طعام فی عالم قدیم
الطعام في العالم القديم
اصناف
الفصل التاسع
الطعام في الأدب
يقول أثينايوس إن الكثير من هؤلاء كانوا حاضرين في مأدبة العشاء التي أقامها لارينسيس، وأنهم أحضروا معهم أعمالهم الأدبية - وكأنها مشاركات يأتي بها الخارجون في إحدى النزهات الخلوية - وهي ملفوفة مثل أغطية الأرائك. (ملخص «مائدة الحكماء» لأثينايوس)
يحفل هذا الكتاب باقتباسات من الكثير من الفقرات الأدبية، وكثيرا ما يربط البعض بين النصوص التي ربما توصف بأنها «أدبية» والنصوص «المتخصصة» أو «الفلسفية/العلمية». وهذه فئات مضللة من الكثير من النواحي؛ إذ من الملاحظ أن قصائد هوميروس - وهي أقدم ملاحم في اليونان وسبقت أي أعمال أدبية أخرى - استخدمت في القرون اللاحقة ليس فقط كسجلات لتسجيل الحقيقة الأدبية، بل أيضا كأساس للنظام التعليمي، بما في ذلك النصائح العلمية والمتخصصة. وسنرى فيما بعد - على سبيل المثال - كيف أن أثينايوس النقراطيسي أثبت في القرن الثالث الميلادي أن هوميروس قدم أفضل نموذج للسلوك المتبع في جلسات الشراب. وعلى العكس من ذلك، رأينا في الفصل السابق أن جالينوس - الذي قد يبدو للوهلة الأولى أنه ليس إلا مؤلفا متخصصا في النصوص الطبية - كان يعتبر نفسه في الواقع فيلسوفا متعدد الاهتمامات، ويمكنه أن يكتب أيضا في جميع مجالات الفكر واللغة والثقافة.
إذن، ينصب الهدف من هذا الفصل في أربعة جوانب؛ أولا: إلقاء الضوء بإيجاز على سمات معينة للنصوص الأدبية الوثيقة الصلة بالسمات الاجتماعية والدينية والعلمية التي تعرفنا عليها في الفصول السابقة. ثانيا: تحديد أهم السمات التي تميز اقتران الأدب بالطعام وعادات تناول الطعام. ثالثا: عرض استخدام الطعام في أجناس أدبية معينة مثل الملاحم والهجاء والمسرح التراجيدي. وأخيرا: استخلاص الأفكار الرئيسة للكتاب ككل، بالإضافة إلى تقديم عرض نقدي عن المؤلفين اللذين تحدثنا عنهما كثيرا وينتميان إلى الحقبة الإغريقية الرومانية - وهما أثينايوس وجالينوس - إذ سيساعدان في تحقيق مزج مترابط بين الأعراف «الأدبية» و«العلمية» والثقافية المتوارثة.
شكل 9-1: لوحة فسيفساء تصور عوليس وجنيات البحر، من ملحمة «الأوديسا» لهوميروس (القرن الثالث الميلادي) متحف باردو، بمدينة تونس العاصمة في تونس. تعبر لوحة الفسيفساء هذه، من مدينة دقة التونسية، عن غنى الحياة الريفية لدى البعض في شمال أفريقيا. وقد وضعت الصورة عند بئر تماشيا مع موضوعها الذي يدور في البحر. يمثل المشهد أوديسيوس وهو مقيد إلى الصاري ليقاوم الأغنية المغرية التي تنشدها جنيات البحر اللاتي يظهرن كفتيات شابات. يعبر الموضوع عن أهمية هوميروس الدائمة في الأدب والفن في الحقبة المتأخرة من الإمبراطورية الرومانية. وفي هذه الرواية نجد أن أوديسيوس لا تغريه جنيات البحر فقط، بل يغريه أيضا سرطان بحر كبير يمسك به صياد ويرفعه وهو في قاربه (مصدر الصورة:
http://www.bridgemanimages.com/en-GB ).
وثمة ثلاثة أمثلة ستوضح المشاركة الجادة من جانب الأدب في الموضوعات التي ذكرت في بداية هذا الكتاب. في الجزء السابع عشر من ملحمة «الأوديسا»، يظل تيليماكوس شاعرا بالانزعاج بسبب الخطاب الذين يتقدمون لطلب يد أمه بينيلوبي، ويتعدى واحد من أشدهم جرأة - وهو أنطينوس - على راعي الخنازير؛ لأنه أحضر شحاذا آخر (وهو في الواقع أوديسيوس متنكرا) ليجلس إلى المائدة (375-379، ترجمه إلى الإنجليزية: شورينج):
يا راعي الخنازير المخزي، لماذا أتيت بهذا الرجل إلى المدينة؟ أليس لدينا ما يكفي من المتشردين وأيضا الشحاذين الكريهين والنابشين الذين يقتاتون على فتات مآدبنا؟ ألا يكفيك الرجال المتجمعون هنا من قبل لالتهام طعام سيدك؟ أيجب أن تدعو هذا الشخص أيضا؟
يزخر كلام أنطينوس المنافق بالتعقيدات الأخلاقية، وأهمها شراهته ونهمه وافتقاره إلى روح التبادل، وهو ما يشير إليه تيليماكوس في البيت رقم 404. والآن أؤكد على العنصر الاقتصادي والديني: يربي راعي الخنازير يومايوس قطيعا من الخنازير في الريف لإرساله إلى سيده في المدينة لاستخدامه كطعام، وهو يدير وحدة الإنتاج الريفية التي يخصص إنتاجها للاستهلاك في القصر. فضلا عن ذلك، تقاس ثروة أوديسيوس بدرجة كبيرة بعدد الحيوانات التي يمتلكها. وفيما يخص إطعام الشحاذين فثمة وصية دينية موجهة من زيوس تفيد بتعزيز تلك العادة الاجتماعية.
نامعلوم صفحہ