بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الفقيه الإمام العالم العامل الزاهد الورع الأوحد أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي ثم القرطبي رضي الله عنه ونفعنا به في الدارين بمنه وكرمه آمين.
الحمد لله الذي جعل القرآن لنا طريقا إليه وسبيلا, وأقامه لنا على معرفته برهانا واضحا ودليلا, وبعث به إلينا محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم معلما ومبينا ورسولا, وجعله معجزة له ما بقي الدهر سرمدا طويلا, وحفظه فلم يقدر مبطل ولا معاند أن يحدث فيه تغييرا ولا تبديلا, صلى الله عليه وعلى آله مدى الدهر بكرة وأصيلا.
صفحہ 5
وبعد: فلما كان القرآن الذي هو كلام ربنا, ومعجزة نبينا, ومنبع العلوم, ومعدن المعارف والفهوم, كان على العاقل العالم المؤمن المسلم الدين الموحد قراءته ودراسته, وتفهمه وتلاوته, وعلى قدر قراءته وتلاوته وتفهمه يكون عمله وإيمانه وإسلامه وتوحيده وفضله كله, وإذا كان ذلك كذلك كان قراءة القرآن أفضل الأعمال, وأسنى المقامات والأحوال وأشرف الأذكار والأقوال. وقد جاء من السنة في ذلك ما يدل على ذلك فرأيت أن أكتب في ذلك كتابا وجيزا يحتوي على فضل القرآن وقارئه ومستمعه والعامل به وحرمته, وحرمة القرآن وكيفية تلاوته والبكاء عنده وفضل من قرأه معربا, وذم من قرأه رياء وعجبا, إلى غير ذلك مما يضمنه الكتاب, حسبما هو مبين في أبواب.
وكان المقصد الأول تخريج أربعين حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم , لما رواه يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع مولى بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة حتى يؤديها إليهم كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة)) قال أبو عمر هذا أحسن إسناد جاء به هذا الحديث ولكنه غير محفوظ ولا يعرف من حديث مالك. وقال أبو علي بن السكن:
صفحہ 6
وليس يروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت .
قال الشيخ المؤلف رحمه الله قلت: ولكنه من أجلها بادر طلاب الخير الراغبون في اكتساب الأجر إلى تخريجها, فرأيت من سبق من أئمتنا العلماء والسادة الفضلاء رضوان الله عليهم قد خرجوا من ذلك كثيرا في العبادات وفضل الجهاد وقضاء الحاجات وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم , إلى غير ذلك من الترغيب والترهيب, والأحاديث المسلسلات. فاستخرت الله سبحانه في ذلك وسألته التيسير علي في ذلك فيسر لي تخريج أربعين بابا في فضل كتابه العزيز وقارئه ومستمعه والعامل به وسميته:
((كتاب التذكار, في أفضل الأذكار))
وهو سبحانه المسؤول أن يجعل ذلك خالصا لوجهه بمنه وكرمه ولطفه, وأن ينفعني به ووالدي ومن قرأه وسمعه آمين وهذه تسمية أبوابه:
الباب الأول: في أن القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق.
الباب الثاني: في تنزيل القرآن وأسمائه وترتيب سوره وآيه.
صفحہ 7
الباب الثالث: في أن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
الباب الرابع: في فضل القرآن.
الباب الخامس: في علو القرآن على سائر الكتب المنزلة.
الباب السادس: فيما جاء من تفضيل القرآن بعضه على بعض, ويتصل به الكلام في تفضيل الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.
الباب السابع: في أن القرآن أفضل الذكر إذا عمل به.
الباب الثامن: في قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبدنا}.
الباب التاسع: في فضل من أعطى القرآن وعمل به.
الباب العاشر: في مثل من قرأ القرآن وعمل به.
الباب الحادي عشر: في الماهر بالقرآن.
الباب الثاني عشر: في أن القرآن حجة لك أو عليك.
الباب الثالث عشر: في الآداب التي ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ بها.
الباب الرابع عشر: في الأمر بتعلم كتاب الله واتباع ما فيه والتمسك به.
الباب الخامس عشر: في أن أفضل الخلق إيمانا من عمل في كتاب الله تعالى.
الباب السادس عشر: فيما جاء في تلاوة القرآن في الصلاة وأنها أفضل الأعمال.
