فيه بالقوة ، لأن علمها ليس لها بذاتها كما أن وجودها ليس لها من ذواتها : وهى بالاعتبار إلى ذواتها غير واجبة الوجود بل ممكنة كذلك ، باعتبار ذواتها عقولها وعلمها بالقوة. وإذا صح فى العقل الذي بالقوة أن يقال إنه كل شىء وإنه يعقل المعقولات بالفعل بلا نهاية فهو يعقل الأشياء غير المتناهية لأنه سبب كل معقول ، والمعقولات صادرة عنه على مراتبها واختلاف أحوالها من الأبدية والحادثة والقارة وغير القارة ، فهى كلها حاصلة له بالفعل ، وهذا كما تقول إن الأشياء الموجودة دائما والموجودة فى وقت بعد وقت والشيء المنقضى شيئا فشيئا كالزمان والحركة التي هى غير موجودة الجملة والقارة بالجملة والمعدومة فى الماضى والمعدومة فى المستقبل كلها بالإضافة إليه موجودة وحاصلة بالفعل لأنه سبب وجودها ومبدأ الأسباب التي توجد عنها ، وهو يعقل ذاته ولوازم لوازمه إلى أقصى الوجود ، وكل المعقولات حاصلة له حاضرة عنده. وحالها عنده بالسواء فى كل حال ، أعنى قبل وجودها وعند وجودها ومع وجودها لا يتغير بوجودها وهو يعقل الأشياء معا ولا يعقلها شيئا فشيئا حتى يستكمل بمعقول ، ويتسبب (1) به إلى معقول آخر ، فإن عقله بالفعل : فهو يعقل الأشياء معا ودائما ويعقلها إلى ما لا نهاية ، والعقول البشرية لأنها بالقوة ليس بالفعل لا تعقل الأشياء معا ولا دائما ولا إلى ما لا نهاية بل تعقلها شيئا فشيئا وتتسبب مما تعقله إلى ما لا تعقله.
الموجودات ، ما خلا واجب الوجود الذي وجوده له من ذاته ، هى ممكنة الوجود. إلا أن منها ما إمكان وجوده فى غيره ، ومثل ذلك يتقدم وجوده بالفعل وجوده بالقوة وهى الممكنة الوجود على الإطلاق والكائنة. ومنها ما إمكان وجوده فى ذاته وهو الذي لا إمكان وجوده معه ولم يتقدم وجوده بالفعل وجوده بالقوة وهى العقول وسائر المبدعات. وإنما يقال فيها إنها ممكنة الوجود بمعنى أن تعلق وجودها لا بذاتها بل بموجدها ، فهى بالإضافة إليه موجودة ، وباعتبارها فى ذواتها غير موجودة.
علم البارى بالأشياء الجزئية هو أن يعرف الأشياء من ذاته وذاته مبدأ لها ، فيعرف أوائل الموجودات ولوازمها ولوازم لوازمها إلى أقصى الوجود. وكل شىء فإنه بالإضافة إليه واجب الوجود وبسببه فهو موجود بالإضافة إليه : مما وجد ومما يوجد. فإذا كانت الأشياء الجزئية أسبابا يلزم عنها تلك الجزئيات ولتلك الأسباب أسباب حتى تنتهى إلى ذوات الأول وهو يعرف ذاته ويعرفه سببا للموجودات ويعرف ما يلزم عن ذاته وما يلزم عن لازمه وكذلك هلم جرا حتى ينتهى إلى الجزئى ، فإنه يعرفه لكنه يعرفه بعلله وأسبابه. وهذا العلم لا يتغير بتغير الشخصى المعلوم فإن أسبابه لا تتغير
صفحہ 28