طعام فی عالم قدیم
الطعام في العالم القديم
اصناف
الأطعمة الأساسية: الحبوب والبقوليات
إضافة إلى ذلك، فإن الخبز الذي يباع في أسواقهم مشهور، وهم يقدمونه في بداية أي وليمة وفي منتصفها دون قيد. وحين يشبعون يقدمون أكلة جذابة ولذيذة للغاية يطلق عليها الخبز المحمص مع النبيذ؛ وهو عبارة عن أكلة خفيفة ولذيذة يشرب فيها الخبز المحمص بالنبيذ الحلو، وله تأثير متناغم حتى إن المرء يشعر بنتيجة رائعة شاء أم لم يشأ. وكما أن الشخص الواقع تحت تأثير الخمر غالبا ما يستفيق مرة أخرى، فإن من يأكل من هذا الخبز يشعر بالجوع مرة أخرى ويتوق إلى طعمه اللذيذ. (لينسيوس الساموسي)
تناولنا في الفصول الثلاثة الأولى العوامل الثقافية التي تؤثر في فهم الطعام في الفكر الإغريقي والروماني، والعوامل الاجتماعية، ومكانة الطعام في الفكر الديني والممارسات الدينية. في هذا الفصل وفي الفصل التالي، نبدأ في مناقشة بعض الأطعمة نفسها؛ إذ نتحدث أولا عن الحبوب والنباتات، ثم عن اللحوم والأسماك.
يقسم الكثير من النصوص القديمة النظام الغذائي إلى مكونات أساسية تتألف من الحبوب أو «سيتوس»، ومكونات من البروتين النباتي والحيواني أو «أوبسا». وهذه المكونات التي يطلق عليها «أوبسا» ناقشها ديفيدسون (1995، 1997)، ويوضح في كتابه أن النصوص الأدبية والفلسفية كانت تنم عن اهتمام كبير بالمحافظة على التوازن السليم بين «سيتوس» و«أوبسا»؛ وأنه لا ينبغي أن تحل الإضافات اللذيذة الطعم الغنية بالنكهات محل الحبوب الخالية من النكهة بوصفها مواد أساسية في النظام الغذائي. ولم يشكل هذا خطرا إلا على القلة الغنية فحسب؛ إذ كان الأغنياء هم من في وسعهم تناول اللحوم بكميات أكبر من كعكات الشعير.
وكان وجود أي نوع من الأطعمة في البلدان ذات الحضارة الإغريقية الرومانية تحكمه مبادئ معينة. كان الطابع المحلي دوما من العوامل المهمة، ولم يكن أكل الأسماك متاحا لعامة الشعب إلا إذا كانوا يسكنون بالقرب من البحر، أما إذا كانوا يسكنون في منطقة مثل البر الرئيسي لليونان حيث كانت زراعة الشعير أفضل من زراعة القمح، فكانوا لا يأكلون القمح بقدر ما كانوا يأكلون الشعير، وكانت وسائل الإنتاج الزراعي والتحكم السياسي في التوزيع من العوامل المهمة كذلك. وكانت المدن الكبيرة مثل أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد، وإلى حد أكبر بكثير روما في العصر الإمبراطوري، تتميز بقدرة أكبر على استيراد الحيوانات بغرض تقديم القرابين أو لغير ذلك من الأغراض، واستيراد الحبوب، مقارنة بالمجتمعات العادية الأصغر حجما . ولم يكن متاحا لمعظم السكان القدماء أي فرصة لاختيار طعام معين مستورد من قارة أخرى، أو مستورد من بلد آخر عبر البحر المتوسط، بنفس طريقة تسويق منتجات مثل المكرونة والذرة الحلوة والنبيذ والبرجر البقري حاليا؛ فهذه الأسواق تعتمد على الإنتاج بالجملة والتكلفة المنخفضة للوحدة بهدف التوزيع على المستوى العالمي. وفي العصور القديمة، لم يكن هذا الوضع ينطبق - إلا على نطاق ضيق - على الأطعمة الفاخرة نسبيا، بل كان هذا الوضع ينطبق على التوابل؛ إذ كانت تتسم بسهولة نقلها وارتفاع قيمتها، وينطبق كذلك على الأسماك المختمرة وصلصة السمك والنبيذ. وكان بوسع المستهلكين الأغنياء اختيار شراء نوع مستورد من النبيذ بدلا من المنتج المحلي، ولكن هذا لم يكن خيارا متاحا للسواد الأعظم من الناس.