صفحہ 8
الباب السابع عشر: في المدة التي يستحب فيها ختم القرآن.
الباب الثامن عشر: في ختم القرآن العظيم وما يستحب فيه .
الباب التاسع عشر: في أن القلوب تصدأ وجلاؤها تلاوة القرآن.
الباب العشرون: في أن العلم والقرآن ميراث الأنبياء عليهم السلام.
الباب الحادي والعشرون: فيما يجوز من السؤال بالقرآن وما لا يجوز والحكم في ذلك.
الباب الثاني والعشرون: في الأمر بتعاهد القرآن بكثرة التلاوة.
الباب الثالث والعشرون: في تنزل السكينة لتلاوة القرآن والأمر بمداومة القراءة لذلك.
الباب الرابع والعشرون: فيما لتالي القرآن ومستمعه من الثواب العظيم والأمر الجسيم.
الباب الخامس والعشرون: في ثواب من قرأ القرآن فأعربه.
الباب السادس والعشرون: في فضل قراءة السر على الجهر.
الباب السابع والعشرون: فيما جاء فيمن تعلم القرآن أو علمه.
الباب الثامن والعشرون: في دفع البلاء بتعلم القرآن.
الباب التاسع والعشرون: في أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
الباب الموفى ثلاثين في إضاءة البيت الذي يقرأ فيه القرآن.
الباب الحادي والثلاثون: في ترتيل القرآن والترسل والإنكار على من هذ فيها.
الباب الثاني والثلاثون: في حسن الصوت بالقرآن وترك الترجيع والتطريب وما للعلماء في ذلك.
صفحہ 9
الباب الثالث والثلاثون: في الآداب التي تلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته.
الباب الرابع والثلاثون: فيما جاء في حامل القرآن من هو وفيمن عاداه.
الباب الخامس والثلاثون: في البكاء والخشوع عند تلاوة القرآن وسماعه وفيما يحمل على ذلك.
الباب السادس والثلاثون: في الصعق والغشية عند سماع القرآن وتلاوته والحكم في ذلك.
الباب السابع والثلاثون: فيما جاء أن القرآن شافع مشفع.
الباب الثامن والثلاثون: في تحذير أهل القرآن من العجب والرياء.
الباب التاسع والثلاثون: في عظم ذنب من حفظ القرآن ونسيه.
الباب الموفى أربعين: في التنبيه على أحاديث وضعت في فضل سور القرآن وذكر ما ورد من الأخبار في ذلك وذكر بعض منافعه على ما تراه مبينا إن شاء الله تعالى والله ولي التوفيق.
صفحہ 10
الباب الأول في أن القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق
صفحہ 11
قال الله عز وجل: {قرآنا عربيا غير ذي عوج} قال ابن عباس ومالك بن أنس: غير مخلوق. وهذا إجماع. وقد جاء من أخبار الآحاد في ذلك ما يدل على ذلك من ذلك حديث ابن مسعود رواه الأحوص عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق فمن قال غير ذلك فهو كافر بالله)) وروى الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي الدرداء قال: قلت يا رسول الله القرآن مخلوق, فقال عليه السلام: ((القرآن كلام الله غير مخلوق)) وروى ابن لهيعة عن قيس الثمالي عن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه إذ قام مستوفزا فقال: ((يا بلال ناد الصلاة جماعة)) فنادى بالصلاة فاجتمع المهاجرون والأنصار فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أيها الناس إن القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق, منه خرج وإليه يعود)) فقيل يا رسول الله تخوفت علينا؟ فقال: ((لا ولكن سيأتي بعدي أقوام يزعمون أن القرآن مخلوق وكذبوا يلقون الله كذابين فمن كذب على الله فقد كفر وهو في النار)) وروى كهمس بن الحسن أبو الحسن عن الحسن البصري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كل ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن وذلك أنه كلامه منه بدأ وإليه يعود وسيجيء في آخر الزمان أقوام من أمتي يقولون القرآن مخلوق فمن قال ذلك فقد كفر بالله العظيم وطلقت منه امرأته من ساعته لأنه لا ينبغي لمؤمنة أن تكون تحت كافر إلا أن تكون المرأة سبقته بالقول)).
