وجوده شيئا يفيده الوجود فإنا نبين ما فيه من الخطأ ، ونقول : إن المعقول الذي نقول إن موجدا يوجده ، لا يخلو إما أن يفيده الوجود فى حالة العدم ، أو فى حال الوجود ، أو فيهما جميعا. ومعلوم أنه ليس موجدا له فى حال العدم ، فيبطل أن يكون موجدا فى الحالين جميعا ، فيبقى أن يكون موجدا له فى الحالة التي هى موجودة. فيكون الموجد إنما هو موجد الموجود وهو الذي يوصف بأنه موجد لشىء لا يوصف بأنه يوجد ، لأن لفظة «يوجد» توهم وجودا مستقبلا ليس فى الحال. فإن أزيل هذا الإيهام ، صح أن يقال إن الموجد موجد ، أى يوصف بأنه يوجد. فكما أنه فى حال ما هو موجود يوصف أنه موجد ولفظة «يوصف» لا يعنى به أنه فى الاستقبال يوصف كذلك الحال فى لفظة «يوجد». فلسنا نقول : إن الموجد يحتاج إلى موجد ، بل نقول : إنه يحتاج إلى مستبقى ومستحفظ.
اللازم ما يلزم الشيء لأنه هو ، ولا يقوم الشىء واللوازم كلها على هذا ، أى يلزم ملزومها لأنه هو.
لوازم الأول تكون صادرة عنه ، لا حاصلة فيه ، فلذلك لا تتكثر بها ، لأنه مبدؤها ، فلا يرد عليه من خارج. ومعنى اللازم أن يلزم شىء عن شىء بلا واسطة شىء ، أو يلزم شىء شيئا بلا واسطة شىء ، أو يلزم شىء شيئا بلا واسطة. ولوازم الأول لما كان هو مبدؤها كانت لازمة عنه ، صادرة لا لازمة له من غيره ، حاصلة فيه. وصفاته هى لازمة لذاته على أنها صادرة عنه ، لا على أنها حاصلة فيه ، فلذلك لا يتكثر بها وهو موجبها. فتلك اللوازم وتلك الصفات تلزم ذاته لأنه هو ، أى هو سببها لا شىء آخر. واللوازم التي تلزم غيره لا تلزمه لأنه هو ، بل قد يكون بوساطة شىء آخر ولازم آخر. وإذا لم يكن بوساطة شىء كان لازما له لأنه هو. واللوازم كلها حقيقتها أنها تلزم الشىء لأنه هو.
لازم الأول لا يجوز أن يكون إلا واحدا بسيطا ، فإنه لا يلزم عن الواحد إلا واحد. ثم اللازم الآخر يكون لازم لازمه. وكذلك اللازم الثالث يكون لازم لازمه ، ثم يكون الأمر على ذلك ، وتكون كثرة اللوازم للأول على هذا الوجه. وهذا كما نقول : إن الموجود شىء ، ثم يلزم عنه أنه نقطة ، ثم يلزم عن النقطة أنه شىء آخر.
صفحہ 180