمدًا ﵊ ببراعة اللهجة والبيان والحكم الظاهر البرهان، المخصوص بحسن الإيراد والتبيان، وطهر آله وأيد أصحابه ذوي الأوجه الصباح والألسن الفصاح.
فقد سبق مني جمع كتاب مشتمل على لطايف أشعار المحدثين من النسيب محتو على نخب ما سمح خواطرهم من الغزل والتشيب وسميته النزهة السعدية في الأشعار العربية، مطرزًا باسم من حلَّ من المجد في الذروة الباسقة، وبرز جواد فضله وكرمه على الجياد السابقة، وأشرقت الليالي بأنواره، وأطرقت الأقدار من أهواله، وأعطى من المكرمات معلاها، ومن غنائم المأثرات من باعها وصفاياها، ومن بيوت السناء أرفعها دعائم، ومن أجنحة الكرم أطولها قودام، وهو الصاحب الأعظم المخدوم المعظم مستخدم السيف والقلم، مالك أزمة الأمم، ملاذ بني آدم، آصف الزمان صاحب ديوان الممالك شرقًا وغربًا، سلطان الوزراء بعدًا وقربًا، سعد الحق والدنيا والدين، عضد الملوك والسلاطين، ملجأ العلماء في العالمين، ابن الصاحب الأعظم المخدوم المعظم، العالم العادل، المؤيد المظفر أبي الفضل ملاذ الضعفاء، تاج الدنيا والدين، فخر الإسلام والمسلمين، غوث الخلائق أجمعين، أبقاهما الله بقاء السماكين، وأدامهما دوام الفرقدين، الذي لو تصفحت أحوال الدول، وتتبعت أحاديث الأمم الأول، وأمعنت البحث عن مكارمهم وفضائلهم، وما بلغوه من درجاتهم ومنازلهم، لما وجدت له نظيرًا يساميه، ولا قرينًا يضاهيه.
همام له في مرتقى المجد مصعد ... يلوح به العيوق في ثوب حامد
كريم حباه المشتري بسعوده ... فأصبح في الآفاق بكر عطارد
فلا زال في ظل السعادة رافلًا ... يحوز جميع الفضل في شخص واحد
لا زالت جدوده سعيدة، وسعوده جديدة، وعلياؤه محسودة، وأعداؤه محصودة، ما ذر ضوء النجوم، ودر نوء الغيوم، فأقبلت الجماعة على حفظه ودرايته وبحثه وقراءته، فالتمسوا مني أن أجمع مجموعة متضمنة لطائف شعر المتقدمين، وطرائف قريض الجاهليين والمخضرمين، في فنون شتى، فرأيت التماس ما اقترحوا علي أولى وأحرى، فأقدمت على اختيار ما هو نفيس المعنى، بارع اللفظ والفحوى، مختار السبك، مستقيم الرصف، جميل المطلع، حسن المقطع، مادة للمترسل والشاعر، متكفل بشحذ الذهن، وجلاء الخاطر، من الحماسات الثلاثة التي وقعت إلي، حماسة أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، وحماسة أبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل، وحماسة الشيخ أحمد بن فارس، ﵏، مضيفًا إليها لطائف أشعار المحدثين، وطرائف قريض المتأخرين، في آخر كل باب، سالكًا طريق الاختصار دون الإطناب، وأضم أيضًا إليها أبوابًا أخر في أصناف الشعر، لما يحتاج إليها في المكاتبات والمراسلات والمحاورات، وليست في هذه الحماسات، فجاءت هذه المنتخبة لطيفة المقاصد، صافية المصادر والموارد، سالمة من الألفاظ الحوشية، خالصة من العبارات الوحشية، جامعة بين البداوة ورقة الحضارة، كأنها الشجرة البرية في الصلابة والبستانية في الغضارة، فأتحفت بها خزانة كتبه الشريفة، وسددته المنيفة، لا زالت معمورة ببقائه ما دام الفرقدان، مغمورة بحضور الأفضل الكرام ما استنار النيران، وسميتها التذكرة السعدية في الأشعار العربية، كمل الله تعالى سعادتها في الآخرة والدنيا، وأعطاها أقصى الرتب العليا، وأسأله أن يكثر بها النفع عاجلًا، والإثابة عليها آجلًا، وأن ييسرها ويسيرها، إنه ولي التوفيق والملى بالخير والحقيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ورتبتها على أربعة عشر بابًا: الأول: في الحماسة والافتخار.
الثاني: في الأدب والحكم والأمثال.
الثالث: في النسيب.
الرابع: في المدح والاستجداء والاستعطاف والتقاضي.
الخامس: في المراثي.
السادس: في الهجاء.
السابع: في الأخوانيات.
الثامن: في التهاني.
التاسع: في الاعتذار.
العاشر: في الصفات.
الحادي عشر: في المعاتبات والشكاية من حوادث الزمان والصبر عليها.
الثاني عشر: في الملح.
الثالث عشر: في الأشياء المتفرقة.
1 / 1