صفحہ 14
قال المؤلف رضي الله عنه ذكر هذه الأحاديث بإسناده الإمام الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوايلي السجستاني في كتاب الإبانة له عن مذهب السلف الصالح في القرآن وإزالة شبه الزائغين بواضح البرهان وهي عزيزة الوجود قلما توجد في كتاب ومعرفتها تساوي رحلة وأهل السنة مطبقون على القول بها. قال عبد الله بن المبارك سمعت الناس منذ تسعة وأربعين سنة يقولون من قال إن القرآن مخلوق فامرأته طالق ثلاثا بتة قلت ولم ذلك؟ قال: لأن امرأته مسلمة، ومسلمة لا تكون تحت كافر. وروى أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين من حديث حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبيد بن عبد الغفار وكان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم عتاقة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا ذكر القرآن فقولوا كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر)) قال أبو حفص هذا قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهو قول جماعة الصحابة والتابعين من أهل العلم كابرا عن كابر، وقرنا بعد قرن وخلفا عن سلف وما نعلم أحدا من الأئمة ممن تقدم أو تأخر لا صحابي ولا تابعي ولا فقيه ولا مقري ولا أحد ممن نسب إلى الإمامة بالعلم قال بغير هذه المقالة ولا خالف هذه المقالة إلا من عرف بسقوط العدالة والذم له واللعنة.
صفحہ 16
بيان ما أشكل من قوله عليه السلام منه خرج وإليه يعود. قال البيهقي: قوله منه خرج. فمعناه منه سمع وبتعليمه تعلم وبتفهيمه فهم وقوله وإليه يعود، فمعناه وإليه تعود تلاوتنا لكلامه وقيامنا بحقه كما قال: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح} على معنى القبول له والإثابة عليه وقيل معناه هو الذي تكلم به. وهو الذي أمر بما فيه ونهى عما حظر فيه. وإليه يعود هو الذي يسألك عما أمرك به ونهاك عنه. وروى ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن أبي هلال وهو سعيد عن ثابت عن عبد الله بن عمرو قال: لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل. له دوي حول العرش كدوي النحل فيقول الرب عز وجل مالك؟ فيقول يا رب منك خرجت وإليك أعود. أتلى ولا يعمل بي أتلى ولا يعمل بي ذكره الوايلي أبو نصر في كتاب الإبانة وقال هذا الحديث لم نكتبه إلا من هذا الوجه عن ابن لهيعة والله أعلم.
صفحہ 17
وقد ذكر بعض أهل العلم المتبعين أن الأحاديث الواردة في القرآن مما حكى فيه نطق منسوب إلى القرآن، أن المراد به ثواب القرآن. وممن قال ذلك أبو عبيد.
تنبيه: قوله عليه السلام: ((كل ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن)) مثل قوله تعالى: {لله ما في السماوات وما في الأرض} فما في الآية والحديث بمعنى الذي وهي متناولة لمن يعقل وما لا يعقل من غير تخصيص فيها بوجه. لأن كل من في السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما خلق الله تعالى وملك له، وإذا كان ذلك كذلك يستحيل على الله أن يكون في السماء أو في الأرض، إذ لو كان في شيء لكان محصورا أو محدودا، ولو كان ذلك لكان محدثا، وهذا مذهب أهل الحق والتحقيق.
صفحہ 18
وعلى هذه القاعدة قوله تعالى: {أأمنتم من في السماء} وقوله عليه السلام للجارية ((أين الله؟)) قالت في السماء ولم ينكر عليها وما كان مثله ليس على ظاهره بل هو مؤول تأويلات صحيحة قد أبداها كثير من أهل العلم في كتبهم. وقد بسطنا القول في هذا بكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى عند قوله تعالى:
صفحہ 19
{الرحمن على العرش استوى}.
