ولا يصح أن يسبق تلك التصورات المتخيلات أمور مخصصة ، فإن كل ما يفرض من تلك الأمور مخصصا للتصور يجب أن يكون وجوده بعد أن يسبقه التصور. فيجتمع من هذا أن المتخصص أولا وبذاته ، والمتشخص أولا وبذاته ، التصورات التي هى الإرادات. وإذ كان الجسم المتقدم بالطبع هو الفلك ، وكان التخيل أو ما يجرى مجراه يصح بجسم ، وجب أن تكون تلك الإرادات لذلك الجسم الفلكى ، فتكون الحركات وسائر الأنواع ، التي تتكثر أشخاصها ، بعد تلك الإرادات.
التصور العقلى ، وهو الإرادة الكلية ، لا يكون منه شىء جزئى ، إذ يكون كليا ، والخيالى يكون منه الجزئى والحركات وهى متجددة ، وطباعها أن تكون وتبطل فلا يصح أن تتخصص بذاتها ، ويجب أن يسبق كل حركة تصور حتى يصح وجودها. فالتصور يجب أن يتخصص بذاته ، ولا شىء يسبقه يكون سببا لتخصصه أو يكون مخصصا له. والأشياء الحادثة بينها الحركات لا محالة.
تعقل واجب الوجود لذاته سبب لصدور الموجودات عنه. وهو أحدى الذات ، فيلزمه شىء واحدى الذات ، وهو العقل الفعال. وكما علمنا أنه يجب أن يكون اللازم عنه لذاته يلزم عنه لا بمتوسط ، كذلك يجب أن يكون فى المخصصات شىء بذاته يتخصص بلا مخصص ، وهو الإرادة الجزئية التي للنفس الفلكية. ويجب أن تكون كل إرادة متقدمة علة لوجود ما بعدها من الإرادات على الترتيب السببى والمسببى. وهذا أيضا مما يدل على أن الإرادات تتخصص بذواتها لا بغيرها ، إذ كل إرادة متقدمة علة لما بعدها.
هذه الإرادة هى الغاية المحركة ، وهى الموجدة لها ، والفاعلة على مثال ما تكون الغايات فاعلة.
تخصص الإرادة هو تميزها وانفرادها عن الإرادة الكلية المطلقة. وليس يحصل فعل إلا من إرادة متخصصة : فإنا نقول مثلا إنه كلما حصلت بصفة كذا وكذا ، حصلت حركة بهذه الصفة ، فتسير إلى إرادة ما متخصصة جزئية ، وهى بذاتها تتخصص لا تحتاج إلى مخصص. ويجب أن يكون فى المخصصات ما يتخصص بذاته ، وإلا تمادى إلى غير النهاية ، ولا يتخصص شىء. وكذلك فى كل شىء يجب أن يكون فيه ما يتحقق بمعنى ذلك الشىء بذاته وأولا ، حتى يصح وجود ذلك الشىء. وكذلك فى الأسباب ، يجب أن يكون فيها ما هو سبب بالذات وأولا ، ولا يحتاج إلى سبب حتى يحصل هذا الشىء المسبب. وفى الموجودات ما يوجد بذاته وأولا حتى يوجد الموجودات.
صفحہ 165