يا عاذلي لا تلحني في حبه ... فاللوم فيه وحقه لن أقبله
لم أنسهُ كالبدر ليلة زارني ... فضممته ولثمت منه مقبله
يا من أطاع الصب فيه غرامه ... وعصى لوائمه عليه وعذّله
ما بال أدمعي التي أطلقتها ... تمسي وتصبح في الخدود مسلسله
أول شعر سمعته على هذا الروي لابن التلعفري حيث يقول:
هذا العذول عليكم مالي ولهْ ... أنا قد رضيت بذا الغرام وذا الولهْ
شرط المحبة أنَّ كل متيم ... صبّ يطيع هواه يعصي عذلهْ
فارقتموني حين سار بحبكم ... مثلي ومثلي سره لن يبذلهْ
يا سائلي عن حالتي من بعدهم ... ترك الجواب جواب هذي المسألهْ
خبري إذا حدّثت لا لمعًا ولا ... جملًا لإيضاحي لها أن تكملهْ
عندي جوى يذر الفصيح مبلدًا ... فاترك مفصله ودونك مجملهْ
القلبُ ليس من الصحاح فيرتجى ... إصلاحه والعينُ سحب مثقلهْ
يا راحلين وفي أكلّةِ عيسهم ... رشأ عليه حشا المحبِّ مُقلقلهْ
قمر له في القلب بل في الطرف بل ... في النثرة الحصداء أشرف منزلهْ
في الصدغ منه عقرب ولحاظه ... أسدٌ وخلف الظهر منه سنبلهْ
الأبيات الأولى أسلس وأجرى، وأجدر بالاستحسان وأحرى، وقائلها فيها أرق طبعًا وأعرف بمحاسن الكلام وقعًا وأبعد عن الكلفة أصلًا وفرعًا.
وقد أحسن الباخرزي في قوله:
أطلعتَ يا قمري على بصري ... وجهًا شغلتَ بحسنهِ نظري
ونزلتَ في قلبي ولا عجبٌ ... القلبُ بعضُ منازلِ القمرِ
وقد تقدم أمثال هذا، وأما قوله:
في الصدغ منه عقرب
فقريب، وذكر عوض البروج أشكال الرمل ابن مطروح، وقد أجاد ما شاء:
رأيت بخديه بياضًا وحمرةً ... فقلت إلى البشرى اجتماع تولدا
وهي أبيات حسنة ومنها:
ولما وردنا ماء مدين حبه ... وجدنا عليه أمةً تشتكي الصدى
فقلت لعذالي عليه تنبهوا ... فقد لاح طور الحسن فاستمعوا الندا
ومثل قوله:
طور الحسن
قول الآخر، وزاد عليه:
عجبًا كيف نمتَ عني وأضحى ... مسهري في الهوى العذار الرقيمُ
وثناك الدلال عن مستهامٍ ... لك يا ظبي من حشاه صريمُ
لم أؤاخذك في الملاحة إلاّ ... وفؤادي طورٌ وقلبي كليمُ
ولي من أبيات:
أيا ربَّ حسنٍ قد تعالى ملاحةً ... خليلك قد أضحى كليمًا من الصدِّ
ولابن قلاقس أبيات حسنة تلم بهذه المعاني، وهي:
ما ضرَّ ذاك الريم أن لا يريم ... لو كان يرثي لسليم سليم
وما على من وصله جنة ... أن لا أرى من صدّه في جحيم
رقيم خدٍّ نام عن ساهرٍ ... ما أجدر النومَ بأهل الرقيم
وكيف لا يصرم ظبي وقد ... سمعتُ في النسبة ظبي الصريم
وعاذلٍ دام ودام الدجى ... بهيمةٌ نادمتها في بهيم
قلتُ له لما عدا طوره ... والقلب مني في العذاب الأليم
رفقًا بقلبي إنني شاعرٌ ... من حبه في كلّ وادٍ يهيم
وعلى هذا الوزن والروي لآخر:
أيّ غزال عنّ أم أيّ ريم ... يرتع ما بين النقا والصريم
ظبي من الأعراب لكنه ... لا يعرف الشيحَ ورعي الجميم
معقرب الأصداغ ملويها ... سليمهُ في الحب غير السليم
يسألني عما ألاقي به ... وهو بما ألقاه عين العليم
يسطو على ذُلي وضعفي معًا ... بحسن لحظ وبلفظ رخيم
ذا فاتك عضبٌ وذا فاتن ... عذب صحيح ذا وهذا سقيم
وقلت:
أرقني هجر غزال الصريم ... فبتّ إذ بتّ بليل السليم
وكيف لا يجفو الكرى عاشق ... تيّمه ذاك القوام القويم
ولي غريم هو مع هجره ... وما أعاني منه نعم الغريم
يميل عن وصلي ويبدي الجفا ... ومذهبي في حبه مستقيم
فعدِّ عن عذلي فما جاهل ... بالحال يا عاذل مثل العليم
لو لم يكن حكم الهوى قاهرًا ... ما لعب الوجد برأي الحكيم
ومثل بيت ابن مطروح قول القائل، وقصر عنه:
تعلمت ضرب الرمل لما هجرتم ... لعلي أرى فيه دليلًا على الوصلِ
ورغبني فيه بياضٌ وحمرةٌ ... رأيتهما في وجنةٍ سلبت عقلي
وقالوا طريق قلت يا رب للرضى ... وقالوا اجتماع قلت يا رب للشملِ
1 / 45