فصل لا خلاف بين الأمة ولا بين الأئمة أهل السنة أن القرآن اسم
صفحہ 20
لكلام الله عز وجل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معجزة له غابر الدهر وأنه محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مكتوب في المصاحف معلومة على الاضطرار سوره وآياته مبرءات من الزيادة والنقصان حروفه وكلماته، فلا يحتاج في تعريفه بحد، ولا في حصره بعد، وأنه له نصف وربع. فنصفه من آخر سورة الكهف إلى آخر سورة قل أعوذ برب الناس، وربعه من أول سورة ص إلى آخر قل أعوذ برب الناس، وله مع ذلك خمس وسبع وتسع وعشر وفي الكتابة الموجودة في الصحف، وفي القراءة الموجودة بالألسنة ستة آلاف آية ومائتا آية وآية. وفيها من الحروف ثلاثمائة ألف حرف وأحد عشر ألفا ومائتان وخمسون حرفا وحرف. وكلام الله القديم الذي هو صفته لا نصف له ولا ربع ولا خمس ولا سبع ولا هو ألوف ولا مئون ولا آحاد وإنما هو صفة واحدة، لا ينقسم ولا يتجزأ، وهذا مما يدل على أن التلاوة غير المتلو والقراءة غير المقروء، فإن القراءة عند أهل الحق أصوات القراء ونغماتهم، وهي اكتسابهم التي يؤمرون بها في حال إيجابا في بعض العبادات، وندبا في كثير من الأوقات ويزجرون عنها إذا أجنبوا أو يثابون عليها ويعاقبون على تركها. وهذا مما اجتمع عليه المسلمون ونطقت به الآثار، ودل عليه المستفيض من الأخبار ولا يتعلق الثواب والعقاب إلا بما هو من اكتساب العباد، ويستحيل ارتباط التكييف والترغيب والتضعيف بصفة أزلية خارجة عن الممكنات وقبيل المقدورات، والقراءة هي التي تستطاب من قارئ، وتستبشع من آخر، وهي الملحونة والقويمة والمستقيمة، وتنزه عن كل ما ذكرنا الصفة القديمة ولا يخطر لمن لازم الإنصاف أن الأصوات التي يبح بها حلقه وتنتفخ على مستقر العادة بها أوداجه، وتقع على الإيثار والاختيار محرفا وقويما وجهوريا رخيما، ليس كلاما لله تعالى إذ هي مخلوقة مبتدعة والمفهوم منها كلام الله القديم الأزلي الذي تدل عليه العبارات وليس منها، وهو غير حال في القارئ ولا موجود فيه. وسبيل القراءة والمقروء والتلاوة والمتلو كسبيل الذكر والمذكور فالذكر يرجع إلى قول الذاكر، والرب المذكور المسبح الممجد غير الذكر والتسبيح والتمجيد.
قال المؤلف رضي الله عنه هذا ما ذكره في هذا الباب علماؤنا رحمة الله عليهم وقد زدناه بيانا في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى واختلف هل القرآن مشتق أم لا؟ فقال الفقيه الإمام الشافعي رضي الله عنه: سمى الله تعالى كلامه قرآنا بمثابة اسم علم لا يسوغ إجراؤه على موجب اشتقاق ويجوز أن يقال أيضا سمى كلام الله قرآنا من حيث أنه يتلى ويقرأ بأصوات تنتظم وتتوالى وتتعاقب وينصرم المقتضى منها فسمى الكلام القديم قرآنا من حيث إنه مقروء ومتلو بما فيه من الاجتماع والتوالي والتعاقب وهو قراءة المقرئين وأصوات التالين. وقال ابن إسحاق صاحب المغازي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
صفحہ 21
الحمد لله ربي لا شريك له ... ذي الحول والقوة المسترزق الباقي القاهر المنزل القرآن ندرسه ... فيه أحاديث عن موسى وإسحاق
على نبي من الأخيار مؤتمن ... يأتي على كل تنزيل بمصداق
صدقت بالحق منه واستجبت له ... وما ركبت على العمياء أوراقي
وقال أيضا رضي الله عنه:
فقدنا الوحي إذ وليت عنا ... وودعنا من الله الكلام
سوى ما قد تركت لنا رهينا ... توارثه القراطيس الكرام
فقد أورثتنا ميراث صدق ... عليك به التحية والسلام
قال المؤلف الصحيح أن القرآن مشتق من قرأت الشيء إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض، ومنه قولهم ما قرأت هذه الناقة سلاقط وما قرأت جنينا أي لم تضم رحمها على ولد قاله الجوهري وقال أبو عبيدة سمى القرآن قرآنا لأنه يجمع الصور فيضمها. وقال الهروي: سمي به لأنه جمع فيه القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد وكل شيء جمعته فقد قرأته وتحذف الهمزة فيقال قريت الماء في الحوض وقوله تعالى: {إنا علينا جمعه وقرآنه} أي قراءته. قال الشاعر:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة ومنه {وقرآن الفجر} أي قراءة الفجر وحكى عن الشافعي رحمه الله تعالى أن القرآن اسم علم لكتاب الله تعالى غير مشتق كما ذكرنا وكذلك التوراة والإنجيل والصحيح الإشتقاق في الجميع والله أعلم.