ولكن انعدام القدرة على الاختيار مقارنة بما يتاح للمستهلك في العصر الحديث يخفي سمة من السمات المهمة في العصور القديمة، وهي انتقال الأطعمة. وكما رأينا في الفصل الأول، انتقلت وسائل الزراعة على الأرجح غربا إلى بلدان البحر المتوسط قادمة من منطقة الهلال الخصيب. وفي عصر سبق العصر الكلاسيكي القديم في اليونان، كانت الدواجن قد جاءت من غابات تايلاند إلى اليونان وإيطاليا، وكان طائر التدرج قد وصل إلى اليونان. وبحلول القرن الأول الميلادي، كان قد وصل إلى إيطاليا الأرنب والبرقوق الدمشقي، وأصبح نبات الأترج معروفا. يكاد يكون من المؤكد أن الليمون والباذنجان لم يعرفا في بلدان البحر المتوسط إلا بحلول عصر ما بعد الكلاسيكي، ولم يتحول الأرز من سلعة ينظر إليها بوصفها تحفة نادرة مجلوبة من أصقاع بعيدة، إلى سلعة في متناول الجميع، إلا بعد الوجود العربي في أوروبا على الأرجح. وكان انتقال الأطعمة ظاهرة مستمرة استفاد منها الأغنياء أكثر من الفقراء، ولكن تأثر بها الجميع.
مع أنه ليس من الواضح تماما أن الوسائل المستخدمة في إنتاج الحبوب والنبيذ والزيتون قد انتقلت غربا، بدلا من الاعتقاد القائل بأنها نشأت من تلقاء نفسها في عدد من المواقع في بلدان شرق البحر المتوسط؛ يرى الكثيرون أن هذه هي الحقيقة. وكان ذلك هو الاعتقاد السائد في العصور القديمة، وكان ذلك الاعتقاد يفسر وصول النبيذ إلى البلدان الإغريقية بناء على وصول ديونيسوس من آسيا بحسب ما ترويه الأسطورة، ويفسر وصول الحبوب بناء على رحلة ديميتر وتريبتوليموس عبر آسيا الصغرى بحسب ما ترويه أسطورة أخرى.
ويعبر عن هذه الظاهرة وصول الأطعمة الوافدة من الأمريكتين إلى أوروبا إبان الفتح الإسباني؛ إذ وصلت سلع مثل الديك الرومي والشوكولاتة والفانيليا والطماطم والفلفل اللاذع والذرة والبطاطس إلى القصور الملكية في أوروبا، ونالت اهتمام أفراد الأسر الملكية، ثم أصبحت بعدئذ أطعمة متاحة لعامة الناس.
وتزامن انتقال الأطعمة مع انتقال الناس، ومن ثم كان البعض يجد السلع النادرة متاحة أمامه في مدينته عن طريق الاستيراد، بينما كان البعض الآخر يصادف تلك السلع في بلدان أجنبية. ونجد أن ملحمة «الأوديسا» من تأليف هوميروس توضح هذه الظاهرة في تاريخ مبكر.
وأدت التجارة إلى نقل سلع نادرة إلى المدن مثل العطور والتوابل، فضلا عن مؤن إضافية أو أشكال مختلفة من سلع متاحة محليا مثل القمح والخمور وغيرهما من السلع الضرورية. وكان من الوارد أن تجذب الواردات النادرة المجلوبة من بقاع بعيدة اهتمام فئات المجتمع المولعة بالتنافس، ولا سيما أفراد الطبقة الراقية الثرية ممن كانوا يرغبون في التباهي في المناسبات الاجتماعية بأطعمة تميزهم بصفتهم ينتمون إلى دوائر المطلعين على العادات الأجنبية. وكان من الوارد طلب واردات السلع التي كانت متاحة محليا أيضا في حالة حلول موسم حصاد سيئ على نحو يعرض المؤن المحلية للخطر، أو في حالة اتسام نوع من السلع المستوردة بجودة أعلى؛ ولهذا تذكر عدة أعمال أدبية أفخر المنتجات الموجودة في أماكن معينة (راجع الفصل التاسع).
نامعلوم صفحہ