طعام فی عالم قدیم
الطعام في العالم القديم
اصناف
لا ينتمي هذان النوعان من الطعام إلى الأطعمة أساسا؛ فكما يذكر جالينوس، فإن ثمرة شجرة الأرز أقرب إلى كونها عقارا؛ لأنها تغير الجسم ولا تمده بأي مواد مغذية، وثمرة العرعر تشبهها في ذلك. ومن اللافت للنظر أن هذه الفكرة لم تسهم في استثناء هذين النوعين من التوت من هذا البحث المتعلق بالأطعمة؛ فالمواد المغذية ليست هي المعيار الوحيد. يقع هذان الطعامان في منزلة وسطى بين الأطعمة والعقاقير، شأنهما في ذلك شأن البصل والثوم والكثير من النباتات العطرية مثلا. وكما سنرى، فإن ثمة قدرا كبيرا من التداخل بين العناصر الموجودة في هذا البحث - وهي التي تساعد في تغذية الجسم بوجه عام - وبين العناصر الموجودة في الأبحاث التي تتناول العقاقير، وهي التي تحدث تغييرا في الجسم. ومع ذلك، فإن المشكلة الحالية - كما رأينا بخصوص نوعي الدخن فيما سبق - تكمن في أن القيمة الغذائية للأطعمة في رأي جالينوس، كما هو في رأي عالم التغذية في العصر الحديث، لم تكن تقتصر على المواد المغذية فقط. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه كان يعتبر أن «أنادوسيس» - وهي الحركة خلال الأمعاء - و«القوى» أو القدرات الكامنة تعمل جميعا على تعديل الأخلاط في الجسم.
يتحدث جالينوس عن العقاقير في عدد من الأبحاث، مثل بحث «عن قوى وأمزجة العقاقير البسيطة (العقاقير النباتية البسيطة)»، وبحث «العقاقير المركبة بحسب المكان»، وبحث «العقاقير المركبة بحسب النوع». فالعقاقير - كما أشرت - كثيرا ما تكون عبارة عن أطعمة مجففة أو مركزة تؤخذ ليس بهدف التغذية أو المحافظة على الجسم بل لإحداث تغيير. ومعظم المنهج العلمي المستخدم في بحث «عن قوى الأطعمة» مأخوذ من البحث السابق المعنون ب «عن العقاقير النباتية البسيطة». كان علم العقاقير من أهم المحفزات للمشتغلين في مجال الطب في الحقبة الهلنستية؛ إذ كان عدد من الملوك الذين تعاقبوا على حكم إمبراطورية الإسكندر الأكبر مضطرين لحماية أنفسهم ممن كانوا يدسون لهم السم. ربما كان أبرزهم هو ميثريداتس الرابع ملك بنطس، ولكن من بين الملوك الآخرين ليسيماخوس وأكثر من ملك من الملوك البطالمة، وكانت تجمع أنواع الترياق المضاد للسموم من الكثير من الأصقاع البعيدة من رقعة البلدان الإغريقية الرومانية الآخذة في الاتساع، وكانت الكفالة الملكية تقدم الموارد اللازمة لإتمام الجهود البحثية المتعلقة بالعقاقير والتغذية. والخوف من الاغتيال هو جانب آخر يوضح مدى أهمية القصر الملكي كمركز للتطورات التي تشهدها الأطعمة والمشروبات، سواء بهدف التفاخر أم لأغراض علاجية. لطالما كان خطر دس السم - والسم من المواد التي تضر ولا تغذي - من الأخطار الحاضرة دوما، كما يتضح من خلال أنواع الترياق التي نشأت من القصر الملكي الفارسي ومن الأسرة اليوليو كلاودية التي جاء منها أول خمسة أباطرة في روما. وكان من الوارد أن توضع السموم مع الطعام عند أوقات تناول الطعام، وأحيانا ما كانت توضع بطرق ملتوية للغاية تتطلب ممن دس السم أن يتناول طعاما أو شرابا سليما من نفس ما كان يوشك الضحية على ابتلاعه. يزعم جالينوس أن تناول الجوز والسذاب عند بداية الوجبة يقاوم كل أنواع السموم. (1) البيئة
كانت البيئة من الموضوعات المهمة التي تناولها جالينوس، وفيما يأتي ما يقوله عن أسماك البوري الرمادية (3، 24):
يتوقف مدى كونها أفضل أو أسوأ على نوعية الطعام الذي تتغذى عليه؛ فبعض الأسراب تأكل كمية وفيرة من النبتات المائية والجذور المفيدة؛ ومن ثم يصبح هذا النوع أفضل، بينما تأكل أسراب أخرى نبتات مائية ملوثة بالطين وجذورا غير مفيدة. وبعض أسراب هذه الأسماك التي تعيش في الأنهار التي تجري في المدن الكبرى تأكل من الفضلات البشرية وأطعمة سيئة أخرى؛ ولذلك فهي أسوءها على الإطلاق، كما قلت؛ ولذلك، حتى لو بقيت لمدة قصيرة جدا بعد موتها، فإنها تتعفن على الفور وتفوح منها رائحة كريهة للغاية، وهي كلها ذات طعم كريه ويصعب هضمها، وتحتوي على كمية قليلة من المواد المغذية وكمية كبيرة من الرواسب. إذن لا عجب أنها تؤدي إلى تجمع الأخلاط غير الصحية في جسم من يأكلها يوميا. ومع أن هذه الأسماك من بين أسوأ الأسماك، فعلى العكس من ذلك، نجد أن أفضل أنواع أسماك البوري الرمادية - كما قلت - هي تلك التي تعيش في أشد مناطق البحر صفاء، خصوصا المناطق التي لا تحيط بها شواطئ طينية أو شواطئ ناعمة، وإنما شواطئ رملية أو وعرة. وتكون الأسماك أفضل بكثير إذا كانت الشواطئ عرضة لهبوب الرياح الشمالية؛ فمع أن الحركة تساعد على تمتع كل الحيوانات بأخلاط صحية بدرجة كبيرة، فإن نقاء الرياح التي تمتزج مع الماء يزيد من جودة لحم تلك الأسماك. ومن الواضح أيضا مما قيل - لهذا السبب أيضا - أن ثمة بحارا أفضل من بحار أخرى من حيث كونها صافية تماما أو يصب فيها الكثير من الأنهار الغزيرة مثل بحر بنطس (البحر الأسود)؛ فالأسماك التي تعيش في هذه البحار أفضل من الأسماك التي تعيش في برك، وهي أقل جودة من الأسماك الموجودة في أعالي البحار. (ترجمه إلى الإنجليزية: باول)
وكما ذكرنا آنفا، نجد أن الطبيب التابع لمدرسة أبقراط يتناول المريض من حيث عالم الطبيعة الأكبر المتعلق بالكون، ومن حيث عالم الطبيعة المتعلق بالحيوانات والنباتات. ويتحدث جالينوس عن هذا المفهوم المتعلق بالحياة البشرية بوضوح في عدد من أعماله. ورأينا فيما سبق أن الجسم المثالي كان هو الجسم الإغريقي وليس الجسم المصري الذي كان حارا أكثر مما ينبغي، وليس الجسم الألماني أيضا لأنه كان باردا أكثر مما ينبغي. وفي بحثه المتعلق بالأطعمة يصنف العناصر بوضوح على أسس بيئية وموسمية. يجب أكل النباتات في الوقت المناسب من العام، وينطبق ذلك أيضا على الأسماك والحيوانات. وكما ذكرنا فيما سبق، تتسم أسماك الأنهار بخواص تختلف عن خواص أسماك البحار، والماعز أو الطيور التي نشأت في الجبال تختلف تماما عن نظائرها التي نشأت في السهول. وسن الحيوان أيضا من العوامل ذات الصلة، مثل سن المريض البشري. وهذه الأفكار موضحة كما يجب في بحث جالينوس المرافق لبحث «عن قوى الأطعمة»، وهو «عن المحافظة على الصحة» أو «هايجينا». وفي الفقرة (5، 6) من البحث، يناقش جالينوس خطر الانسداد المعوي لدى الرجال المتقدمين في السن:
إن حالات الانسداد الناتجة عن النبيذ متوسطة، أما حالات الانسداد الناتجة عن الأطعمة المسببة لإفراز عصارة غليظة أو لزجة فليس من السهل علاجها؛ لذلك لا بد أن يمتنع الرجال المتقدمون في السن عن تناول كميات كبيرة من النشا أو الجبن أو البيض المسلوق أو الحلازين أو البصل أو الفول أو لحم الخنزير، ولا بد أن يمتنعوا كذلك عن تناول كميات كبيرة من الثعابين أو طيور العقاب أو كل الحيوانات ذات اللحم القاسي الذي يصعب هضمه؛ ومن ثم، يجب ألا يأكلوا شيئا من القشريات أو الرخويات أو أسماك التونة أو أيا من الحيتانيات أو لحم الطرائد أو الماعز أو الماشية. وهذه الأطعمة لا تكون مفيدة أيضا لأي شخص آخر، ولكن لحم الضأن ليس طعاما مضرا للشباب، ولكن لا شيء من هذه الأطعمة مفيد لكبار السن، وخصوصا لحم الضأن؛ لأن هذا اللحم رطب ولزج ودبق وبارد. ولكني لا أرى أن لحم الطيور غير مناسب لكبار السن، ومن بينها الطيور التي لا تعيش في المستنقعات أو الأنهار أو البرك. وكل الأطعمة المجففة أفضل من الأطعمة الطازجة.
يشرح جالينوس التغيرات التي تطرأ على الأخلاط بسبب الموقع بمزيد من التفصيل في فقرة من بحث «عن النظام الغذائي المستخدم في تخفيف الأخلاط» 8:
إن الطيور التي تعيش في المستنقعات والبحيرات والسهول تكون أكثر رطوبة، وتنتج عنها كمية أكبر من المخلفات. والحيوانات التي تعيش في التلال دائما ما تكون أكثر جفافا وأشد حرارة، وتكون لحومها هي الأقل دبقا والأقل إفرازا للبلغم. في الواقع، كل ما يعيش في الجبال هو أفضل بكثير مما يعيش على الأراضي المنبسطة ... (ترجمه إلى الإنجليزية: سنجر)
تنطبق الحجج نفسها على النباتات، وينعكس اهتمام جالينوس بالتغيرات الموسمية للنباتات لدى علماء النبات. يطرح ديسقوريدوس الموضوع في التمهيد الذي كتبه لموسوعة «عن المواد الطبية» (7):
يجب ألا يغفل المرء حقيقة أن معدل نضج النباتات يتفاوت بحسب الخصائص المميزة للبلد وبحسب المناخ؛ فبعض النباتات تزهر وتورق في الشتاء - وذلك بحسب طبيعتها الخاصة - وبعضها يزهر مرتين في العام. وكل من ينشد الخبرة في هذه الموضوعات ينبغي عليه أن يرى النباتات وهي نبتات صغيرة، خرجت توا من الأرض، ينبغي عليه أن يرى النباتات في أوج ازدهارها وعند ذبولها. (ترجمه إلى الإنجليزية: سكاربورو وناتن)
نامعلوم صفحہ