صفحہ 22
الباب الثاني في تنزيل القرآن وأسمائه وترتيب سوره وآيه
سمى الله سبحانه عز وجل وعلا كتابه العزيز بأسماء عديدة: كتابا. ومتشابها. ونبأ. ومثاني. وقرآنا. وفرقانا. وحقا. ونورا. وسراجا. ومبينا. وبيانا. وبينة. وهدى. وبشرى. وموعظة. وذكرى. ومباركا. وعلما. وحكمة. ورحمة. ونعمة. وشفاء. وكلاما. وكلما. وقيلا. وقولا. وحديثا. وأمرا. وفصلا. وفضلا. ومصدقا. وصدقا. وتصديقا. ومهيمنا. وصراطا وحبلا. وشرفا. وآيات. وروحا. وعليا. وبشيرا. ونذيرا. وحكيما. وكريما. وعظيما. ومجيدا. وعزيزا. وتنزيلا. وصحفا مطهرة. وتذكرة.
صفحہ 23
قال المؤلف رضي الله عنه: هذا الذي تحصل لي من أصل أسمائه من الكتاب. وفي حديث ابن مسعود: مأدبة, نافع, عصمة, نجاة, وسيأتي. وفي حديث أبي شريح الخزاعي: سبب, وسيأتي. وسمي أيضا توراة, ذكره القاضي عياض في كتاب الشفا قال الله تعالى: {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} وقال: {تنزيل العزيز الرحيم } وقال: {حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة} يريد ليلة القدر كما قال: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وقال الشعبي: المعنى إنا ابتدأنا إنزاله إلى سماء الدنيا في ليلة القدر وقال: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} فبين سبحانه الزمن الذي أنزل فيه القرآن.
صفحہ 24
واختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا وعلى النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال, فروى أنه انزل كما جاء في الأخبار أنه نزل لأربع وعشرين من شهر رمضان, أي ليلة خمس وعشرين, وقيل في تفسيره كان ينزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في كل ليلة قدر ما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة إلى التي تليها, فينزل جبريل ذلك نجوما بأمر الله تعالى فيما بين الليلتين من السنة إلى أن نزل القرآن كله من اللوح المحفوظ في عشرين ليلة, وعلى النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة, وقيل بل نزل فيه جبريل عليه السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا, ووضعه في بيت العزة وأملاه جبريل على السفرة ثم كان جبريل ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما نجوما, وكان بين أوله وآخره ثلاثة وعشرون سنة. قاله ابن عباس. وحكى الماوردي عن ابن عباس قال: نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر, وفي ليلة مباركة. ذكر المروزي في كتابه قيام الليل عن جرير بن حازم قال: إنه قرأ في كتاب من كتب أبي قلابة: أن التوراة أنزلت ليلة ست من رمضان وأن الزبور أنزل لاثنتي عشرة ليلة من رمضان بعد التوراة بألف وخمسمائة عام, وأن الإنجيل أنزل لثمان عشرة ليلة من رمضان بعد الزبور بألف عام, وأن القرآن أنزل ليلة أربع وعشرين بعد الإنجيل بثمانمائة عام, جملة واحدة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا, فنجمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين ليلة, ونجمه جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة. قال القاضي أبو بكر ابن العربي: هذا باطل, ليس بين جبريل وبين الله واسطة ولا بين جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم واسطة. وقال تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}.
قال المؤلف رضي الله عنه: فهذه ثلاثة أقوال أشهرها أوسطها, والأول غريب يستظرف ذكره الحليمي في كتاب منهاج الدين, والثالث ضعيف والله أعلم.
واختلف أيضا في كم نزل القرآن من المدة؟ فقيل في خمس وعشرين سنة, وقال ابن عباس: في ثلاث وعشرين. وقال أنس: في عشرين, وهذا بحسب الخلاف في سن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
صفحہ 26
قال المؤلف رضي الله عنه: وهذه الأقوال الثلاثة ثابتة في صحيح مسلم. ورأيت لأبي جعفر النحاس في كتاب معاني القرآن له قولا رابعا: أنه عليه السلام توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة. ورأيت أيضا للبيهقي في كتاب دلائل النبوة أنه توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ونصف سنة. ولا خلاف أن مبدأ نزول القرآن، بمكة وأن منه مكيا ومدنيا، وأن ترتيب سوره وآيه توقيف. وذكر أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري في كتاب الرد له على من خالف مصحف عثمان رضي الله عنه: أن الله الذي لا إله إلا هو تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن كل عيب، أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا، ثم فرق على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، وكانت السورة تنزل في أمر يحدث، والآية جوابا لمستخبر يسأل، ويوقف جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع السورة والآية، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف، فكله عن محمد خاتم النبيين عن رب العالمين. فمن أخر سورة مقدمة، أو قدم وأخر فهو كمن أفسد نظم الآيات، وغير الحروف والكلمات. ولا حجة على أهل الحق في تقديم البقرة على الأنعام، والأنعام نزلت قبل البقرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ عنه هذا الترتيب وهو كان يقول: ((ضعوا هذه السورة موضع كذا وكذا من القرآن)) وكان جبريل عليه السلام يوقفه على مكان الآيات حدثنا حسن بن الحباب حدثنا أبو هاشم حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن البراء قال: آخر ما نزل من القرآن {يفتيكم في الكلالة} قال أبو بكر بن عياش: وأخطأ أبو إسحاق لأن محمد بن السايب حدثنا عن أبي السايب عن ابن عباس قال: آخر ما نزل من القرآن: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ضعها في رأس ثمانية ومائتين من البقرة. وذكر ابن وهب في جامعه قال سمعت سليمان بن بلال يقول: سمعت ربيعة يسأل لم تقدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة، وإنما نزلتا بالمدينة؟ فقال ربيعة: قد قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه وقد اجتمعوا على العلم بذلك، فهذا مما ينتهي إليه ولا يسأل عنه. وقال مكي رحمه الله: إن ترتيب الآيات والسور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم ولما لم بذلك في أول سورة براءة تركت بلا بسملة وقال القشيري أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم: والصحيح أن البسملة لم تكتب في براءة لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها في هذه السورة.
قال المؤلف رضي الله عنه: والمعنى في ذلك والله أعلم على ما ذكره بعض العلماء، أنه كان من شأن العرب في زمانها في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد فأرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا في أوله بسملة، فلما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين نزلت بغير بسملة، وبعث بها النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقرأها عليهم في الموسم، ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عاداتهم في نقض العهد من ترك البسملة والله أعلم.
صفحہ 29
وللعلماء من ترك البسملة في سورة براءة خمسة أقوال ذكرناها في كتاب جامع أحكام القرآن والمبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان وذكرناها أيضا في كتاب الانتهاز في قراء أهل الكوفة والبصرة والشام وأهل الحجاز نذكر منها هنا قولين، أحدهما ما ذكرناه، والآخر أن ذلك كان عن اجتهاد من عثمان كما ذكره النسائي في كتابه بإسناده عن يزيد الرقاشي. قال: قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان ما حملكم إلى أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال. فما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: ((ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا)) وكانت الأنفال من أوائل ما نزل، وبراءة من أواخر ما نزل من القرآن، وكانت قصتها شبيها بقصتها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا إنها منها فظننت أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم. قال علماؤنا: وفي قول عثمان وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا، أنها منها دليل على أن السور كلها انتظمت بقوله وتبيينه، وأن براءة وحدها ضمت إلى الأنفال من غير عهد من النبي صلى الله عليه وسلم لما عاجله من الحمام قبل تبيينه ذلك، وكانت تدعى القرينتين، فوجب أن تجمعا وتضم إحداهما إلى الأخرى للوصف الذي لزمهما من الاقتران والله أعلم.
الباب الثالث في أن القرآن أنزل على سبعة أحرف
صفحہ 30